بقلم : إدوارد فيلبس جرجس
يقولون قلب المؤمن دليله ، وأنا أؤمن بعقيدتي وأحترم عقائد الأخرين ، كتبت هذا المقال في 12 مارس 2011 ، أي لم يكن مضى على ثورة يناير أكثر من شهرين ، وكأنني كنت أتنبأ بما سيحدث حتى هذه اللحظة ، وللأسف لم أنشره على هذا الموقع ، لأنني لم أكن قد بدأت النشر من خلاله ، وصدفة كنت أبحث على موقع جوجل ووجدت أن أحد المواقع قد نشر المقال ، وأعدت قراءته وكأنني لست كاتبه ، ووجدت فيه الواقع الذي نعيشه منذ الثورة وحتى الآن ، وقررت أن أعيد نشره بالرغم من مضي فترة طويلة على نشره لكن ما أشبه الأمس باليوم ، ولأن قراء هذا الموقع لهم تذوق خاص للكلمات .
بين الحزم والتسيب كلام يجب أن يقال
أحياناً تبحث عن شيء وهو في متناول يدك ، وقد يبحث الكاتب عن كلمات وهي قائمة في عقله ، لكنه لا يعرف كيف يقودها راضية أو قسراً إلى الورق ، الكلمات قبل أن يلتقطها سن القلم ملك الكاتب ، ومتى التقطها تكون من حق بل وملك القارئ . وأنا أبحث عن كلمات أعبر بها عن أحزان ثقيلة أشعر بها وأمام عيني ، بل تتجول داخل عقلي ، والأكثر تعبيراً تلعب به ، بل الأصدق رواية أنها تقفز داخل تجاويفه دون سيطرة ، الكلمات أمام عيني وداخل عقلي ، ويرددها لساني لأسمعها مرة واثنتين وعشرات المرات ، لكن أجد صعوبة في التقاطها على سن القلم ، لتصبح ملكاً للقارئ وأتخلص من عبء حملها ووزر خطيئتها. "ماذا يحدث في مصر الآن ؟؟؟!!! " ، هذه هي الكلمات القريبة البعيدة عن قلمي ، قد تكون سهلة على من يقرأها ، لكنها أصعب ما تكون على كاتبها ، لأن ما يحدث لا يُبشر بالخير ، ويعلن وأتمنى من كل قلبي أن يكون إعلاناً كاذباً ، بأننا نسير في طريق يختلف تماماً ، عن الطريق الذي ارتسم في أذهان ثوار 25 يناير ، بل حاد عنه تماماً ، وأكثر ما أخشاه هو أن يكون الثوار أنفسهم ، قد يصعب عودتهم إلى الطريق المضبوط ، بعد أن تفرع إلى مدقات غير ممهدة وشعاب مجهولة .
نصيحة سمعتها من جدي رحمه الله حفظتها عن ظهر قلب ، وأمارسها وأستعين بها عندما يتطلب الموقف ، قال لي لكي تعرف الصديق الحقيقي من الصديق الغير حقيقي ، ضع الجميع في الغربال وهزه ، والذي يظل فوقه هو الصديق ، والذي يسقط أسفله ابتعد عنه ، بالضبط كما يضعون الحبوب في الغربال لتنقيتها ، الذي يظل فوقه الحبوب النقية والسليمة ، أما الذي يتساقط هو الحبوب الغريبة المتطفلة والقش . من يأتي إلىَّ بغربال لأريح أعصابي المتعبة ؟ ، لأضع به جميع من في الساحة الآن ، وأنظر من سيظل فوقه ، ومن يسقط منه ، أُقسم وأحاسب على هذا القسم ، أنني لو قمت بهذا العمل الآن ، لن أجد فوق الغربال أحداً ،
سيسقط الجميع أسفله المتظاهرون والمعتصمون والمخربون والمطالبون والمعاندون والمتعصبون والمتطرفون والمتآمرون والجهال ، وكلهم لا يمتون لشباب وشعب 25 يناير بأي صلة من قريب أو بعيد ، شباب وشعب 25 يناير انسحبوا إلى منازلهم ، بعد أن حققوا ما خرجوا من أجله ، لكن لا أعتقد أنهم يشعرون حتى الآن بالأمان والرضا ، بل لن أكون قد ذهبت بعيداً ، إذا قلت وهم الشجعان الذين فتحوا صدورهم للرصاص الغاشم فاستشهد منهم من استشهد ، وأصيب منهم من أصيب ، ومن سيظل طوال عمره يحمل عاهة مستديمة ، يشعرون بالخوف الآن ، بل وهم الذين خططوا منذ فترة طويلة وتجمعوا دون معرفة إلا من خلال الفيس بوك أن الندم ينتابهم لقيامهم بهذه الثورة ، وتتملكهم الهواجس هل أخطأوا أم أصابوا ؟!
، كيف لا يتملكهم الخوف والندم والهواجس وهم يرون ثمرة تعبهم يختطفها الأفاقون ويدوسونها بأقدامهم ، وهم يروون الأقدام الهمجية تدوس دماء شهدائهم ، والجهل والتخلف في محاولة لحجب عقولهم المستنيرة التي خططت للثورة ، الثوار خرجوا للثورة ولم يضعوا في حساباتهم أن يحملوا في أيديهم حتى عصا لمجرد الدفاع عن النفس ، فكيف أصبحت الأسلحة أداة للهو في أيدي هؤلاء البلطجية . ساعدوني بل ساعدوا أنفسكم بل لنساعد بعضنا جميعاً لنضع الجميع في الغربال ، مصر ليست في حاجة للذين سيسقطون منه ، وإن كانت السجون حُطمت ، فلتبنى سجوناً أُخرى أشد مناعة لهؤلاء الذين يعملون الآن على حرق كل مكتسبات الثورة ،
بل حرق مصر كلها . أين أنتم ياشباب وشعب 25 يناير ، استحلفكم بالله أن تأتوا سريعاً واحتلوا مكانكم فوق الغربال ونادوا من الأربع جهات ، نحن حنطة مصر وخيرها ، والذين سقطوا هم الطين والقش وبذور الحشائش الضارة والحبوب التي ضربها السوس والحشرات ، إحذروهم ولا تدعوهم يسيروا بالوطن إلى هاوية أشد وطأة من الفساد الذي خرجتم من أجله . إسمحوا لي لأعود للخلف قليلاً ووريقات كتبت فيها كلمات كنت أظن وقتها أنها مجرد نصيحة ، والآن تأكدت من أنها كانت النصيحة التي يجب أن يعقلها كل عاقل ومحب للوطن . وهي التروي في اتخاذ خطوات التغيير ، وأن تترك واجهة الحكم فقط هذه الأشهر القليلة بعد التعهد الذي حدث بأنه لا ولاية أخرى ، ولا توريث ، وبضمان القوات المسلحة ، ومع وجود ثورة الشباب والشعب اليقظة ،
وأن الإنتقال من تغيير إلى تغيير يجب أن يتم بحكمة وعقل ، لقد ظن البعض أن كلماتي موالاة للرئيس السابق ، ما عقلية هذا التفكير لست أعلم ؟! ، فأنا لست سوى مصري محب لوطنه وقلم يكتب به ما يراه صالحاً له ، وليس بين الذي كتبته طوال حياتي أي موالاة لغير الحق ، ولم أترك الفرصة لأحد لكي يوجه قلمي قيد أنملة عن المبادئ التي أعتنقها ، وهذا شأن كل كاتب حر ، أما الموالاة فهي من شأن ما يجد مصلحته معها ، وأنا لست على كرسي سلطة ، ولا أنتظره ، وكفانا الله شر ما يأتي من خلفه ، وشياطينه التي تأسر الضعيف ، وتحوله تابعاً لشيطنتها . ومن هذا المبدأ أكرر ثانية وأنا مقتنعاً بما أقوله تمام الإقتناع ،
أن الإصرار على رحيل مبارك بعد خطابه الثاني لم يكن إصرار شباب وشعب 25 يناير ، لكنه لعبة هؤلاء الذين ظهرت بلطجتهم على كل نوع وشكل الآن ، أقسم بالله أن الأمور كانت ستسير بطريقة أفضل بكثير من هذا الوضع الذي لا أجد له تسمية ، نتحدث عن مليارات مبارك وأنا أؤكد أنه ليس له الحق فيها ، لكن كم من المليارات خسرتها مصر وستخسرها نتيجة للوضع الخاطئ الآن ، أدعو الله أن تتوقف الخسارة عند حافة الخراب فقط ولا تنزلق الأقدام إلى الخراب نفسه نتيجة لهذا الوضع الفوضوي المتسيب . لست أعتقد أن هناك من لا يتابع ما يحدث في مصر منذ قيام الثورة ، سواء هناك ، أو هنا ، أو في أي بلد ، الجميع تملكتهم نشوة النصر على الفساد ، وصفقوا عالياً لهؤلاء الشباب ومن التحم معهم من الشعب ، وأيضاً من المؤكد أننا نتابع الوضع الآن ، والخوف والقلق يقبض على تلابيبنا ، والأسئلة تترنح في الهواء وتعود إلينا دون إجابة كسكير فقد وعيه .. إلى من ذهبت الثورة ، هل ستتحول إلى ثورة بلطجية ولصوص ،
هل ستتحول إلى ثورة تطرف وتعصب ، هل ستتحول إلى ثورة دمار وخراب ، هل ستتحول إلى ثورة اعتصامات ومبادرات للهروب من العمل ، هل ستتحول إلى ثورة مطالب ليس لها أول ولا آخر وليس لها معنى ، هل سيتظاهر كل من لا يستطيع أن يخرج عطسته ويطالب الحكومة أن تخرجها لها ، مهازل لم تحدث في تاريخ مصر الذي قرأناه ونحفظه عن ظهر قلب ، هل قامت الثورة لتظهر لنا هذا الشباب النقي ، وعلى الجانب الآخر تظهر أسوأ فئة في الشعب المصري ؟! ، وبالتأكيد لن يُفهم قولي على أنه شتمة للشعب ، فهناك فرق بين الشعب المصري الحقيقي وهؤلاء الذين امتلأت بهم البلاد طولها وعرضها يعيثون الفساد ويروعون الخلق ، ويعتدون على الحرمات ،
كل يوم أسمع عن شيء جديد والله لو كتبته كرواية خيالية لاتهمت نفسي بأنني بالغت في الخيال . أحداث كل يوم تسير بالبلد إلى الأسوأ ولا حماية للشعب ولا ردع لمرتكبيها أو مجرميها ، من وراء حرق مباني أمن الدولة والمستندات ؟ ، هل من مجيب ، بالتأكيد لا ، إذا كانت الإجابة غير معروفة في مصر ، فهل سنصل إليها هنا . من الذي أشعل النيران بين المسلمين والمسيحيين في قرية صول بمصر وأحرق الكنيسة عن بكرة أبيها وألقى بالمقدسات فوق الأرض ، ويطالب بأن تتحول إلى مسجد ، ظاهرة غريبة طفت الآن ، المناوشات كانت موجودة في الفترة السابقة ، والاعتداء على الكنائس كان موجوداً ، لكن النبرة الجديدة في الموضوع هو الإصرار على تحويلها إلى مسجد ، أليس هذا غريبا وعجيبا ومحزنا ومأساوياً بالنسبة لنا جميعاً ،
هل هذا ما نادت به ثورة الشباب والشعب ، والجميع ملتحمين مع بعضهم في ميدان التحرير ، الفتاة المسيحية تمسك بوعاء تصب الماء لكي يتوضأ المسلم قبل الصلاة ، والمسلمون يقفون ويحمون المسيحيين أثناء صلاتهم . أليست الكنيسة كانت موجودة منذ زمن طويل ويمر بجانبها المسلمون ، هل لم يكتشفوا وجودها سوى الآن ، وهل وجدوا فيها المركز الإستراتيجي الذي يؤهلها لأن تكون مسجداً!! أليست غريبة وعجيبة ومحزنة ومأساوية كما قلت . عبر الهاتف سمعت أنه الآن بلطجية يوقفون السيارات ويجبرون أصحابها على توقيع مبايعة لها ويسرقونها تحت قوة السلاح ، أين نحن ؟! ، هل نحن في مجاهل أفريقيا وننتظر أن نرى الإجرام يأكل لحم البشر ويستلذ بطعمه ،
لم يبق سوى هذا وقد يحدث فالمجاعة قادمة لا ريب إذا استمرت هذه المهزلة ، وسنشاهد أساليب جديدة للإجرام والبلطجة يهون أمامها ما يحدث الآن . كفاني كلاماً يمزق قلبي ، أعلم أنني بلغت قمة الأنانية وأنا أضعه على سن القلم وأكتبه ليصبح ملكاً للقارئ وقد يمزق قلبه كما مزق قلبي . دعونا ننتقل إلى الحلول ، كنت أتمنى أن تكون هذه محاورة بيني وبينكم ، لأستمع إلى كل الآراء ، لكن أعتقد أنها كانت ستتقابل كلها في حل واحد ، الحزم والردع ، الحزم والردع ، الحزم والردع . إذاً المطلوب من القوات المسلحة التي وافقت أن تكون مصر أمانة بين يديها وفي عنقها ، وهي قادرة على ذلك ،
أن تنتقل من دور الطبطة الغير مفهومة على كل مطلب ، فغيرت حكومات ووزراء ، وأقالت ، وحاكمت ، وأجابت كل مطلب ، دون دراسة لمن الطالب وما هي أغراضه ، ظانة أن كل من يطلب هو من ثوار 25 يناير ، يجب أن تتوقف الآن عن تلبية أي مطلب في الوقت الحالي ، حتى تنتهي الحكومة من إرساء النظام والإقتصاد ، المطلب الوحيد الذي يجب أن تعمل ليلاً نهاراً على تحقيقه هو الأمن والأمان للبلد والشعب ، هو أن تعيد الشرطة بكامل قوتها إلى الشارع والأقسام ، أن تتجه لتخريج دفعات الضباط وأمناء الشرطة قبل انتهاء دراستهم وفوراً ، ليكملوا دراستهم بطريقة عملية وفي نفس الوقت يكونوا وجوهاً جديدة أمام الشعب ، أن تعضد الشرطة في الحفاظ على الأمن وردع هؤلاء البلطجية والمجرمين وأصحاب الفتن الطائفية ردعاً يكون عبرة لغيرهم ، يجب أن تتخلص مصر من أمثال هؤلاء ،
فهم نكبة على " مصر الجديدة " التي يسعى إليها كل مصري شريف وأمين ، ونكبة على ثورة 25 يناير ، لقد قرأت المئات بل الآلالف من التعليقات النادمة على قيام هذه الثورة ، وأنا ألتمس لهم العذر ، لأنه إذا لم تحسم الأمور بطريقة فعلية جادة قوامها الحزم والردع وترك التسيب ، سيخرج الجميع في ثورة مطالبين بالعودة إلى العهد البائد بالرغم من فساده على أنه الأفضل مما يحدث هذه الأيام . نداء من كل أحباء مصر إلى القوات المسلحة .. التسيب لهؤلاء فيه إسقاط للوطن بأكمله ، ووأد لثورة 25 يناير وشبابها النقي وشعبها الطاهر الشريف ، إظهروا الحزم ، إسقطوا هؤلاء قبل أن تسقط مصر ، حاشا أن يكون هؤلاء الغوغاء من شباب وشعب الثورة . وأخيراً دعاء من أجل مصر ، أللهم كما أخرجت مصر من عهد الفساد ، لا تدعها تخطو إلى نفق الظلمات الذي أصبحت على أعتابه الآن وأكتب لها السلامة يا أرحم الراحمين