د. مينتا ملاك عازر
بالرغم من أن أمام الموت يجب أن يصمت الجميع، وينحني الجميع، ولا يجوز المقارنة والفحص وكذلك الحال أمام المرض، فالكل بحكم الإنسانية سواء، وبحكم الدستور هكذا، وبحكم القانون كذلك، لكنني أجد نفسي مضطر لأن أطرح فكرة حسابية وهمية وخزعبلية، وبالرغم من أنها مسألة حسابية لن أضع فيها الأرقام، لأنني وبالرغم من أنني أنساق وراء هذه الفكرة، فأنا لست مؤمن بها لإيماني اليقيني بمساواة الجميع.
لذا فسأتبع الآتي: تتكلف الدولة في ظل مجانية التعليم الملايين لتخريج طبيب، وتتكلف أكيد القليل لتخريج ممثل، ولأني أعرف سيادتك بأن هناك من سيخرجون علي بالقول بأن الممثل موهوب، والموهبة لا تقدر بثمن، وأن على الدولة رعايته، لذا سأرد منجر وراء تلك اللعبة الخزعبلية المأساوية في مضمونها، وهي تثمين وتقييم البشر الذين من المفترض أن يكونوا أمام الدولة سواء، قائلا كذلك الطبيب الذي دخل كلية من كليات القمة هو موهوب وذكي ومبدع مثله مثل الممثل، لذا الاثنين بعيداً عن تكلفة تعليمهما التي تتكلفها الدولة، وبعيداً عما يتكلفانه، الاثنين متساويين، لكن بالنظر للتكلفة التي تتكفلها الأسر لإخراج ممثل أو لإخراج طبيب تجد أن الفارق المادي كبير جداً، بين الخسارة فيما لو خسرنا طبيب وفيما لو خسرنا ممثل، وبالرغم من هذا أجد نفسي مضطر أن خسارة النفس البشرية في كل الأحوال حتى ولو كانت بلا عمل لا تقدر بثمن،
أسوق هذه المقارنة الممقوتة بالنسبة لي، ليس لأقلل من شأن الفنانة المحترمة والمحبة والمحبوبة رجاء الجداوي ذات الماضي الوطني الذي تعرفه وتقدره أجهزة الدولة، ولا لأعظم من دور عدة أطباء سقطوا شهداء في أثناء عملهم فريسة لكورونا، فلم تقدم لهم الدولة ما يستحقونه كما قدمت للفنانة رجاء الجداوي والمخالطين لها من الفنانين، ما ينبئ أن الدولة تحسب كل حاجة في حياتها بحساب المكسب والخسارة، وكالعادة اختارت الخسارة الكبيرة لتراهن عليها في سبيل أن تنقذ فنانة موهوبة لا شك في هذا.
اعتادت دولتنا في الآونة الأخيرة على الخسارة، فقد خسرت في رهانها الغير مفهوم على وعي الشعب الذي لم يستثمر فيه مليم، ليكون على مستوى عالي ويصدقها يوما ما، ويتجنب الإصابة بكورونا، وخسرت حين اختارت الحماية والحفاظ على الممثلين الذين يتقاضون أجوراً جبارة وهائلة في مقارنة مؤسفة لو قارناها بأجور الأطباء، ما يعني للأسف أن تخلي الدولة عن الطبيب الشهيد بكرونا كان امتداد لتواني وتخاذل وتهاون الدولة في حقه وحق زملائه ما أسقطه فريسة للعدوى، ما لاقى عدم اكتراث ولا تقدير من الدولة، وتبادل الاتهامات حتى أتهمت إدارة مستشفى بالتهاون، وزملائه وبالتواني، ونست أنها من قبلهم لم تقدره حقه في رواتبه ولا في بدل العدوى الذي تقدمه له.
المختصر المفيد إن لم تستحي فاتهم من شئت.