الأقباط متحدون - بابا اداني جنيه .. وأعمل بيه أيه؟!
أخر تحديث ١٩:٣٦ | الثلاثاء ٦ مارس ٢٠١٢ | ٢٧ أمشير ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٩١ السنة السابعة
إغلاق تصغير

بابا اداني جنيه .. وأعمل بيه أيه؟!



بقلم : هــا ني شـهـدي


قصـة قصـيرة من الشـارع المصري
الحـفــ(١)ــلة
دعيت لحفل " سبوع " ابن اختى الوليد باكورة الجيل الثانى للعائلة ، زُيّنت العمارة بأكملها بالانوار، فى شقة الضيف جلس الجميع يرتدى افضل الثياب يتناولون التهانى والعتاب والالقاب ،ظهر العريس الصغير وجهه غير واضح المعالم كوجه زمنه، حجمه صغير على امل ان يكبر كحجم اقتصاد بلده، ولان الخال والد دُفع بى فى الصفوف الامامية للمشرفين على البوفيه والمغات والدى جى وصلاة الطشت وخلافه.. اطمأنيت مبدئياً على مستقبل ابن اختى "ابن المحظوظة" من مشاهدتى لكمية ما جمع من نُقطة بجميع الوان العملات العالمية حيث عائلاتنا المصرية المتواضعة لا تحب الفشخرة واظهار افضل ماعندها فى تلك المناسبات، ارتفع صوت الدى- جى بموسيقى واغانى الاطفال عن الماضى الجميل والحاضر الاجمل.حرب باردة مابين فرحة وانشكاح الموسيقى وقرف وعكننة افراد العائلة فى حديثهم عن حال البلد والحكم، بعدما شاركتهم عكننتهم حتى الثمالة تركتهم الى جهازالكمبيوتر قائد الفرحة والصهللة " اسكو براره راه .. اسكو براره رى .. بابا ادانى جنيه ..بس اعمل بيه ايه؟!

 

وما ان عبرت سيرة الجنيه امام الكمبيوتر حتى تعطل وحلف" براس ابوه "ماهو شغال يهديك يرضيك الله يخليك ابدا ..حلف الكمبيوتر ماهو شغال الا بعد  اجابة سؤال الطفل الغلبان دا ليعرف هايعمل ايه بالجنيه؟!. فجأة ضخّمت الفكرة فى عقلى واخذتها بجدية وبعقلية مواطن يبحث عن قيمة لعملة بلده وآمال طفل فى الحصول على فرحة مفقودة، تركت الكمبيوتر والمعركة الموسيقية والشيكولاتة واستدرت فى معركة البحث عن الذات وقيمة للجنيه، اخرجت من جيبى جنيه ورقى انهكته الثورات والجولات داخل ارجاء القطر المصرى منذ طباعته عام ٢٠٠١ ،عبرت داخل صالة الشقة الرئيسية حيث الحاضرين، تعمدت سقوطه على الارض امامهم فى استحياء فتبرع الجميع ونادوا.. "حوش اللى وقع منك" فكان هذا مؤشر على ان ما أسقطه شئ ذو قيمة، اظهرت عدم التقاطى لتنبيههم بفعل ضوضاء الحفل مما زاد اهتمامى عن قيمة " القيمة " التى سقطت منى، وزاد معها اصرارهم ورفع احد الاطفال يده والتقط اصابعى فتوقفت ورفع يده الاخرى بالجنيه البطل وقال " عمو عمو .. الجنيه ده بتاعك " فعاد الجنيه الي جيبي من مبدأ الأمانة وليس من مبدأ القيمة الفعلية الشرائية للجنيه المتهم ،ولأنى مقتنع بأن التجربة خير برهان قررت بجنون الانصراف من الحفل، وحيث اطمأنيت لمستقبل ابن اختى سنتين ثلاثة قدام لما جمع من نُقطة، كان لابد ان اطمئن على هذا الطفل المصرى الغلبان الصارخ من الاغنية " بابا ادانى جنيه بس اعمل بيه ايه ؟! "


