بقلم- سوسن إبراهيم عبد السيد
لكثرة النقاشات الدائرة اليوم حول الصراع على منصب رئيس الجمهورية وتشكيل اللجنة الدستورية ومعاداة الحكومة القائمة، لا أجد نفسي أتابع إلا قليلاً البرامج الحوارية لتكرار المناقشات بها.. ولا أدري هل هو سوء حظي أو صدفة تلك التي جعلتني أحول مؤشر التليفزيون لأجد أحد تلك البرامج يتكلم مذيعها عن ذهاب الأقباط إلى القدس في ذلك الوقت من العام لحضور المراسم الدينية السنوية لأسبوع آلام وقيامة السيد المسيح..
وهالني كم المبالغات التي أطلقها المذيع ليضفي على الخبر السخونة المعتادة لتضخيم الحدث كأستخدام عبارات: "جسر جوي ينقل المسيحيين المصريين لزيارة القدس"، "رحلات جوية وأتوبيسات لا تنقطع بين مصر وإسرائيل"، "الآلاف من المسيحيين يتدفقون بصورة غير مسبوقة إلى الأراضي الإسرائيلية لأداء مناسك الحج لديهم".
وعلى الرغم من أن حرفية الإعلامي تقتضي عليه أن ينقله دون أن يبدي رأيه فيه، إلا أنني وجدته وقد تجهمت تقاسيم وجهه وأعلن أن ذهاب المسيحيين إلى تلك الأراضي المقدسة يعتبر خيانة لمصر وخيانة للقضية الفلسطينية وخيانة لعهود قداسة البابا شنودة، ويستوجب عليهم أن يقدموا اعتذارًا عما اقترفوه من جريمة شنعاء تجاه وطنهم!!!
ثم توالت علينا الأخبار بأن كاهن الكنيسة المصرية هناك رفض استقبال المصريين الوافدين مما أثار غضبهم... تلى ذلك استخراج أكثر من بيان لعدة أساقفة بأن سياسة الكنيسة القبطية لن تتغير في منع المسيحيين من التردد على الأراضي المقدسة ومن سيذهب إلى هناك سيتعرض لعقوبات روحية.. وأخيرًا خرج علينا الأنبا "باخوميوس" القائمقام بأعمال البابوية لحين انتخاب البطريرك في خبر بجريدة "اليوم السابع" أن الأمر متروك للبطريرك القادم، مؤكدًا مرة أخرى أن الكنيسة لم تعط أي تصاريح لأي قبطي بشأن زيارة "القدس"، وأن زيارات تحدث تتم بشكل فردي لا يعبر عن موقف الكنيسة الرسمي، وأضاف أن مسألة توقيع عقوبات على الذين خالفوا القرار هذا أمر متروك للبطريرك القادم، الذي له الحق وحدة في هذا القرار؛ لأن الأمور الآن تتم بشكل تسيير لأعمال الكنيسة، مشددًا أن زيارة البعض من الأفراد لا يمكن أن تغير موقف الكنيسة وأغلبية الأقباط اتجاه القضية الفلسطينية.
ولنواجه الأمر دون مواربة.. هل كان الأقباط لا يذهبون إلى "القدس" طوال السنوات الماضية؟؟.. لماذا تحلل الزيارة لأشخاص وتُحرم على الآخرين...؟؟ هل المسيحيون خونة ويكرسون لفكرة احتلال القدس لمجرد ذهابهم لأداء الشعائر الدينية؟.. لماذا يظل مطران الكنيسة القبطية هناك ولا يعد خائنًا ويشاركه في ذلك السفير المصري بإسرائيل؟؟..
أعلم مسبقًا كل الردود من نوعية أن بمصر الكثير من الأماكن التي زارها السيد المسيح في رحلته ولا حاجة للذهاب إلى القدس.. وأعلم أيضًا بضرورة طاعة الأوامر الكنسية فيما يخص تلك الزيارة.. لكنني أعلم أيضًا أن العقوبات الروحية تقع على من خالف أمور إلهية وليست شخصية.. والسياسة متغيرة أما الدين فهو ثابت.. وعلى عكس ما يُشاع أن ذهاب المسيحيين إلى تلك الأراضي المقدسة يعزز من فرصة العدو الصهيوني في احتلال القدس ويضعف موقف الفلسطنيين، فأنا أرى أن الأقباط بذهابهم إلى هناك يشجعون الاقتصاد الفلسطيني ويساعدون هؤلاء على شظف العيش تحت الاحتلال بالرواج الاقتصادي الذي يعود عليهم بالفائدة.
رسالتي إلى الأستاذ الفاضل المذيع.. المسيحيون ليسوا خونة، وهم أكثر الناس الذين يحملون في نفوسهم مرارة صلب اليهود للمسيح، ولا داعي للمزايدة على مواقفنا الوطنية... فلا أجد على مدار التاريخ جاسوسًا مصريًا واحدًا مسيحيًا.. والوضع الآن لا يحتمل تأليب القوى الإسلامية المتشددة علينا... الذهاب إلى القدس حق ديني مثله مثل حقك في الذهاب إلى الأراضي المقدسة بالسعودية لأداء مناسك الحج.. ومهما شاب السياسة المصرية السعودية من تقلبات ولو حدث أن قطعت مصر علاقتها مع السعودية لن أجدني أتهمك بالخيانة لذهابك إلى هناك من أجل غرض ديني.