الأقباط متحدون - الحزم والتسيب
أخر تحديث ٠٨:٥٧ | الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٢ | ١٠ بشنس ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٦٤ السنة السابعة
إغلاق تصغير

الحزم والتسيب


 بقلم :  إدوارد فيلبس جرجس

يقولون قلب المؤمن دليله ، وأنا أؤمن بعقيدتي وأحترم عقائد الأخرين ، كتبت هذا المقال في 12 مارس 2011 ، أي لم يكن مضى على ثورة يناير أكثر من شهرين ، وكأنني كنت أتنبأ بما سيحدث حتى هذه اللحظة ، وللأسف لم أنشره على هذا الموقع ، لأنني لم أكن قد بدأت النشر من خلاله ، وصدفة كنت أبحث على موقع جوجل ووجدت أن أحد المواقع قد نشر المقال ، وأعدت قراءته وكأنني لست كاتبه ، ووجدت فيه الواقع الذي نعيشه منذ الثورة وحتى الآن ، وقررت أن أعيد نشره بالرغم من مضي فترة طويلة على نشره لكن ما أشبه الأمس باليوم ، ولأن قراء هذا الموقع لهم تذوق خاص للكلمات .                         

بين الحزم والتسيب كلام يجب أن يقال


أحياناً تبحث عن شيء وهو في متناول يدك ، وقد يبحث الكاتب عن كلمات وهي قائمة في عقله ، لكنه لا يعرف كيف يقودها راضية أو قسراً إلى الورق ، الكلمات قبل أن يلتقطها سن القلم ملك الكاتب ، ومتى التقطها تكون من حق بل وملك القارئ . وأنا أبحث عن كلمات أعبر بها عن أحزان ثقيلة أشعر بها وأمام عيني ، بل تتجول داخل عقلي ، والأكثر تعبيراً تلعب به ، بل الأصدق رواية أنها تقفز داخل تجاويفه دون سيطرة ، الكلمات أمام عيني وداخل عقلي ، ويرددها لساني لأسمعها مرة واثنتين وعشرات المرات ، لكن أجد صعوبة في التقاطها على سن القلم ، لتصبح ملكاً للقارئ وأتخلص من عبء حملها ووزر خطيئتها.  "ماذا يحدث في مصر الآن ؟؟؟!!! " ، هذه هي الكلمات القريبة البعيدة عن قلمي ، قد تكون سهلة على من يقرأها ، لكنها أصعب ما تكون على كاتبها ، لأن ما يحدث لا يُبشر بالخير ، ويعلن وأتمنى من كل قلبي أن يكون إعلاناً كاذباً ، بأننا نسير في طريق يختلف تماماً ، عن الطريق الذي ارتسم في أذهان ثوار 25 يناير ، بل حاد عنه تماماً ، وأكثر ما أخشاه هو أن يكون الثوار أنفسهم ، قد يصعب عودتهم إلى الطريق المضبوط ، بعد أن تفرع إلى مدقات غير ممهدة وشعاب مجهولة .

 

نصيحة سمعتها من جدي رحمه الله حفظتها عن ظهر قلب ، وأمارسها وأستعين بها عندما يتطلب الموقف ، قال لي لكي تعرف الصديق الحقيقي من الصديق الغير حقيقي ، ضع الجميع في الغربال وهزه ، والذي يظل فوقه هو الصديق ، والذي يسقط أسفله ابتعد عنه ، بالضبط كما يضعون الحبوب في الغربال لتنقيتها ، الذي يظل فوقه الحبوب النقية والسليمة ، أما الذي يتساقط هو الحبوب الغريبة المتطفلة والقش . من يأتي إلىَّ بغربال لأريح أعصابي المتعبة ؟ ، لأضع به جميع من في الساحة الآن ، وأنظر من سيظل فوقه ، ومن يسقط منه ، أُقسم وأحاسب على هذا القسم ، أنني لو قمت بهذا العمل الآن ، لن أجد فوق الغربال أحداً ،

