الأقباط متحدون - شبابنا وفقدان الثقافة
أخر تحديث ٠٣:٠١ | الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢ | ٤ برمهات ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٩٨ السنة السابعة
إغلاق تصغير

شبابنا وفقدان الثقافة



بقلم: مهندس ماجد الراهب
منذ عدة أيام كنت في لقاء مع شباب إحدى الأسر الجامعية التابعة لأسقفية الشباب، وقبلها بعدة أسابيع كنت مع اجتماع شباب جامعة بإحدى الكنائس. في اللقاءين تعددت المواضيع بين ما هو روحي وبين ما هو ثقافي، وكانت هذه اللقاءات بعد فترة كبيرة نسبيًا لم ألتق بها بالشباب.

وكم حزنت على شبابنا من الجنسين، ضحالة فكرية وضحالة روحية وضحالة ثقافية، والذي أدهشني أكثر أن هؤلاء مواظبون على حضور مثل هذه الاجتماعات، فكم بالحري الذين لا يتوافر لهم حظ في الحضور.

في اللقاء الأخير، وكان عن موضوع مرتبط بالصوم، وأخترت موضوع صوم العقل، وهو دراسة آبائية عن الصوم من القرن العاشر. وفي أغلب لقاءاتي أحبِّذ طابع الحوار والمناقشات، وبدأت الحوار بسؤال: لماذا نصوم؟..

وكما توقعت، إجابات تقليدية محفوظة، فطلبت منهم التكلم بصراحة ولا داعي للإجابات النموذجية.

فتصدى شاب من الحضور وقال لي: عايز من الآخر؟.. قلتله: "نعم". قال: بنصوم علشان ده فرض وضعته الكنيسة، وعلشان لا نُمنع من التناول، وعلشان صورتنا أمام الآخرين!!!!.

وانفجرت القاعة بين مؤيد ومعارض، ولكن في نفس الوقت كم كانت سعادتي بهذه الإجابة لكي تكون مدخلاً لموضوعي.

وهنا، يجب أن نتوقَّف عند الثلاث كلمات (فرض- نُمنع- صورتنا)، فهي تلخِّص حال ما وصل إليه التعليم الكنسي في "مصر"، وكيف تسلَّل هذا الفكر الغريب لكنيستنا بالرغم من كل هذا الزخم الكنسي والتقني والميديا.

تحوَّلت الممارسات الكنسية إلى فروض واجبة الطاعة وأوامر تنهي وتمنع، وأصبحت الممارسات جزء من تكملة الصورة أمام المجتمع حتى لا يُقال إننا خارج القطيع.
وكم تحسَّرت على فكر الآباء وفكر مدرسة "الإسكندرية" والفكر القبطي الذي أنار المسكونة كلها، كيف نترك هذه الوجبة الدسمة ونقتات من فكر دخيل علينا ومن ثقافات مجتمعية غير مسيحية. منذ متى كانت بالمسيحية فروض؟ ومتى سادت سياسة المنع والحروم بدلاً من الفهم والحب والجسد الواحد؟ وكيف تحوَّلت صورة المسيح المطبوعة فينا إلى صورة نرسمها بأيدينا نتباهى بها أمام المجتمع؟.

لن أناقش هنا هذه المفاهيم، فهي تحتاج إلى دراسة مستقلة، ولكن أنا أنبّه إلى خطورة ما نحن مقبلين عليه.

الاجتماع الثاني وكان عن الفنون والثقافة القبطية- وما أدراك مقدار الجهل البين في هذا المضمار-وكالمعتاد سألت في البداية، ما هي الأيقونة؟ وكانت الإجابة إشارة من أحد الشباب إلى حائط الكنيسة الذي يحمل بعض الأيقونات، موضحًا أن هذه هي الأيقونة.

ولم يختلف الحال كثيرًا عما سبق، لا يعلمون الفرق بين الأيقونة والجدارية، والفرق بين الحجاب وحامل الأيقونات.. لا يعلمون أين يوجد جبل الطير هل هو في "أسيوط" ولا "بني سويف" (لم يذكر أحد المنيا)، ولا يعلمون شيئًا عن مسار العائلة المقدسة وأين توجد "الفرما".

ما الفرق بين القبو والقبة؟ ولماذا يوجد الحصن في الأديرة، ينكرون وجود أدب قبطي. يجهلون عمداء مدرسة "الإسكندرية" اللاهوتية، ويجهلون المدارس الرهبانية.

لم يزوروا متحفًا في حياتهم، ولم يروا الأهرام سوى في الصور.
انتابني لبعض الوقت سخط وغضب على ضياع وقتي وموافقتي على حضور مثل هذه الاجتماعات. ولكن تنبَّهت أن هؤلاء لا ذنب لهم، بل مجني عليهم؛ لأننا لم نحصنهم ونمنحهم رعاية ثقافية وروحية تناسب عصرهم.

ولكي لا تكون الصورة شديدة القتامة، أتذكَّر منذ سنة كنت في "سمالوط" في عدة لقاءات مع الخدام والشباب والأطفال، وكم كانت فرحتي بهذا الوعي المبكِّر الذي لدى هؤلاء، وكم القراءات التي حصلوا عليها، ومناقشاتهم معي التي امتدت إلى قرب منتصف الليل. وهنا لابد أن أشير إلى أن خدام "سمالوط" لا يتعدَّى سنهم الخامسة والعشرين، ولكن عمالقة بكل معنى الكلمة، لم تلوثهم الميديا والفضائيات الساقطة، ولم يتركوا الكتاب.

وأيضًا، لابد أن أذكر الإكليروس الذي يخدم في "سمالوط"، الذي يشجعهم ويمنحهم الحرية الكاملة في النقاش وإدارة الحوار.

أخيرًا، يجب أن نتكاتف جميعًا ونضع برامج وحلولاً حتى لا يظل شبابنا فريسة لقلة الثقافة وقلة الوعي، وأيضًا الخبرة سواء روحية أو مجتمعية.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter