محمد حسين يونس
في مصر فقط .. يمكن قلب الهزيمة إلي إنتصار .. و يخرج السذج يرقصون في الشوارع إحتفالا بالنصر.. يحدثنا الكهنة .. الذين صاغوا عقل الناس .. عن نصر من هذا القبيل تم عام 1274 ق م.. في (قادش ) حققه رمسيس الثاني ضد الحيثين و دونوا هم أحداثة .. التي منها أنه كان يواجه منفردا فيالق العدو التي حاصرت جيشة فيقضي عليها .. بمعونه ربه آمون

تستطيع أن ترى هذه المبالغات منقوشة علي جدران معابد ..(أبوسنبل .. و الأقصر.. و الرامسيوم ) التي تقص ..أن الرب.. كان يدعم الملك خلال المعركة و يقوية و يجعله يلقي الرعب في قلوب الأعداء ..و أنه أى رمسيس بمجرد أن حاصروه و دعي ربه يطلب العون .. إستجاب الرب و جعله ينكل بهم .

الحقيقة كما يقول لنا الباحثون.. ((فشل رمسيس الثاني في كسر دفاعات قادش ونجح الحيثيون بإبقائها تحت سيطرتهم وانتهت المعركة باحتفاظ كل من الطرفين بنفس مكاسبه السابقة وخسائر فادحة لكلا الطرفين في المعركة)) .

أى أن الملك و ربه يكذبان ..وأنه لم ينتصر إلا علي جدران المعابد .. و إضطره العدوحتي ينجو بجيشة أن يوقع أول معاهدة سلام في التاريخ تجد صورة منها معلقة في الأمم المتحدة ..

يستمر الخداع .. لقرون .. تتحول فية الهزائم علي الأرض لإنتصارات في القص.. أو يؤلف الكهنة معارك وهمية لم تحدث ..يتحول فيها سكان الأقطار المجاورة لعبيد ... أو يمحوالملك الحالي أسماء من سبقوه من ملوك و يضع بدلا منها أسمه علي جدران المعابد و المسلات مدعيا أنه صاحب الإنجازات الموصوفة ..

إنه إرث و تراث من الغش و المعلومات المضللة توضح أن المصرى كان دائما ضحية لأكاذيب الكهنة ( و أجهزة الإعلام بعد ذلك) ..

فلنستمع لأحمد شوقي و هو يحكي كيف تم خداع الشعب قبل 32 سنة من ميلاد المسيح ..في مسرحيته الشعرية مصرع كليوباترا .

((يومنا في أكتيوما...... ذكره في الأرض سار
إسألوا أسطول روما......... هل أذقناه الدمار
أحرز الأسطول نصرا.... هز أعطاف الديار
شرفا أسطول مصرا..... حزت غايات الفخار)) ...

و الحقيقة المحزنة كما يرويها ول ديورانت ..

((أكتافيان غريم أنطونيوس لجأ الي الخداع الذى هو من أخص خصائصه فأعلن الحرب علي كليوباترا لا علي أنطونيوس ليجعلها بذلك كفاحا مقدسا في سبيل إستقلال روما )) .

((وأبحر أسطول انطونيوس و كليوباترا في شهر سبتمبر من عام 32 ق.م الي البحر الايوني وكان مكونا من 500 خمسمائة سفينة حربية ولم يكن أسطول بهذه القوة قد ظهر علي متن البحر من قبل

وكان يؤيده جيش مؤلف من 300000 ثلاثمائة ألف من المشاة 12000 وإثنى عشر ألفا من الفرسان أمدها بمعظمه أمراء الشرق و ملوكه راجيين من وراء ذلك أن تكون هذه الحرب وسيلة للتحرر من نير روما .

وعبر أكتافيان البحر الادرياوى بأربعمائة سفينة و ثمانين الف جندى مشاة وإثنى عشر ألفا من الفرسان .

وظلت القوات المتعادية عاما او نحو عام تستعد للمعركة الفاصلة و تضع خططها .

فلما كان سبتمبر عام 31 ق.م إلتحم الجيشان والاسطولان عند أكتيوم في الخليج الامبراسي في معركة من المعارك الحاسمة في التاريخ وبرهن أجريا علي أنه الابرع من أعدائه في وضع الخطط .. و كانت سفنه خفيفة أسهل و أخف حركة من سفائن انطونيوس الضخمة ذات الابراج العالية وقد أحرقت النار هذه السفن إذ ألقي عليها بحارة أكتفيان مشاعل متقدة)).

