الأقباط متحدون - من وحي سرير المرض
أخر تحديث ٠١:٠٤ | الاثنين ١٩ مارس ٢٠١٢ | ١٠ برمهات ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٠٤ السنة السابعة
إغلاق تصغير

من وحي سرير المرض

 بقلم: سحر غريب

 
الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى. ليس ضروريًا أن يحسد المريض الصحيح، ولكنه مع ذلك يتعجب لهذا السليم المُعافى الذي يوزِّع أحقاده وكراهيته وخلافاته التافهة على كل من يلقيه حظه العاثر في طريقه، وهو المريض الذي يبحث داخل دفاتره عن ذنوب قد اقترفها فيجدها ذنوبًا بسيطة لا تستحق كل تلك المعاناة، فهو الذي أحب الجميع دون شرط أو قيد دون النظر إلى ألوانهم أو أديانهم أو إلى ملابسهم.
 
فليتخيل هذا المتعالي الذي يرى في نفسه مشروع المخلل على وجه الدنيا وهو على سرير المرض، حيث تجلس بجوار سريره صديقته الوحيدة الوفية زجاجة الجلوكوز التي تتدلى من أعلى السرير لتغرس أنيابها في عروقه.. فليرى ذراعه وقد رسمت عليها الممرضة بعضًا من إبداعاتها الزرقاء المؤلمة بفعل حقنة شمطاء ليس لها صاحب ولا عزيز.
 
حين تكون وسيلة التسلية الوحيدة التي تستطيع توفيرها المستشفى الفقير الذي ليس لديه إلا اثنين جهاز تليفزيون فقط لا تحصل على أحدهما إلا إذا كانت الست الوالدة داعيالك دنيا وآخرة، ساعتها نقاط المياه المُتسربة من الصنبور ستكون وسيلة تسليتك الوحيدة.. قد تتخيَّل ألحانًا تنساب من خلال أصوات نقاطها، أو قد تتخيل أن الغرفة المُوحشة فيها بني آدمين غيرك قرَّروا أن يفاجئوك ويزوروك بعد أن هجرك الجميع لأن جو المستشفيات لا يناسبهم، وبعد أن ألححت عليهم- من خلف قلبك- أن يرحلوا حتى لا يصيبهم الملل الذي لا يستحقوه ويستحقه هذا المسكين الذي ترك نفسه فريسة للمرض.
 
تخيّل الجلوس في العتمة منتظرًا ممرضة عابرة لتضيء لك النور وأنت حبيس الفراش.. قد تجلس بالساعات تحلم بها، أما إذا كنت قليل البخت فقد تزورك وأنت نائم في سابع نومة- بفعل الملل من انتظارها- وتستمر العتمة حتى تحين مواعيد الزيارة التالية.
 
سجن المرض سجن مؤلم، فقضبان السجون الطبيعية لن تُقيد إلا حركتك أما المرض فهو قادر على أن يُقيِّد أعضائك ويشلها عن الحركة. 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter