بقلم: د.نجيب جبرائيل
مع بداية فتح باب الترشح لارفع منصب للبلاد لانتخاب رئيس جمهورية مصر بعد ثورة الخامس والعشرون من يناير ظلت مصر بكافة طوائفها وفئاتها واحزابها وما تزال تتحدث عن شخصية هذا الرئيس اذ ان البعض يرى ان الرئيس لن يخرج عن عباءة المؤسسة العسكرية والبعض الاخر زعم بان الريس هو بالفعل قد تمت تسميته سريا على خلفية صفقة بين الاخوان والمجلس العسكرى ابتغاء ان يخرج المجلس العسكرى من موقعه امنا سالما وراح اخر ان رئيس مصر لابد ان يحظى بموافقة او على موافقة الربيبة الكبرى امريكا خاصة بعد نجاحها فى استرداد موظفيها الامريكان فيما يعرف بقضيةىالتمويل الاجنبى .
وذهب فريق لا بأس به يرى ان اى رئيس لمصر فى هذه المرحلة لن ينجح الا بتصويت الكتل الاخوانية والاسلامية ربما يكون ذلك سيناريو متكرر من استفتاء التعديل الدستورى فى مارس الماضى والانتخابات البرلمانية الاخري حيث لعبت التيارات الدينية بذكاء وحصدت الاغلبية التصويتية تحت عبارة الخوف على الشريعة والجنة والنار ,. ربما يتكرر ذلك فى انتخابات رئيس مصر القادم .
وللافت للنظر انه لم يتم حتى الان التعويل كثيرا على اصوات الاقباط كما كان يحدث قبل الانتخابات البرلمانية الاخيرة والاعلان الدستورى فى مارس الماضى اللهم بعض المغازلات غير المؤثرة من بعض الشخصيات محتملة الترشيح مثل الدكتور / ابو الفتوح وعمرو موسى مع بعض الشخيات القبطية والتى اعترضت الاغلبية القبطية على هذا التقارب مع شخصية كانت تمثل حجرا اساسيا فى جماعة الاخوان المسلمين .
ويؤسفنا ان الاقباط برغم تهميشهم والمحاولات المتكررة لاقصائهم على المسرح السياسى فى ظل المناخ الذى تشهده مصر الان هم ايضا زادوا من تهميش انفسهم بسبب تفرقهم وتشيعهم وعدم توحدهم وعدم وجود تنسيق بينهم وبين الكنيسة ولكن الحديث اليوم لن يكون عن حال الاقباط المزرى والمبكى ولكن سوف يكون عن شخصية ومعايير اختيار رئيس مصر القادم , وما يطرح الان فى النظم السياسية الحديثة ومن خبرات الشعوب المتقدمة فى اختيار رؤسائها وقبل ان نتعرض لذلك سوف نقف بأشمئزاز كبير فيما درج عليه البعض من ان رئيس مصر القادم لابد ان يكون " رئيسا توافقيا " ومعنى كلمة توافقى فهى تأتى من يتفق او اتفاق او موافقة او توافق اى يجتمع الجميع من كافة فئات الشعب وطوائفه ليصنعوا رئيسا ينتسب الى كل الاطياف ولا يختلف عليه احد سواء كان حزبا سياسيا او مجموعات فئوية او مؤسسات دينية لكن كيف يحدث ذلك وان الاحزاب مختلفة التيارات والمناهج فمنها الليبرالى ومنها الناصرى ومنها الدينى ومنها الاشتراكى ومنها التقدمى الوحدوى ومنها الوفدى ومنها الاصولى السلفى فهذه التعددية الحزبية بأستثناء الاصولية السلفية تعطى ثراءا للحياة السياسية لانها تهدف الى مدنية الدولة فهل يمكن ان يؤتى برئيس يرضى كل هذه التيارات فى وقتا واحد فعل سبيل المثال هناك احزاب تصر على ان مصر لابد ان تكون دولة مدنية وليس لها اى مرجعية دينية وتطالب بالغاء المادة الثانية من الدستور والتى تنص على ان الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وهناك حزب لا يكتفى بوجود المادة الثانية كمصدر رئيسى للتشريع انما يصر على صياغة هذه المادة بان تشمل احكام الشريعة الاسلامية تفصيلا كالحدود مثل الرجم وقطع اليد فهل يمكن الاسلاميون ان يقبلوا برئيس جممهورية يلغى او حتى يقيد المادة الثانية ويضع بجانبها مواثيق حقوق الانسان كمصدر رئيسى للتشريع فى البلاد وهل يقبل الوفديون رئيس جمهورية يعيد النظام الاشتراكى ويلغى الخصخصة والاستثمارات الاجنبية ويؤمم اصحاب رؤوس الاموال كما كان فى عهد جمال عبد الناصر .
