أمينة خيري
جميعنا يتمنى كل التوفيق للوزيرات والوزراء الجدد في مهامهم الحيوية. وجميعنا يأمل أن يستمر الوزيرات والوزراء الذين بقوا في مناصبهم في أداء مهامهم بالشكل الأمثل لمتطلبات "هذه المرحلة الدقيقة جدًا في مسيرة مصر".
و"هذه المرحلة الدقيقة جدًا في مسيرة مصر" تحتاج الكثير والكثير من جهود البناء والإصلاح والتعديل والتصويب. أخطار أمنية تحدق بنا، وهذا واضح وضوح الشمس. وكل من يعي ويقدر منزهًا نفسه على مصالح ضيقة للمطامع السياسية ومقصيًا نفسه بعيدًا عن مصالح الإسلامجية يرى أن مصر قطعت شوطًا ضخمًا في هذا الملف، سواء من حيث مواجهة الإرهاب الداخلي بفروعه المختلفة والخارجي بمخالبه المتعددة. صحيح أن الأخطار باقية والتربصات مستمرة، لكن سبل المواجهة أمنيًا وكذلك سياسيًا ودبلوماسيًا تسير على خير ما يرام.
ملف اقتصادي ملتهب إلى درجة التقيح يجري المضي قدمًا في معالجة سياسات عقيمة سابقة، وبناء أسس جديدة بغرض الاستمرار والاستدامة، وتظهر ملامح إيجابية عدة، لا سيما من حيث تقييمات المؤسسات الدولية التي تعتمد في تصنيفاتها على معايير ربما لا تشعر بها القاعدة العريضة بعد في حياتها اليومية. مؤشرات مثل تأسيس الشركات وحماية صغار المستثمرين وسداد الضرائب ومكانة مصر في تقرير التنافسية العالمي (إلى حد ما) تحسنت بشهادة الكبار.
ملف الصحة الذي يعرف الجميع برؤى العين والتجربة الشخصية يشهد على قفزات كبرى تحققت على أصعدة عدة. فمن مبادرة القضاء على فيروس سي إلى متابعة ومعالجة أمراض العيون والكشف على تلاميذ المدارس لاكتشاف الأنيميا والتقزم إلى مبادرة صحة المرأة المصرية والكشف عن المخدرات وبرامج العلاج من الإدمان وغيرها، تحقق الكثير الذي يمنع أعتى الكارهين والمعارضين من الإنكار أو التشكيك.
والمشككون في جدية المشروع القومي للطرق لا يُسمع لهم صوت هذه الآونة. صحيح أن شكاوى البعض تتصاعد بين الحين والآخر ضيقًا من إصلاح طريق هنا أو بناء كوبري هناك أو تغيير معالم حي عريق هنا وهناك، لكن خارطة مصر تغيرت تمامًا بشبكة طرق أقل ما يمكن أن توصف به هو الإعجاز.
ومن الطرق إلى الإسكان، وهذا الكم المذهل من البناء لكافة المستويات والتمدد في الصحراء بعد عقود من الإطباق على أنفاس القاهرة الكبرى. وأبرز ما تحقق في هذا الملف إنسانيًا وصحياً واجتماعيًا تطوير العشوائيات القابلة للتطوير بالإضافة إلى القضاء على العشوائيات الخطرة بنقل سكانها إلى أماكن آدمية تتمتع بخدمات تناسب البشر.
وهذه الجزئية الأخيرة هي مربط الفرس في "هذه المرحلة الدقيقة جدًا في مسيرة مصر". فهذه القفزات الهائلة التي حققتها مصر في السنوات الخمس الماضية من حيث الصحة والإسكان والطرق والاقتصاد (بحسب المؤشرات والمقاييس الدولية) لن تستوي إلا بتحقيق قفزات مماثلة في البشر وتركيباتهم ومكوناتهم وتصرفاتهم وفكرهم. هذه القفزات البشرية تحتاج مشرط جراح ماهر وشجاع لا يخشى في البتر لومة لائم ولا يتريث تحسبًا لهجوم حزب الإبقاء على الوضع الراهن خوفًا من التجديد وإدمانًا للتحجر وعشقًا للجمود.
الجمود الواضح في تناول ملف إصلاح العنصر البشري معروف الأسباب، ويحتاج إلى تكاتف وإقدام. نسف الجانب المتحجر من الخطاب الديني الذي حول الإسلام إلى خرافات وسيطرة بشر على بشر باسم الدين وهيمنة مظاهر كاذبة على حساب خواء سلوكي وفكري وثقافي ضرورة. ضبط الشارع وربطه عبر تطبيق عقوبات آنية (بحسب القوانين) على المخالفين الذين حولوا الشوارع إلى زرائب لا تليق بالبهائم حيث فوضى القيادة والأرصفة والتصرفات لم يعد اختيارًا. ومن لا يؤمن بقيمة القانون وجدواه ليس مؤهلاً لتطبيقه. وتطهير المدارس من مكونات الأسلمة الزائفة التي تجذرت بين الكثيرين من المعلمين والمعلمات، ناهيك عن انعدام الضمائر التي تحلل الإهمال في التعليم ووأد الجوانب التربوية والاعتناء فقط بزرع قيم الجماعات المتأسلمة باعتبارها التنشئة السليمة، حتمي من أجل النهوض الفعلي بالتعليم.
نقلا عن مصراوى