الشــــ(٢)ـارع
على السلم .. فردت الجنيه بيدى اليسرى واشرت له باصبع يدى اليمنى ثائرا .. " ارحل .. ارحل .. ارحل " الليلة وليس غدا فاتفقنا سويا على الرحيل المشروط بفائدة لى ورحيل كريم له ولتاريخه . وبرغبة طفل واحتياج بالغ دخلت السوبر ماركت فى الحى الراقى الذى تسكنه اختى، اخرجت الجنيه ونظرت له نظرة الوداع الاخيرة، بسرعة خبأته داخل جيبى بعدما شعرنا انا وهو بالقزامة بجوار الاوراق ذات ال 50, 100 , 200 جنيه وان ليس له مكان وسط هذه السلع المستوردة، بعد المرور بين صفوف السلع المعروضة، انتبهت الى ان هذا الحى الراقى ليس هو ملعبى فقررت بسرعة ان اكمل مغامرتى فى الحى المتوسط الذى اسكن فيه. توقف امامى اول ميكروباص واندفع امامى اول راكب فما كان من تباع الميكروباص الا ان يملى شروطه على الركاب " الاجرة جنيه ونص يابهوات قبل ماحد يركب " فتراجعت للخلف على اعتبار انى هاخد تاكسى حفاظا على شياكة البدلة وتركت ميكروباص الغلابة يطير ، داخل محطة مترو الانفاق اخرجت كارنيه الاشتراك الشهرى وحيث تذكرة المترو بجنيه ونص ايضا لذا تركت الجنيه بتاعى ينام ويستريح بعض الوقت قبل سفره عني ، وصل المترو خرجت بمعجزة من القطار والمحطة،على اسوار المحطة الباعة الجائلين " لب سودانى لبان شيكولاتة " وقفت عن بعد حتى اتجنب آلسانهم الزالف،برضه جنيه ونص،فى المنطقة حول منزلى عبرت أمام بقالة عم " بخيت الاليط " اقدم بقال بالمنطقة حاولت بعين طفل وليس بعينالحسود أن ألتقط" كيس شيبسى باكو لبان قمع ايس كريم زجاجة حاجة ساقعة -الكانز طبعا مستبعد " باغتنى هذا الاليط صعيدى عقر من بتوع زمان تأمر بحاجة يااستاذ ؟..

 

سلامتك ياعم اليط قصدى بخيت ، ادركت انى تركت الحفل بدون عشاء فقلت اكل الاول وبعدين احلى ، قلت اخد ساندويتشين تصبيرة لحد ما اروح البيت اتعشى . بس هو "بكار الزنهار" سلطان الكبدة والسجق باليل وملك الفول والطعمية بالنهار،نص رغيف اى حاجة فى اى وقت جنيه وربع على الاقل ، خلاص يبقى كشرى عند "جلال الحلال" الطبق العادى من غير رز ولا مكرونة  ولا صلصة ب 2 جنيه ،لم يتبقي أمامي سوي العيش الحاف والسلام، رغيف عيش ب 5 قروش موجود بوفرة في مغارة علي باباحيث دهب وياقوت ومرجان وعيش من ابو شلن " احمدك يارب" لكن للأسف لأن مفيش مغارة اصلا فامفيش عيش ب 5 قروش، اوشك جنيهى ان يلتقط انفلونزا بفعل كثرة دخوله وخروجه من جيبى الدافئ الى برد الشتاء والاسعار فقررت حفظه فى جيبى لآجل غير مسمى .بالطبع هناك اماكن ممنوع الاقتراب منها مثل الصيدلية والدكتور والفكهانى والجزار والكهربائى والسباك . قلت بس هو عم "اسماعيل العنتيل" كما كنا نسميه ونحن طلاب ثانوى وهو ناظرنا وطلع معاش وفتح المكتبة فى بيته يتسلّى ، طال صمتى والجنيه بيدى علي أمل ان التقت ولو قلم ألوان ألوّن به  ليلتي بالأمل قبل أن تلونني بالكأبة ،التقط هو بذكاء مهنته مايدور بذهنى وقال " مفيش يابنى " فما زال يعتبرنا تلاميذه رغم الزمن ، سألته "مفيش ايه " قال عايز حاجة بجنيه صح! قلتلك مفيش لاطفنى ببقايا ثقافته " يابنى الجنيه تحول لمصاف العملات الفقيرة" يعنى ايه؟ " يعنى تخبّيه مكانه ولا عزاء لحامله .. يلا روح على فصلك قصدى على بيتك "، أخيرآ..

 

عم "زناتى الكنتاكى" فرارجى على اول الشارع، صوته خرم ودانى " ماينفعش ياماما " تطفلت عليه " ايه اللى ماينفعش " قال " الست وزنتلها ب5 جنيه رجول فراخ وعايزة تدفع 3 بس "،كان واضحاً من الحاحها عليه و هيئتها بأن رجول الفراخ لأطفالها بالمنزل و ليس لقطّة  المنزل ،سألته طب لو هتدفع جنيه واحد بس ؟!"، قبل ان يجيب كنت اعبر امام القهوة حتي اهدىء اعصابى معهم، لكن للأسف وجدتهم ينادون " طارق " عامل القهوة " حسابك كام ؟" ،" 2 شاى 4 جنيه يابهوات " مفيش قهوة .صوت صراخ وخبط اكيد مظاهرة ثورة اعتصام ، لأ.. طلعت انابيب بوتاجاز رخيصة ب50 جنيه الواحدة، ساورتنى فكرة شيطانية فى حدود الجنيه ،ان ارشي به العامل واشم شوية غاز من الانابيب الفارغة يمكن اتخدر وانسي وارتاح او بالمرة ربنا يريحنى، ولآنه لم يكن معى انبوبة بوتاجازى الفارغة ظهرت بمظهر لص الانابيب الشيك الذى ينتظر الفرصة لخطف انبوبة ، ولأن دى فيها علقة سخنة فمضيت مكتئبا مهموما بعدما ادركت ان الجنيه ولا عارف اعيش بيه ولا حتى عارف اموت بيه، وفيما انا قررت العودة الى منزلى لارتاح واريحه، عبر بجوارى مهزوم اخر من الجنيه وسألنى "حاجة لله يابيه " ما الفائدة من تداوله من مهزوم لمهزوم اخر؟!، رفضت هذا الثواب الذى ينقض اتفاقنا بالانتقال الكريم الذى ارفض اكتسابه على حساب كرامة الجنيه ذلك  الكائن الحى فى صورة ورقة. 