سيسقط الجميع أسفله المتظاهرون والمعتصمون والمخربون والمطالبون والمعاندون والمتعصبون والمتطرفون والمتآمرون والجهال ، وكلهم لا يمتون لشباب وشعب 25 يناير بأي صلة من قريب أو بعيد ، شباب وشعب 25 يناير انسحبوا إلى منازلهم ، بعد أن حققوا ما خرجوا من أجله ، لكن لا أعتقد أنهم يشعرون حتى الآن بالأمان والرضا ، بل لن أكون قد ذهبت بعيداً ، إذا قلت وهم الشجعان الذين فتحوا صدورهم للرصاص الغاشم فاستشهد منهم من استشهد ، وأصيب منهم من أصيب ، ومن سيظل طوال عمره يحمل عاهة مستديمة ، يشعرون بالخوف الآن ، بل وهم الذين خططوا منذ فترة طويلة وتجمعوا دون معرفة إلا من خلال الفيس بوك أن الندم ينتابهم لقيامهم بهذه الثورة ، وتتملكهم الهواجس هل أخطأوا أم أصابوا ؟!

، كيف لا يتملكهم الخوف والندم والهواجس وهم يرون ثمرة تعبهم يختطفها الأفاقون ويدوسونها بأقدامهم ، وهم يروون الأقدام الهمجية تدوس دماء شهدائهم ، والجهل والتخلف في محاولة لحجب عقولهم المستنيرة التي خططت للثورة ، الثوار خرجوا للثورة ولم يضعوا في حساباتهم أن يحملوا في أيديهم حتى عصا لمجرد الدفاع عن النفس ، فكيف أصبحت الأسلحة أداة للهو في أيدي هؤلاء البلطجية .  ساعدوني بل ساعدوا أنفسكم بل لنساعد بعضنا جميعاً لنضع الجميع في الغربال ، مصر ليست في حاجة للذين سيسقطون منه ، وإن كانت السجون حُطمت ، فلتبنى سجوناً أُخرى أشد مناعة لهؤلاء الذين يعملون الآن على حرق كل مكتسبات الثورة ،

 

بل حرق مصر كلها . أين أنتم ياشباب وشعب 25 يناير ، استحلفكم بالله أن تأتوا سريعاً واحتلوا مكانكم فوق الغربال ونادوا من الأربع جهات ، نحن حنطة مصر وخيرها ، والذين سقطوا هم الطين والقش وبذور الحشائش الضارة والحبوب التي ضربها السوس والحشرات ، إحذروهم ولا تدعوهم يسيروا بالوطن إلى هاوية أشد وطأة من الفساد الذي خرجتم من أجله . إسمحوا لي لأعود للخلف قليلاً ووريقات كتبت فيها كلمات كنت أظن وقتها أنها مجرد نصيحة ، والآن تأكدت من أنها كانت النصيحة التي يجب أن يعقلها كل عاقل ومحب للوطن . وهي التروي في اتخاذ خطوات التغيير ، وأن تترك واجهة الحكم فقط هذه الأشهر القليلة بعد التعهد الذي حدث بأنه لا ولاية أخرى ، ولا توريث ، وبضمان القوات المسلحة ، ومع وجود ثورة الشباب والشعب اليقظة ،

 

وأن الإنتقال من تغيير إلى تغيير يجب أن يتم بحكمة وعقل ، لقد ظن البعض أن كلماتي موالاة للرئيس السابق ، ما عقلية هذا التفكير لست أعلم ؟! ، فأنا لست سوى مصري محب لوطنه وقلم يكتب به ما يراه صالحاً له ، وليس بين الذي كتبته طوال حياتي أي موالاة لغير الحق ، ولم أترك الفرصة لأحد لكي يوجه قلمي قيد أنملة عن المبادئ التي أعتنقها ، وهذا شأن كل كاتب حر ، أما الموالاة فهي من شأن ما يجد مصلحته معها ، وأنا لست على كرسي سلطة ، ولا أنتظره ، وكفانا الله شر ما يأتي من خلفه ، وشياطينه التي تأسر الضعيف ، وتحوله تابعاً لشيطنتها .  ومن هذا المبدأ أكرر ثانية وأنا مقتنعاً بما أقوله تمام الإقتناع ،

 

أن الإصرار على رحيل مبارك بعد خطابه الثاني لم يكن إصرار شباب وشعب 25 يناير ، لكنه لعبة هؤلاء الذين ظهرت بلطجتهم على كل نوع وشكل الآن ، أقسم بالله أن الأمور كانت ستسير بطريقة أفضل بكثير من هذا الوضع الذي لا أجد له تسمية ، نتحدث عن مليارات مبارك وأنا أؤكد أنه ليس له الحق فيها ، لكن كم من المليارات خسرتها مصر وستخسرها نتيجة للوضع الخاطئ الآن ، أدعو الله أن تتوقف الخسارة عند حافة الخراب فقط ولا تنزلق الأقدام إلى الخراب نفسه نتيجة لهذا الوضع الفوضوي المتسيب .  لست أعتقد أن هناك من لا يتابع ما يحدث في مصر منذ قيام الثورة ، سواء هناك ، أو هنا ، أو في أي بلد ، الجميع تملكتهم نشوة النصر على الفساد ، وصفقوا عالياً لهؤلاء الشباب ومن التحم معهم من الشعب ، وأيضاً من المؤكد أننا نتابع الوضع الآن ، والخوف والقلق يقبض على تلابيبنا ، والأسئلة تترنح في الهواء وتعود إلينا دون إجابة كسكير فقد وعيه .. إلى من ذهبت الثورة ، هل ستتحول إلى ثورة بلطجية ولصوص ،

 

هل ستتحول إلى ثورة تطرف وتعصب ، هل ستتحول إلى ثورة دمار وخراب ، هل ستتحول إلى ثورة اعتصامات ومبادرات للهروب من العمل ، هل ستتحول إلى ثورة مطالب ليس لها أول ولا آخر وليس لها معنى ، هل سيتظاهر كل من لا يستطيع أن يخرج عطسته ويطالب الحكومة أن تخرجها لها ، مهازل لم تحدث في تاريخ مصر الذي قرأناه ونحفظه عن ظهر قلب ، هل قامت الثورة لتظهر لنا هذا الشباب النقي ، وعلى الجانب الآخر تظهر أسوأ فئة في الشعب المصري ؟! ، وبالتأكيد لن يُفهم قولي على أنه شتمة للشعب ، فهناك فرق بين الشعب المصري الحقيقي وهؤلاء الذين امتلأت بهم البلاد طولها وعرضها يعيثون الفساد ويروعون الخلق ، ويعتدون على الحرمات ،

 

كل يوم أسمع عن شيء جديد والله لو كتبته كرواية خيالية لاتهمت نفسي بأنني بالغت في الخيال . أحداث كل يوم تسير بالبلد إلى الأسوأ ولا حماية للشعب ولا ردع لمرتكبيها أو مجرميها ، من وراء حرق مباني أمن الدولة والمستندات ؟ ، هل من مجيب ، بالتأكيد لا ، إذا كانت الإجابة غير معروفة في مصر ، فهل سنصل إليها هنا . من الذي أشعل النيران بين المسلمين والمسيحيين في قرية صول بمصر وأحرق الكنيسة عن بكرة أبيها وألقى بالمقدسات فوق الأرض ، ويطالب بأن تتحول إلى مسجد ، ظاهرة غريبة طفت الآن ، المناوشات كانت موجودة في الفترة السابقة ، والاعتداء على الكنائس كان موجوداً ، لكن النبرة الجديدة في الموضوع هو الإصرار على تحويلها إلى مسجد ، أليس هذا غريبا وعجيبا ومحزنا ومأساوياً بالنسبة لنا جميعاً ،

 

هل هذا ما نادت به ثورة الشباب والشعب ، والجميع ملتحمين مع بعضهم في ميدان التحرير ، الفتاة المسيحية تمسك بوعاء تصب الماء لكي يتوضأ المسلم قبل الصلاة ، والمسلمون يقفون ويحمون المسيحيين أثناء صلاتهم . أليست الكنيسة كانت موجودة منذ زمن طويل ويمر بجانبها المسلمون ، هل لم يكتشفوا وجودها سوى الآن ، وهل وجدوا فيها المركز الإستراتيجي الذي يؤهلها لأن تكون مسجداً!! أليست غريبة وعجيبة ومحزنة ومأساوية كما قلت . عبر الهاتف سمعت أنه الآن بلطجية يوقفون السيارات ويجبرون أصحابها على توقيع مبايعة لها ويسرقونها تحت قوة السلاح ، أين نحن ؟! ، هل نحن في مجاهل أفريقيا وننتظر أن نرى الإجرام يأكل لحم البشر ويستلذ بطعمه ،

 

لم يبق سوى هذا وقد يحدث فالمجاعة قادمة لا ريب إذا استمرت هذه المهزلة ، وسنشاهد أساليب جديدة للإجرام والبلطجة يهون أمامها ما يحدث الآن . كفاني كلاماً يمزق قلبي ، أعلم أنني بلغت قمة الأنانية وأنا أضعه على سن القلم وأكتبه ليصبح ملكاً للقارئ وقد يمزق قلبه كما مزق قلبي . دعونا ننتقل إلى الحلول ، كنت أتمنى أن تكون هذه محاورة بيني وبينكم ، لأستمع إلى كل الآراء ، لكن أعتقد أنها كانت ستتقابل كلها في حل واحد  ، الحزم والردع ، الحزم والردع ، الحزم والردع . إذاً المطلوب من القوات المسلحة التي وافقت أن تكون مصر أمانة بين يديها وفي عنقها ، وهي قادرة على ذلك ،

أن تنتقل من دور الطبطة الغير مفهومة على كل مطلب ، فغيرت حكومات ووزراء ، وأقالت ، وحاكمت ، وأجابت كل مطلب ، دون دراسة لمن الطالب وما هي أغراضه ، ظانة أن كل من يطلب هو من ثوار 25 يناير ، يجب أن تتوقف الآن عن تلبية أي مطلب في الوقت الحالي ، حتى تنتهي الحكومة من إرساء النظام والإقتصاد ، المطلب الوحيد الذي يجب أن تعمل ليلاً نهاراً على تحقيقه هو الأمن والأمان للبلد والشعب ، هو أن تعيد الشرطة بكامل قوتها إلى الشارع والأقسام ، أن تتجه لتخريج دفعات الضباط وأمناء الشرطة قبل انتهاء دراستهم وفوراً ، ليكملوا دراستهم بطريقة عملية وفي نفس الوقت يكونوا وجوهاً جديدة أمام الشعب ، أن تعضد الشرطة في الحفاظ على الأمن وردع هؤلاء البلطجية والمجرمين وأصحاب الفتن الطائفية ردعاً يكون عبرة لغيرهم ، يجب أن تتخلص مصر من أمثال هؤلاء ،

 

فهم نكبة على " مصر الجديدة " التي يسعى إليها كل مصري شريف وأمين ، ونكبة على ثورة 25 يناير ، لقد قرأت المئات بل الآلالف من التعليقات النادمة على قيام هذه الثورة ، وأنا ألتمس لهم العذر ، لأنه إذا لم تحسم الأمور بطريقة فعلية جادة قوامها الحزم والردع وترك التسيب ، سيخرج الجميع في ثورة مطالبين بالعودة إلى العهد البائد بالرغم من فساده على أنه الأفضل مما يحدث هذه الأيام . نداء من كل أحباء  مصر إلى القوات المسلحة .. التسيب لهؤلاء فيه إسقاط للوطن بأكمله ، ووأد لثورة 25 يناير وشبابها النقي وشعبها الطاهر الشريف ، إظهروا الحزم ، إسقطوا هؤلاء قبل أن تسقط مصر ، حاشا أن يكون هؤلاء الغوغاء من شباب وشعب الثورة . وأخيراً دعاء من أجل مصر ، أللهم كما أخرجت مصر من عهد الفساد ، لا تدعها تخطو إلى نفق الظلمات الذي أصبحت على أعتابه الآن  وأكتب لها السلامة يا أرحم الراحمين
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع