الأقباط متحدون - البابا في حب مصر
أخر تحديث ٠١:٠٣ | الاربعاء ٢١ مارس ٢٠١٢ | ١٢ برمهات ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٠٦ السنة السابعة
إغلاق تصغير

البابا في حب مصر

بقلم: عزت بولس
اليوم هو السبت، والتاريخ 17 مارس، الوقت الخامسة مساءًا، الحدث هو رحيل قداسة البابا شنودة الثالث عن العالم،لتبدأ تظاهرات المحبة لشخصه العظيم ولدوره الوطني الفائق للتصور من خلال الجموع المصرية أولاً والتي احتشدت بمفرها متوجهة للكاتدرائية المرقصية بالعباسية لإلقاء نظرة الوداع على جثمان قداسته، وثانيًا الإعلام بتشكيلاته المختلفة والتي تبارت فيما بينها في عرض "ذخائر" قداسة البابا شنودة الفكرية والدينية في مشهد لا يخلو من الحزن للرحيل إلا إنه غير بعيد عن التأمل لكل ماطرح ذلك الرجل من رؤى ولكل ما أتخذه من مواقف.

البابا شنودة الثالث نيح الله روحه الطاهرة، ظل لمدة نحو أربعون عامًا مسئولاً عن شعب وشئون الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتلك الفترة من مسئولية قداسته الرعوية لم تكن بالسهلة وإنما بالشديدة الصعوبة، حيث تعرض الأقباط خلالها لمختلف أشكال التمييز العلني للدين  والاضطهاد المنظم سواء من قبل بعض مؤسسات الدولة المصرية أحيانًا،وبفعل الجماعات الجهادية المتأسلمة وغيرها من جماعات إسلامية متشددة غير جهادية في أحيان أخري كثيرة – تحت رعاية أجهزة أمنية بعينها- وروع الأقباط بعد تحالف قوى الشر تلك ضدهم فحرقت كنائسهم واعتدى على ممتلكاتهم،وذبحوا وتم التمثيل بجثث بعضهم واستهداف البعض الأخر لقتله وهو عائد من كنيسته أو تفجيره بعد الاحتفال لتحقيق مزيدًا من الإذلال والشعور بالضعف والهوان للجموع القبطية.
ولكن لندع كل تلك المآسي المصرية جانبًا ذلك لأن للفراق –البابا لم يمت وعقيدتنا المسيحية لا تعتقد بأن هناك موت وإنما انتقال لحياة أخري- وأحزانه موقف مهيب وجلالة أكبر من سرد أحداث توجع قلب كل مصري حر يحب مصر خاصة وأن السلطة التي تحكمنا الآن مازلت تسير على الدرب ألمباركي مع الأقباط ولا تتدخل بشكل حازم لوقف انتهاك حقوق الأقباط.

 غالبية المصريين –بغض النظر عن بعض الشواذ فكريًا- لمسنا نحن عودة الشعور الوطني والفطرة المصرية المتسامحة إليه سريعًا عقب إعلان رحيل البابا شنودة بساعات وظهر ذلك جليًا في بعض السلوكيات كتسابق المسلم قبل المسيحي لتوديع البابا شنودة وتقديم كافة أشكال الدعم للمسيحيين الراغبين في توديع راعيهم الروحي،إضافة لإبراز هوية ذلك الرمز الوطني و الديني الأصيل بمساحات كبيرة بالإعلام- لم تحدث مطلقًا عند وفاة أية شخصية أخري سياسية كانت أو دينية بالمجتمع المصري- وبهذا يمكننا القول بأن البابا كما أستطاع طوال حياته أن يكون صمام أمان لوحدة مصر الوطنية،كان برحيله يكمل دوره الوطني في إيقاظ الروح السمحة داخل الشعب المصري بل وفي ذهن كل من أختلف –فكريًا – معه فخرج من كان يعد عدوًا فكريا له ليشرح كيف انه يشعر بألم فراقه مؤكدًا على تقديره لدور البابا شنودة الوطني والكنسي معًا وحكمته التي عبرت بالكنيسة والشعب القبطي من بين عواصف الوهابية الصحراوية وسيوف الكراهية والغدر دون إراقة المزيد من الدماء التي كان يمكن أن تكتمل لحرب أهلية أكثر رعبًا من تلك التي حدثت ببلد مجاور كلبنان.
وقت توديع جثمان قداسة البابا شنودة الثالث لدير الأنبا بيشوى بوادي النطرون، كان مهيبًا بمقدار هيبة قداسته وبعمق محبته في قلوب المصريين جميعًا والأقباط تحديدًا،فرأينا الألف في الشوارع مصطفة حزنًا وألمًا،غير مستوعبة لفكرة الرحيل وبخروجهم هذا أكدوا لمن يحكمنا الآن بأن الأقباط لا يمكن تهميشهم في ركن صغير فهم قوة ضاربة بالمجتمع مع المسلم الفطري المصري الغير متشح بهواء الصحراء البترولية،ومعنى ذلك أن الأقباط مع غيرهم من المصريين لا يمكن إغفالهم من صناعة التغيير خاصة أنهم كتلة قوبة إذا أرادت التغيير فهي تملك القدرة عليه وتستطيع إنجازه مهما إن كانت الصعاب.
   
 وتحضرني في ذلك الشأن مقولة لقداسة البابا شنودة –كانت تعقيبه على أحد حوادث العنف الدموي ضد أقباط مصر- "أن الله يسمع صوت الصمت ويفهم معانيه وما نعانيه" أي أن الوقت الذي صمت فيه البابا وأغلق عينيه للرحيل،فالله تكلم بوقت رحيله وأظهر محبة المصريين لبعضهم البعض،ليكون البابا حتى برحيله علاجًا لجروح بين المصريين صنعها أناس لاينتموا لمصر وإنما لفقه الصحراء.
ليبقي سؤال هل تستطيع السلطة التي تحكمنا الآن في استثمار هذه الفرصة التاريخية لإزاحة هم الطائفية التي أثقلت مصر خلال العقود السابقة؟ الإجابة لديهم وحدهم.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter