بقلم : د . مجدى شحاته
تناولت فى مقال سابق بعنوان " ارفعوا أيديكم عن قداسة البابا ( 1 ) " التعليق على بعض الحملات الممنهجة من الاكاذيب والشائعات والتشويه ، والتطاول الغير مبرر وغير المقبول . من قلة محسوبين على الكنيسة ومن شعبها بكل الأسف . تحاول النيل من وحدة الشعب القبطى ، وتشويه صورة رجل الله ، رجل المواقف الصعبة ، قداسة البابا تاوضروس الثانى بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية . الذى جاء فى وقت بالغ الصعوبة والتعقيد ، وتعامل مع كل المواقف بإيمان عميق وبحكمة بالغة ، ودقة متناهية ، فكان بمثابة شعاع نور، يبدد عتمة النفق المظلم الكئيب الذى كان يمر به الوطن والكنيسة فى ذلك الوقت .
والمقال الذى بين أيديكم ، استكمل فيه جزء آخر من هذا المخطط الشيطانى السخيف بل والخطير والمرفوض شكلا وموضوعا ، والذى يسعى بكل أسف لتفكك الكنيسة وانقسامها عملا بمقولة " اضرب الراعى فتتبدد الرعية " .
قام قداسة البابا خلال الخمس سنوات الاولى بعد تواليه المسئولية فى نوفمبر 2012 ، ببعض الزيارات الرعوية خارج مصر. تفقد خلالها أكثر من 22 دولة فى أوروبا بجانب الولايات المتحدة الامريكية واستراليا واليابان ودول عربية اخرى شقيقة . تأتى هذه الزيارات الرعوية الهامة والضرورية لافتقاد مئات الآلاف من الشعب القبطى ومعهم 35 من الآباء الاساقفة ومئات من الآباء القساوسة . قام قداسة البابا خلال تلك الزيارات الرعوية الهامة والضرورية بتدشين عدد من الكنائس الجديدة واقامة القداسات والقاء العظات والمحاضرات ، فضلا عن لقائه عدد من قادة الكنائس المختلفة وقادة وزعماء ورؤساء بعض الدول الصديقة وبدأت كما هو متوقع وكما تعودنا ، حملات الهجوم الضارية والاتهامات الباطلة الغير مبررة على قداسة البابا !! والتلاعب بمشاعر البسطاء ، يضربون على أكثر الاوتار حساسية ، ويستخدمون الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعى أسوأ استخدام لتشويه صورة البابا والكنيسة المباركة .
وتجاهلوا ان الاقباط ينتشرون فى56 دولة حول العالم وفى حاجة ماسة للأفتقاد والرعاية . خلال تلك الزيارات الرعوية ، خضع البابا فى المانيا لعملية جراحية فى العمود الفقرى بعد ان داهمته آلام الظهر بشدة ، فشلت معها كل الادوية والمسكنات .
وكان الملف الطبى لقداسة البابا قد انتقل من النمسا ( التى قصدها للعلاج وهو اسقفا بالبحيرة ) الى المانيا . وفى احدى زياراته لألمانيا خضع لعملية حقن فى الظهر ، بعدها أمضى أقل من 48 ساعة بالمستشفى . وخرج ليبدأ رحلة رعوية شاقة فى أرجاء المانيا . دشن خلالها عدة كنائس ومذابح . كما التقى بشخصيات رفيعى المستوى ، رغم نصائح الاطباء المشددة بالتريث فى الحركة وعدم بذل مجهود كبير خلال العلاج . وهى نفس الآلام التى هاجمت مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث ، الامر الذى دفع قداسته للسفر الى المانيا والولايات المتحدة الامريكية أكثر من مرة للعلاج . فالعلاج بغرض تخفيف الآلام أمر ضرورى ، لايحتمل رفاهية الاختيار ، خاصة مع تقدم العمر و فى حالة الشخصيات الهامة والتى على عاتقها الكثير من المسئوليات والمهام الصعبة ، والحركة والتنقل المستمر .
كذلك أثارت زيارة البابا تاوضروس الثانى الى القدس لحضور مراسم دفن وأداء الصلاة على مطران القدس حالة من الجدل مع لهجة من الانتقادات مصريا وعربيا . حيث اعتبرها البعض بانها بمثابة دعوة للتطبيع مع اسرائيل . وكانت الكنيسة قد أوضحت ، بأن الزيارة أمر روحى ولا علاقة له بالسياسة من قريب أو بعيد . فالأنبا ابراهام المتنيح ، مطران القدس والكرسى الاورشاليمى عضوا بالمجمع المقدس الذى يضم كافة المطارنة والقيادات الدينية بالكنيسة الارثوذوكسية ، ويأتى فى المركز الثانى بعد قداسة البابا فى ترتيب اساقفة المجمع المقدس . الانتقاد الموجه للبابا جاء لضرب الترابط القوى والتماسك الفريد الذى شهده العالم يوم 3 يوليو فى أعقاب ثورة 30 يونيو، وكان قداسة البابا أحد الاطراف المشاركة به . كما ان الزيارة للقدس لم تكن ألغاء أو تجميد لقرار مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث كما حاول البعض بثه فى عقول الناس البسطاء ، لان فى هذه الحالة الامريحتاج صدور قرار واضح وصريح من البابا تاوضروس الثانى بالالغاء او التجميد ، وهذا الامر لم يحدث .
فى هجمة اخرى غير مبررة ، اثيرت حالة من الجدل والنقاش العام الماضى ، حول خطاب بعث به حضرة الحبر الجليل نيافة الانبا سيرابيون مطران اوبراشية لوس انجلوس للأقباط الارثوذكس بالولايات المتحدة الامريكية الى كهنة الاوبراشية . الخطاب يفيد الى امكانية اقامة قداس اضافى ليلة 25 ديسمبر( أجازات أعياد الكريسماس ) بجانب قداس عيد الميلاد المجيد ليلة 7 يناير . مع مراعة عدم قطع فترة صوم الميلاد حتى نهايته بقداس ليلة العيد فى 7 يناير ( يوم عمل ) . الامر الذى يلبى الاحتياجات الرعوية المللحة للأسر والعائلات الموجود فى اوبراشية لوس انجلوس ( فى دول المهجر ) حيث لا تتمكن افراد الاسرة من المشاركة الكاملة فى أفراح واحتفلات الميلاد ليلة 7 يناير والسهر الى ساعة متأخرة فى الكنيسة ، خاصة وأن اليوم التالى يوم عمل ودراسة فى المدارس والمعاهد والجامعات .
حالة غير مبررة من الهجوم على البابا ، و توجيه اتهامات تجاوزت كافة حدود اللياقة والاخلاق والحياة المسيحية . أعتبرت اقامة قداس اضافى ليلة 25 ديسمبر بجانب قداس عيد الميلاد المعتاد ليلة 7 يناير بمثابة بيع وتفريط فى ايمان الكنيسة !! اسأل نفسك ايها المعترض " من أقامنى قاضيا ومقسما ؟ " ( لو12:14 ) . وهل اقامة قداس اضافى ليلة 25 ديسمبر مع قداس العيد ليلة 7 يناير يدخل تحت بند المحظورات او الهرطقة ؟؟ ولابد ان نوضح بعض النقاط :
أولا : لم يغير صاحب النيافة الانبا سيرابيون عيد الميلاد من 7 يناير الى 25 ديسمبر كما أشاع البعض . و لم يصدر نيافته بيانا منفصلا ، انما جاء فى صورة خطاب تطبيقا لتوصية المجمع المقدس للكنيسة الارثوذكسية والصادر فى شهر يونيو الماضى والذى أقر السماح
" باستثناءات لقوانين الكنيسة والتقليد المقدس نتيجة احتياجات رعوية بكنائس المهجر " والسؤال للمعارضين ، هل تطبيق توصيات المجمع المقدس ... وأشدد على عبارة " المجمع المقدس " من أجل راحة وأسعاد شعب الكنيسة ، بات بمثابة بيع وتفريط فى ايمان الكنيسة ؟
ثانيا : الكنيسة القبطية بايمانها وعقيدتها وتراثها وتاريخها تعيش وتواجه احتياحات عصرها وظروف كل زمن بما هو يتناسب ، دون اى تنازل او تفريط فى ايمانها أو عقائدها .
