محمد حسين يونس
نقترب .. بسرعة شديدة من ظروف الشدة المستنصرية ...غلاء .. وباء .. نقص في المياة .. بطالة و عدم إنتاج .. ديون متلتلة غير قابلة للسداد .. قلة متحكمة مستفيدة مختبئة في الكومباوندات ..و ضحايا إرهاب لا يهتم بهم البهوات ..و إنجازات بدون عائد و لا فائدة له في الملمات .
فلنتصفح كتاب المقريزى ((إغاثة الأمة بكشف الغمة)) المدون من 600 سنة أى عام 1403 م ..عن المجاعات التي واجهتها البلاد ...منذ زمن الدولة الإخشيدية ..الفاطمية و المملوكية .. بسبب الأوبئة و نقص مياة النيل .
(( ثم قصر ( إنخفض ) النيل فنزعت الأسعار نزوعا بدد شملهم .. و فرق ألفهم ( من الألفة ) ..و شتت كلمتهم .. و أوقع اللة العداوة و البغضاء بينهم .. فقتل بعضهم بعضا حتي أباد خضراءهم و عفي أثارهم فتلك بيوت خاوية بما ظلموا )) .
في زمن علي بن الأخشيد .. ((كان سبب الغلاء أن ماء النيل إنتهت زيادته إلي خمسة عشر ذراعا و أربعة أصابع فنزع السعر بعد رخص ..وما كان بدينارواحد صار بثلاثة دنانير و عز الخبز فلم يوجد و إنتقصت الأعمال لكثرة الفتن و نهبت الضياع و الغلات و ماج الناس بسبب السعر )).
(( فلما إرتفع السعر عن ما باع به ندم علي بيعه الأول حيث لم ينفعه الندم فلما صار إليه ثمن الغلال أنفق معظمه في عمارة دار و زخرفتها و بالغ في تحصينها و إجادتها .. حتي إذا فرغت وظن أنه قادر عليها أتاها أمر ربها فإحترقت بأجمعها و أصبحت لا ينفع بها بشيء )) .
في زمن الحاكم بأمر الله .. (( ثم وقع غلاء في الدولة فثارت الرعية و منعوه من صلاة الجمعة في الجامع العتيق و كثر الفار ( أى الفرار ) في أعمال مصر و أتلف الغلات و الكروم و ثارت الرعية و كسروا منبر الجامع بمصر )) .
(( ثم وقع الغلاء و كان سببه قصور النيل و طلب القمح فلم يقدر علية و إشتد خوف الناس و أخذت النساء من الطرق (إختطفت ) و عظم الأمر .. ))
في زمن المستنصر باللة الفاطمي .. حدثت أكثر من مجاعة .. أكثرها قسوة الشدة المستنصرية .. لمن يريد معرفة تفاصيلها ذكرت في كتاب المقريزى من الصفحة 98 إلي 100 .. أقتبس هنا جزء منها ..
(( ثم وقع الغلاء الذى فحش أمره و شنع ذكره و كان أمرة سبع سنوات و مسببه ضعف السلطنة .. و إختلال أحوال المملكة و إستيلاء الأمراء علي الدولة و إتصال الفتن بين العربان و قصور النيل فنزع السعر و تزايد الغلاء و أعقبه وباء حتي تعطلت الأرض من الزراعة و شمل الخوف و خيفت السبل برا و بحرا و تعذر السير إلي الأماكن إلا بالغفارة الكثيرة و ركوب الغرر ( بمعني التعرض للخطر ) و إستولي الجوع لعدم وجود القوت و أكلت الكلاب و القطط .. و بيع الكلب بخمسة دنانير .. و تزايد الحال حتي أكل الناس بعضهم بعضا .. و تحرز الناس فكانت طوائف تجلس بأعلي بيوتها و معهم سلب و حبال فيها كلاليب .. فإذا مر أحد ألقوها عليه و نشلوه في أسرع وقت .. و شرحوا لحمه و أكلوه . ))
((ثم آل الأمر أن باع المستنصر كل ما في قصره من ذخائر و ثياب و أثاث و سلاح وصار يجلس علي حصير و تعطلت دواوينه و ذهب وقاره .. و كانت نساء القصور تخرجن ناثرات شعورهن تصحن الجوع الجوع .. فتسقطن أمام الناس و تمتن جوعا )) .
(( و جاء الوزير يوما علي بغلته فأكلها العامة .. فشنق طائفة منهم فإجتمع عليهم النساء فأكلوهن )) .
هذا هو ما كان عليه حال مصر .. مع الإدارة السيئة للأمراء و المماليك .. وإنخفاض مياة النيل ...و تفشي الأوبئة ...والغلاء المصاحب لنقص المؤن..و الرعب من خطف النساء أوأكل جثث الضعفاء
و لا أريد أن أقول أن الحبشة ستبدأ من الشهر القادم بملء خزان السد و ستنقص المياة الواردة لنا .. .. و أن الوباء الذى يغطي العالم .. لم يعف بلدنا من مروره و أنه سيطول لسنين .. و أن الإدارة لثروة الوطن في رأى البعض غير واعية بالمصيبة التي تسبب فيها الغلاء بعد إنخفاض القيمة الشرائية للجنية . فضلا عن قدرة الإرهاب المستمرة علي إغتيال الجنود و المسالمين .. و خطف الفتايات المسيحيات و أسلمتهن .. و لكننا لا نتعلم من ما حدث لأهلنا من قبل .
يكفي أن تنظر لجوعي الصومال لتعرف أن الأمر جاد و ليس هزلا ..و أن العالم سيتركنا نموت جوعا .. و أن إنفاق الثروة علي القصور .. و مقرات الحكومة .. و الحوامع و الكنائس .. و الطرق و الكبارى .. ليست إنجازات ستدعمنا وقت الإحتياج أمام نقص المياة و إجتياح الوباء ..و ضيق ذات اليد و عجز الحكومة المالي بسبب تسديد فوائد الديون و أقساطها
و أن البشر أحق بالرعاية من الحجر ..و أن مساعدة العالم لنا عندما نبرك أمام مصائبنا خرافة غير واردة .. فسيتركنا نواجه مصيرنا كما ترك أجدادهم أجدادنا يعانون الفناء في زمن الشدة المستنصرية .