اذن مسالة وجود رئيس توافقى هو بدعة او نوع من العبث لا يتواجد الا فى الدول المتخلفة فهل نحن نحتاج الى صناعة رئيس بمواصفات خليجية او امريكية .
ولكن السؤال الذى يطرح نفسسه هو اذا ما كانت فكرة الرئيس التوافقى هى فكرة غيبية فى علوم السياسة الحديثة وتتنافى مع الديمقراطية التى قوامها التعددية السياسية والدينية اذن ما هى معايير اختيار رئيس مصر القادم .
بادئ ذى بدء بطبيعة الحال يتبادر للذهن عند اختيار الرئيس البحث عن برامج المرشحيين لرئاسة الجمهورية واعمال المقارنة فى كل برنامج واختيار صاحب البرنامج الذى يحقق لمصر ما عجز بل ما افسده رؤساء مصر السابقين وما عجزوا فيه عن رفع الظلم والقهر والجوع والجهل والحرمان للشعب المصرى ولاجتناب ثورة الجياع التى يمكن ان تندلع قريبا ولكن هل تحقيق هذا البرنامج الذى يحقق طموحات الشعب المصرى مجرد كلام معسول ام هى برامج قابلة للتنفيذ ولو على خطط قصيرة او طويلة الاجل .
نعم برنامج الرئيس الانتخابى عليه معول هام فى اعتقادى لانه هو العقد المبرم بينه وبين الشعب لكى يحاسب على اى اخلال ببنوده مستقبلا .
ولكن لا يكفى البرنامج الانتخابى ان جميع البرامج الانتخابية بكل المرشحين سوف تكون متشابهة الى حد كبير بل يمكن ان تكون متطابقة الا انه يمكن ان نرى برنامجا انتخابيا يمكن ان يلفت النظر ويغزوا قلوب الفقراء والمساكين بالعواطف الدينية كما حدث فى الاستفتاء الدستورى والانتخابات البرلمانية الاخيرة .
واعتقد انه اذا لم تنجح حملات الوعى من مثقفين فى النجوع والقرى خلال الخمسة والاربعون يوما الباقية على انتخابات الرئاسة سوف ينجح هذ البرنامج الذى يستغل العاطفة الدينية اذ ان الشعوب المقهورة والفقيرة تجد ملاذها الاخير فى جلباب الدين الذى يرفع ويمتص حالة الغضب . ولكن قبل ان اسرد مواصفات رئيس مصر القادم من وجه نظرى اسرد قصة صغيرة تعطيك مؤشر قوى على انه لا يكفى مجرد البرنامج الانتخابى على من سوف يرشح نفسه لرئاسة مصر بل هناك معايير شخصية لابد ان تكون فى شخصية الرئيس , وقد حدث فى الستينات عندما كان يزور اعظم رئيس امريكى فى ذلك الوقت احدى المدارس الامريكية وهو الرئيس جون كنيدى و ذهب لسؤال التلاميذ عن امنية كل تلميذ فمن قال اريد ان اكون مهندسا ومن قال اريد ان اكون رائد من رواد الفضاء واخر محاميا واخر جراحا ثم سأل تلميذ وماذا تريد انت فرد قائلا ان اكون رئيسا لامريكا فمن كان هذا التلميذ هذا التلميذ هو بيل كلنتون الذى قاد امريكا العظمى لفترة رئاسية كانت فيها امريكا من اقوى اقتصاديات العالم واقوى قوى عسكرية وما تزال قرينتة تمثل ال السياسية الخارجية الامريكية حتى الان .