المحـا كــ(٣)ـمة
أعلي ترابيزة السفرة .. أخرجت من جيبي الجنيه الورقي واعطيته فرصة اخيرة للدفاع عن نفسه قبل اعدامه بمعرفتى .. وبدأت اغنى معه " هاعمل فيك ايه ؟!..هاعمل فيك ايه؟! بادرته بالسؤال : اسمك وسنك وعنوان ووظيفتك؟..أجاب في هيبة العظماء وانكسار عزيز قوماِ ذل..
اسمى الجنيه المصرى وهى تسمية انجليزية وليست عربية لعملة انجلتراوهي(Guinea) وللقب يستخدم رمز الايزو 4217 بالاحرفEGP وظيفتى الوحدة الاساسية للعملة فى ارض مصر الطيبة منذ صدور مرسوم خديوى بميلادى سنة 1834 وظهرت للنور وتم تداولى 1836 وكورقة نقدية  1899

 

.تاريخك ؟ نشأت مرتبطا بأخى الاكبر سنا الجنيه الاسترلينى حتى عام 1962 وكان الاسترلينى = 0.975 جم مصرى، وشاءت العناية الالهية ان يكمل شقيقى الاسترليني حياته فى لندن مرفوع الرأس كالزرافة، اما انا حكم على بالنفى الى مصر لأكون" قليل الايام شبعان تعب" ويتم تقريدى (من القرد ) كل يوم على ايدى المصريين ،هل تصدق وانا فى عز شبابى فى الفترة 1855- 1914 كنت كجنيه مصرى = 7.43 جم ذهب، تاريخك مع امير التنظيم قصدى امير العملات ؟ طول عمرى متفوق على الدولار مثلا عام 1962  جنيه مصرى = 2.3 دولار امريكى وانهار هوامامى فى حرب اكتوبرليصبح الجنيه الواحد  = 2.5 دولار ورفع امامى فى 1978 ليساوى 1.4 دولار ثم انخفضت قيمتى بعد ذلك وتم تعويمى جزئيا عام 1989 وتعويمى بشكل كامل 2003 الى ان غرقت و أغرق كل يوم..


سماعى لتاريخه الطويل مع المأساة اجتذبنى ، امامك دقيقة للدفاع عن نفسك ؟؟ مشكلتى الحقيقية مع المصريين الكادحين ليست انى غير قادر على الخروج من جيوبهم لكنها عدم مقدرتى على دخول جيوبهم اصلاً ، أحيانا دخولى الوافر عليهم يضطرهم لحبسى داخل خزائن البنوك  وانا خلقت للحرية والاستثمار ،اما دخولى الطبيعى اليهم يكون عن طريق تحويلات المصريين من الخارج وخاصة السعودية وامريكا .ألآن لا مناخ للاستثمار والتحويل ،السياحة..خطفتم السياح وصنّمتمْ الاهرامات ،صادرات البترول والغاز.. بيع لاسرائيل بارخص من سعره العالمى، قناة السويس.. النقل الجوى ضربها فى مقتل، الزراعة.. اولاد بلدك هربوا وتركوا ارضهم خربة ،الصناعة.. مهزومة من الحوت الصينىبالضربة القاضية، الان انا غير قادر على الخروج ل 80 مليون مصرى من الفانوس السحرى حتى أرضيهم ،هذه هى الجروح التى جرحت بها فى بيت احبائى المصريين. ياعزيزى المصرى الذنب ذنبكم وليس ذنبى.


دمعت عينى لهذا التاريخ الطويل مع الالم الذى اصاب المتحدث ،وحتى اتأكد من صدق كلامه وانه هو الشخص المطلوب ذهبت لجهاز الكمبيوتر وطلب من مفتش المباحث الالكترونية العالمى العميد " جوجل " البحث عن متهم يسمى "ورقة نقدية بقيمة جنيه مصرى " وبعد عناء عثر له على صورة واحدة فقط من الاف الصور مما اخجلنى واخجله امام جوجل.
 اقتنعت بصدق دفاعه وانتيهت الى ان افضل شئ يمكن ان افعله بالجنيه ان اكتب عليه تاريخ اليوم واعطره وأضعه فى وسط كتابى ذكرى ل"سبوع " ابن اختى وهذه المغامرة المثيرة . تمت


رابط ألأغنية:


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع