بقلم- حنان فكري
يبدو أن الصراع بين الإخوان والمجلس العسكري لا يدور فقط في الواقع، ولكنهم باتوا يستخدومون أدوات الثورة التي علمناهم إياها قبل عام وبضعة أشهر من الآن.. فالطرفان أصبحا يتبادلان الاتهامات والتهديدات عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".. ويطيب لهما تسخير الصفحات معلنة الانتماء وغير معلنة الانتماء لبث تحذيرات أو تطمينات.. إنها الوسيلة التي تسبق المواجهات.. فبعدما أعلن العسكري بيانه التطميني الأول الذي ذكر فيه أن على كل القوى السياسية تذكر دروس التاريخ لتتعلم منها، شن الدكتور "حمدي حسن"- المتحدث الإعلامي للحملة- هجومًا حادًا على المجلس العسكري قائلاً: "إننا في أخطر مراحل الثورة وهي صياغة دستور، لكن المجلس العسكري يعمل جاهدًا الآن على تعطيل تلك المسيرة وعلى ضياع مكاسب الثورة الحقيقية.. إذا كان المجلس يريد أن يتعلم ويُعلمنا دروس التاريخ؛ فالتاريخ يعلمنا أن الشعوب هي التي تنتصر، وأن السلطان المستبد لا ينتصر أبدًا، ويجب أن يعوا أن رئيسهم ومن علمهم في السجن الآن، وقد يدخلون معه إن ساروا على نهجه، ومن كان يظن أن الثورة سترجع إلى الخلف أو أن الشعب سيتخلى عن حقه فهو واهم، لقد قدم هذا الشعب دماءه وأرواحه من أجل حريته".
حقًا، لا أعلم كيف يجرؤ أي عضو في حزب "الحرية والعدالة" أن يتحدث عن دماء الشهداء التي تركوها مراقة وكانوا عونًا وغطاء على المجلس العسكري في أخطائه تجاه الثورة، والتي أعتبرها الآن بعد ما اتضحت الرؤية أنها أخطاء لم تكن متعمدة وإنما عن عدم خبرة بالعمل بين المدنيين.. في حين أن جماعة الإخوان التي أفرزت حزب الحرية والعدالة لا عمل لها إلا بين الناس، فتعلم جيدًا أن هناك ممارسات كانت تهدر دماء الشهداء لكنها وافقت عليها وقامت بتغطيتها، والآن تحاول أن تمارس دور الضحية بعدما انقلب السحر على الساحر.
والعجيب أن "حمدي" تابع: "المجلس العسكري لا يأخذ أي قرار لصالح الشعب المصري إلا تحت ضغوط، ولو أنه صادق بالفعل في انضمامه للثورة لبادر بتحقيق مطالب الشعب وآماله في حكومة تدير البلاد بشكل سلس، ولكن هناك جرائم تُرتكب في حق الشعب المصري والثورة المصرية".
لا أعلم يقينًا هل الجرائم التي يتحدَّث عنها النائب المحترم لم تتضح إلا حينما اختلف العسكري مع الإخوان؟! ألم تكن هناك جرائم حينما أعلنوا أنهم يقاطعون المليونيات التي خرجت مناهضة للعسكر في كل جرائمه بداية من ماسبيرو وأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها؟ أي جرائم يتحدثون عنها؟
قال أيضًا "حمدي": "المجلس العسكري يرى استئصال السلطة والتأثير على الثورة والشعب لأنه يريد أن يدير البلاد من وراء الستار ومن خلال عرائس ودمى تتصدر للمشهد العام ولكن منزوعة الصلاحيات، وهذا ما يرفضه الشعب المصري وفي طليعته الإخوان وحزب الحرية والعدالة وعدد كبير من القوى الوطنية".
أي شعب الذي يتحدث عنه؟ وهل عندما يتحدث حزب "الحرية والعدالة" يكون الحديث للشعب؟.. وكل المنسحبين أليسوا نواب الشعب ومن الشعب؟! أم أن مصر عقمت إلا من الإخوان؟ ألم تعرف مصر الإسلام قبل ظهور الجماعة وانتشار أفكار الشيخ "حسن البنا"؟! أرى ما يفعلونه منتهى الإهانة للإسلام الذي لا يرتبط بجماعة ما وإنما هو لكل المسلمين الذين ينتمون لطواف ومذاهب مختلفة.
لم ينته الأمر إلى هذا الحد، فكان على العسكري أن يرد عبر ذات الوسيلة، إذ نشر اليوم "أدمن الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة" رسالة جاء في نصها إن الصراع الذي يدور بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته السياسية كحاكم للبلاد وبين جماعة الإخوان المسلمين، وليس الذراع السياسي لها "حزب الحرية والعدالة"، أحد ألغاز الفترة الانتقالية.
ونشر في رسالته أيضًا: "لا ندري هل هناك جناح عسكري بعد ظهور عدة صفحات على الإنترنت تدعو للجهاد المُسلح ضد المجلس الأعلى، وتُعلن صراحة نسبها إلى الإخوان وإلى التيار الإسلامي مستخدمة عدة ألفاظ منها (مبنتهددش)".. وهنا يبدو أن العسكري أراد أن يلوح للكافة أن الجماعة تود أن تكون دولة متكاملة تصارع الجميع.
وشدد على أن دستور "مصر" لكل المصريين لكنه اختتم الرسالة قائلاً: "لجميع التيارات والأحزاب والقوى السياسية نقول: إن مصر هي للمصريين جميعًا منذ آلاف السنين، لم ولن يتم تخصيصها لأحد، خصها الله سبحانه وتعالى بالأمن والأمان، وحكمة وعقل أبناء شعبها، كما أهداها ومنذ نشأتها جيشها القوي الذي يحافظ عليها وعلى ترابها من أعدائها، أو من أبنائها إذا لزم الأمر."
وهنا لابد أن نتوقف كثيرًا عند الجملة الأخيرة، فالجيش يمكنه حماية "مصر" من أبنائها إذا لزم الأمر.. إنه يعلن بوضوح تهديده واستعداده لمواجهة أي صراع مسلح بمنتهى الردع.. وهو ما أدخل الفرحة على المتخوفين من بطش الجماعة وذراعها السياسي.. وتيار الإسلام السياسي بوجه عام.. لكنه من ناحية أخرى أثار الذعر بين العامة الذين تلقوا ذلك التهديد بمنتهى الفزع بسبب خشيتهم الدخول في مرحلة تخلق من الثورة المصرية "سوريا" جديدة.
الأحداث أسرع من قلمي، فكلما كتبت عبارة أجد تصريحًا أو خبرًا يلاحقها.. فالتصريحات النارية تأتي واحدة تلو الأخرى، لكن تلك أبرزها.. ورغم أنني لا أتمنى الدخول في صراع التهديدات إلا أن عقلي يرفض ابتلاع مصداقية هذه الأزمة كاملة.. وتساورني الشكوك بين لحظة وأخرى أن الأرض مازالت ثابتة تحت أقدام الصفقات التي تجلت في إهدار دماء المصريين دون أن يفتح الإخوان فاهًا، اللهم إلا بإدانة الثوار ووصفهم أحيانًا بالبلطجية، وصمتهم على سلوك العسكر.. وعلى الجانب الآخر صمت العسكر على التهديدات المتواصلة للإخوان والرد عليهم كما لو كانوا في ندية.. وبالرغم من أن العسكر مازال هو الحاكم للبلاد، ورغم الشرعية البرلمانية، إلا أن هناك تمكينًا سياسيًا للمجلس العسكري يمنحه سلطات كثيرة تسبق الصراع المسلح الذي تتم الإشارة إليه الآن.. فلماذا يتم طرح تلك الإشارات الآن؟
وتساءلت: هل يمكن أن يكون هذا الطرح من باب التخويف للعامة من الشعب الذين سيروعهم الدخول في تلك المنطقة الحرجة خوفًا من المجهول ومزيد من الدماء؟! فيمثل ذلك ضغطًا على البعض أملاً في تراجع طرف من الأطراف. إنها تساؤلات لا تجد إجابة، فالصراع مازال دائرًا.. ويبدو أن انتقال "مصر" للاستقرار سيطول حتى تنتهي معاركنا مع كل قوى الظلام.