ثالثا : قديما كانت الكنيسة تصلى قداس واحد يوم الاحد ( يوم الرب ) وكان عطلة رسمية ، بعدها تبدلت الاجازات واصبح هناك قداس يوم الجمعة ( يوما للرب ) ، ثم أصبحت تقام عدة قداسات فى اليوم الواحد وصارت كل أيام الاسبوع ( أيام للرب ) . هل تكرارالقداسات خارج يوم الاحد يعتبر بيع وتفريط فى ايمان الكنيسة فى نظر المعارضين ؟؟
رابعا : تقيم بعض الكنائس قداس للأطفال وكبار السن فى عيدى الميلاد والقيامة ، يبدأ بعد الظهر ليلة العيد ، حتى يتسنى لكبار السن والاطفال من التناول و الاحتفال بقداس العيد فى وقت مبكر، دون السهرالى ما بعد منتصف الليل ، وذلك وفقا لأحتياجات رعوية ملحة وفقا لقرار المجمع المقدس . فهل اقامة
مثل تلك القداسات تعتبر بيع وتفريط فى ايمان الكنيسة ؟
خامسا :منذ عقود طويلة ، كانت صلوات الاكليل ، وهو سر مقدس ، تتم فى الصباح الباكر ، اثناء القداس الالهى . وعندما وجدت الكنيسة ان هذا ليس اجراء عملى للشعب ، جعلت صلاة الاكليل ليلا بحسب ظروف العصر .
هل نقل صلاة الاكليل ليلا يعتبر بيع وتفريط فى ايمان الكنيسة ؟
سادسا : تمثيلية عيد القيامة لم تكن موجودة فى قداس عيد القيامة المجيد ، وتم ادخالها من احدى الكنائس الى كنيستنا القبطية .. هل هذا التقليد المبهج الذى يسعد الكبار والصغار ، نعتبره بيع وتفريط فى ايمان الكنيسة ؟
عندما شعرت الكنيسة ( دول المهجر ) بقلق عميق تجاه أطفالهم وشبابهم الذين يكبرون فى مناخ يشاركون فيه باحتفلات الكريسماس يوم 25 ديسمبر ، ما هو المانع من اقامة قداس اضافى يصلون ويحتفلون فيه بميلاد المسيح داخل كنيستهم القبطية وليس خارجها ، مع مراعاة عدم قطع الصوم ، فى نفس الوقت الذى يقام فيه قداس العيد ليلة 7 يناير كالمعتاد ؟
لقد شفى رب المجد يسوع الناس حتى فى ايام السبوت ، ولم يكن كاسرا للسبت ، لأن الله تمجد وأراد ان يسعد البشر حتى فى يوم السبت ، وبهذا تألقت الوصية . فالوصية روح وليست حرفا . اما أصحاب الفتاوى المغرضة الهدامه ، الذين يصطادون فى الماء العكر ، ويترقبون السقطة واللقطة ، تماما مثل الفريسيون يفضلون ان تبقى يد الانسان يابسة كما هى ويظل مشلولا وفى بؤس وذل حتى لا يكسروا السبت ! .. وان تبقى المرأة المنحنية بعلتها كما هى محلولة من ضعفها حتى لا يكسروا السبت !.. وان يبقى التلاميذ جائعون عن ان يسدوا رمقهم ببعض السنابل لأنهم سيفركونها بأصابعهم فيكسرون السبت .. لذا وصفهم رب المجد بأنهم مراءون وحمقى وغلاظ القلوب . الكرامون الاردياء الذين وسوست لهم قلوبهم الخبيثة ان ينصبوا انفسهم أولياء على الكنيسة ، وظنوا ان الكرم لم يعد له صاحب ونسوا انه قادم يوما ما ليحاسبهم حسابا عسيرا ... صاحب الكرم حتما قادم شأتم ام أبيتم ... أفلا تخجلون ؟ للموضوع بقية ... لنا لقاء آخر ان شاء الله ،