يصف ( ديوكاسيوس ) ما حدث وقتئذ بقوله :
((و أهلك الدخان بعض البحارة قبل أن تصلهم النار و منهم من نضج لحمه في دروعهم التي إحمرت من شدة اللهب ومنهم من شوته النار شيا في سفنهم وألقي الكثيرون أنفسهم في البحر و من هؤلاء من إلتهمته الحيتان ومنهم من قتلوا رميا بالسهام ومنهم من قضوا نحبهم غرقا ولم يمت من هذا الجيش ميتة محتملة الا من قتل بعضهم بعضا))

ورأى أنطونيوس أن الدائرة قد دارت عليه فاشار الي كليوباترا أن تنفذ خطة الانسحاب التي إتفقا عليها من قبل فوجهت ما بقي من أسطولها نحو الجنوب وإنتظرت قدوم أنطونيوس الذى عندما عجز عن إنقاذ السفينة قيادته غادرها وركب قاربا أقله الي كليوباترا . وجلس هو وحده في مقدمة السفينة أثناء عودتهما الي الاسكندرية ورأسه بين يديه فقد أدرك أنه قد خسر كل شيء حتي الشرف .

ترك انطونيوس كليوباترا وأقام في جزيرة قرب فاروس وأرسل منها الي غريمه يطلب الصلح الذى لم يعبأ به و كان يستعد لغزو الاسكندرية رغم أن كليوباترا ارسلت له سرا صولجانا و تاجا و عرشا من الذهب دليلا علي خضوعها له .

وجمعت كليوباترا كل ما استطاعت جمعه من أموال مصر في أحد أبراج القصر ثم أبلغت أكتافيان أنها ستتلف هذه الأموال كلها وتقتل نفسها إذا لم يعقد معها صلحاً شريفاً.

باقي تفاصيل القصة الرومانسية هذه اعفيكم من ذكرها ولمن يريد موجوده في موسوعة ول ديورانت المجلد الخامس من قصة الحضارة الفصل الثالث ((أنطونيوس و أكتافيان ))

و لكن ما يهمنا ان أكتفيان جلس علي عرش البطالسة بالاسكندرية وأن الظافر وجد الخزانة المصرية سليمة وفيها من المال الموفور ما كان يحلم به.
اما الشعب فقد كان يغني غافلا .. كما ذكر أحمد بك شوقي ..و الكهنة يسخرون من غفلته .

((اسمع الشعب ( ديون) ... كيف يوحون إليه. ملأً الجوَّ هتافاً ... بحياة قاتليه .. !

أثر البهتانُ فيه .. وانطلى الزور عليه... ياله من ببغاء ٍ .. عقلُه فى أُذُنَيْه…!!)) ... ولا زال يا أحمد بك .

يقول ديورانت (( وهكذا غلب وريث قيصر و ريثة الاسكندر وإنتهي زمن حكم البطالسة بعد أن ضم ملك الاسكندر الي ملكه وإنتصر الغرب علي الشرق وأتمت روما الدورة المشئومة التي وصفها إفلاطون

ملكية ، فارستقراطية ،فاستغلال أوليغاركي Oligarchy ، فديموقراطية ، ففوضي ثورية ، فديكتاتورية ))

وقد يتساءل البعض... ترى ما هو موقفنا اليوم حسب دورة إفلاطون .. أين نحن إذا عرفنا أن معني الأوليغاركية (( هو حكم الأقلية بحيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو القوة العسكرية))... أظن الموضوع واضح !!.. إيه .. مش سامعك .

((لم تكن روما تعد مصر ولاية تابعة لها، بل كانت تعدّها من أملاك الإمبراطور نفسه، وكان يحكمها حاكم مسئول أمامه وحده. وكان موظفون من اليونان المتمصّرين يديرون أقسامها الثلاثة- مصر السفلى، ومصر الوسطى، ومصر العليا، ومقاطعاتها الست والثلاثين، وبقيت اللغة اليونانية في ذلك العهد هي اللغة الرسمية ولم تبذل محاولة ما لتحضير السكان، فقد كانت وظيفة مصر في الإمبراطوريّة أن تكون المورد الذي تستمد منه روما ما يلزمها من الحبوب،

ولهذا السبب انتزعت من الكهنة مساحات واسعة من الأرض وأعطيت للممولين الرومان أو الإسكندريين، وجُعلت ضياعاً واسعة يعمل فيها الفلاحون ويُستغَلّون بلا رحمة.

وظلت الرأسمالية الحكومية كما كانت في عهد البطالمة، وإن أصبحت في صورة أخف من عهدها السابق؛ لقد كانت تنظم كل خطوة من خطوات الأعمال الزراعية وتشرف على تنفيذها: فكان موظفون حكوميون مطَّرِدو الزيادة يعينون ما يزرع من المحاصيل، ومقدار ما يزرع منها، ويوزعون البذور على الزراع في كل عام، ويستولون على المحصولات ويودعونها في مخازن حكومية يصدرون منها حصة روما، ويقتطعون الضرائب منها عينا، ويبيعون ما يتبقى بعد ذلك في السوق. )) ...و تحول المصريون هكذا إلي أقنان ليبدأ فصل طويل من دفتر مصر'> إنكسار أهلك يا مصر ... (نكمل حديثنا غدا . )