زهير دعيم
" لا تخافوا ، فها انا ابشّركم بفرحٍ عظيمٍ يكونُ لجميع الشعب، انّه وُلِدَ لكم اليوم في مدينة داوود مُخلّص هو المسيح الربّ وهذه العلامة ، تجدون طفلًا مُقمّطًا في مذود" .
قصة الميلاد ، قصة جميلة غنتها السماء للارض ، ورنّمتها جوقات الملائكة باصواتها الشجيّة : " المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وفي الناس المسرّة ". فنشرت البراءة والطفولة والمحبّة في الشرق ، وانتشر هذا الخبر السّارّ ليملاَ شِعاب الارض كلّها ، فالطفل السماوي ما جاء ليُنشيء دينًا جديدًا ، وإنما جاء للبشرية جمعاء بكلّ ألوانها ومُعتقداتها وحالاتها الاجتماعية ، جاءها مُخلّصًا وفاديًا وشفيعًا؛ جاءها مُتجسّدًا ليحملَ إليها السرّ الازلي ، سرّ الخلاص بالتجسّد الالهي الرائع.
ما اجملكَ يا طفلَ المغارة ، وما احيلى واروع َ البراءة المُتمثلة في كلّ حِسٍ وعصبٍ فيكَ !!..جئت متواضعًا وأنت المليك ، ورضيت أن تولدَ في مغارة حقيرة وأنت السيّد ، وتتلفّع بالقش وتستدفيء بانفاس الحيوانات وتتمنطق بالحقّ، ناظرًا الى اورشليم ، اورشليم المجد ، اورشليم الآلام واورشليم المحبّة اللامُتناهية المُتسربلة أبدًا بالقداسة .
الى اورشليم ترنو وترنو وفي اعماقك أعظم وأجمل فكر عرفه البشر : " احبّوا اعداءكم ، باركوا لاعنيكم ، أحسنوا الي مُبغضيكم ، وصلّوا لاجل الذين يُسيئون اليكم ويطردونكم ".
اراكَ يا سيّد وانت تنحني وامامك تلك التي امسِكت بذات الفعل ، فتخربش على الثّرى وتُلقم شيوخ اليهود المُشتكين الف حجر: " مَنْ منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر" ، وينسحب المُشتكون العُتاة واحدًا واحدًا وهم يتقطّعون حنقًا وغيظًا قائلين في نفوسهم : من اينَ لهذا النجّار هذه الحِكَم وهذه الدّرر الالهية ؟.
المطر والزمهرير والثلج والعاصفة وكلّ مرادفات كانون لن تقوى على دحر النّور الاتي من بيت لحم .
قُماطكَ يا طفل البشرية يقطرُ اليوم دمًا في كلّ بُقعة من بقاع الارض ، فأنّى نظرتَ سترى القتل والظّلم والاحتلال والطُغيان ، وأنّى التفتّ ستسمع ازيز الرصاص وهدير الطائرات وصراخ الضمير المُنتحر .
ما عاد في ارضنا يا ربّ رعاة متبدّون يسهرون على قطعانهم ، وما عادت عذارى القدس يبكين عليك ، فلقد طغى المال وتجبّر فباعوك بثلاثين من الفضة ، بل بالشاقل واليورو والاوراق المُهترئة ...ورغم كلّ التشاؤم فهناك ملايين الملايين من الرّكَب ما زالت تسجدُ لكَ !!
فتعال يا سيّد ...تعال على سحاب السماء والمجد وانقذ العالم من نفسه ...تعال فكلّ بقعة من الجليل والناصرة وجبل الزيتون تنتظر كما النفوس بشوق .
تعال يا يسوع فالنفوس تشتاق اليك والارض تنتظر عطر اقدامك والنسيم يتوق الى انفاسك السماوية، عجّل يا ربّ فقد جُنّ البشر او كادوا!!