اننى اعطى هذا المثال لاقول ان رئيس مصر القادم لابد ان تتوافر فيه معايير شخصية ايضا الى جانب الموضوعية فمثلا :-
1- لا نريد رئيسا قوميا يطوف ويمجد القومية العربية فقط ويدخل البلاد فى حروب استنزفت خيرت شبابها وخيراتها فى سبيل دول قزمية تتعالى علينا بعد ان كان رؤسائها وامرائها لا يعرفون غير الصندل حذاءا لهم يفركون اصابعهم من خلال فتحات هذا الصندل حتى وصلنا الى ما يعانية الفلاح المصرى البسيط والعامل الذى تدنى اجرة الى اقل من دولار فى اليوم .
2- لا نريد رئيسا يشيع او يقسم الشعب المصرى الى شيع وطوائف ويوجد فتن طائفية نعانى منها حتى الان حينما اغفل خمسة عشرة مليون قبطى وقال قولته المشهورة والمشئومة " انه رئيس مسلم لدولة مسلمة " فمن قال انه رئيس غير مسلم واسمه محمد انور السادات ومن قال ان مصر دولة اغلبية غير مسلمة اذن ما مغزى ما قاله هذا الرئيس .
3- لا نريد رئيسا لم يرى ولم يقف امام اشارة مرور واحدة طوال اكثر من ثلاثة عقود من الزمن تمرر فيها المصريون وذاقوا فقر وجوع وقهر وحرمان وهو فى برجا عاليا فاسد ومفسدا من حوله .
- ولكننا نريد ريسا مواصفاته الاتى :-
1- متجردا من اى رداءا حزبيا او انتمائا سياسيا اوتيارا دينيا .
2- نريد رئيسا وهو يحكم البلاد يضع نصب اعينه عبارة " ان كانت تدوم لك ما كانت دامت لغيرك "
3- رئيسا يذكره التاريخ انه صنع وابدع ما لا يبدعه غيره وانه اصلح ما افسده غيره .
4- رئيسا ليس صاحب تصريحات عنترية انما يعمل بروح الفريق وان يكون خادما قبل ان يكون مخدوما .
5- ان يكون متجردا من اى نوازع او اهوءا دينية ويضع امامه نموذج الرئيس بشبر السودانى وما صنعه فى غير المسلمين والذى ادى الى فصل السودان جنوبه عن شماله .
6- ان يكون رئيسا لا يترك الامور فى ايدى حفنة قليلة لا تتعدى اصابع اليد او اليدين لتحكم البلاد .
7- رئيسا لا يعتمد على التقارير المكتبية ولا يكتفى بها .
8- رئيسا لا يحول المؤسسة الامنية الى مؤسسة امنية رئاسية " البوليس السياسى " .
9- رئيسا يمشى بسيارته العادية فى شوارع البلاد كما رايت رئيس وزراء هولندا يسير بالدراجة فى شوارع امستردام العاصمة وكما شاهدت بام عينى الرئيس الفرنسى الاسبق جيسكار ديستان وهو يقف بجوارى فى اشارة المرورر وايضا كما رايت الرئيس بيل كلنتون يتريض صباحا حول حديقة البيت الابيض .
10- رئيسا بلغى ويمحى عبارة " بناء على توجيهات الرئيس قام الجيش بتوفير رغيف العيش وقام وزير البترول بفتح مستودعات انابيب البوتاجاز وقامت شركة المقاولين العرب ببناء محطة مياة جديدة بدلا من طلمبات ضخ المياة التى جلبت البلهارسيا لابناء القليوبية وتكليف وزير الرزاعة بتوفير الاسمدة للفلاحين وتوجهات بافتتاح مسجد الدعاه بالازهر " فهل وزير الرزاعة والبترول والجيش والاوقاف والصحة والاسكان لا يعملون الا بتوجهات الرئيس .
11- نريد رئيسا ينزل الشارع ويحس بالفقير والمظلوم والمريض وما يعانية الانسان المصرى ويسهر ولا ينام حتى يطمئن على الفقير والمسكيين .
- وفى النهاية نريد لمصر ولادة جديدة لرئيس جديد وليس صناعيا نريد رئيسا مصريا حاسما عادلا قويا لا نريد اماما او قسيسا وطبعا الاخير لن يكون مطلقا....... فكاهة.