الأقباط متحدون - الشعب يريد أسقفا لمدينته
أخر تحديث ٠٩:٤٩ | الاثنين ٢١ مايو ٢٠١٢ | ١٣ بشنس ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٦٧ السنة السابعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الشعب يريد أسقفا لمدينته


بقلم: ماجد سوس    
                                      

أصدر شعب الإسكنرية بيانا وصل عدد الموقعين عليه حتى كتابة هذه السطور أكثر من ستة آلاف شخص وسلم البيان إلى صاحب النيافة القائمقام البطريرك، الأنبا باخوميوس . ركز البيان على ضرورة رسامة أسقف للإسكندرية يكون بطريركا للكنيسة و ليس بطريركا يكون أسقفاً للإسكندرية مستندين في رأيهم هذا الى ما كتبه ابن العسال في قوانين الكنيسة في الباب الرابع حيث أكد هذه الفكرة. وابن العسال هو: "صفى الدولة إبن العسال " وهو أشهر كاتب قبطى جمع قوانين الكنيسة فى العصور الوسطى فى مؤلفه المعروف : " المجمع الصفوى لابن العسال" حيث أكد هذه الفكرة في الباب الرابع.  وقد وضع الكتاب سنة 1235م فى عهد البابا كيرلس الثالث المشهور بابن لقلق البطريرك الـ 75 وفى زمن الدولة الأيوبية وقال أنه صنف هذا الكتاب بناء على طلب المجمع المقدس للكنيسة القبطية .
 
و شعب الإسكندرية يحلم منذ عقود أن يكون لهم أسقف يرسم على مذبحهم لا أن يُنصَّب على الكرسي المرقسي مباشرة. فقد كان البابا يرسم في مقر البطريركية بالإسكندرية ثم يذهب إلى المقر البابوي لينصَّب هناك. فشعب الإسكندرية يتمسك بأن يكون البابا القادم راهبا مثل البابا كيرلس السادس الذي سيم أسقفا على الإسكندرية أولا ثم تم تنصيبه بطريركًا للكرازة . وفي تمسكهم هذا يرفضون فكرة أن يتم ترشيح أو تزكية أسقف سيم على إيبارشية مستندين على فكرة زواج الأسقف بإيبارشيته وانطباق شريعة الزوجة الواحدة وهي فكرة سبق أن طرحها بعض آباء الكنيسة. على أنهم يقبلون- على مضض- فكرة أن يكون المرشح من الأساقفة العموميين. 
 
في رفضهم تنصيب أساقفة الإيبارشيات لمنصب البطريرك هم يستندون إلى قرارات  المجمع المسكوني الأول بنيقية في قانونه الخامس عشر: "أنه بسبب التشويش العظيم والمنازعات الحاصلة, قد لاح بأن تنزع بالكلية العادة التي جرت في بعض الأماكن خلافا للقانون الرسولي بحيث لا يجوز لأسقف إيبارشية أن ينتقل لإيبارشية أخري, ولا أن يطمع الأسقف في أسقفية أكبر جاها أو مالا لأن الأسقفية شرف في حد ذاتها ولا تختص بمكان ما".
كما يذكر مجمع أنطاكية في قانونه الحادي والعشرين: "لا يجوز لأسقف أن ينتقل من إيبراشية لأخرى ولا يلقي ذاته متعديا لا باختيار منه ولا بإلزام الشعوب ولا بإبرام أساقفة أيضا بل يجب عليه أن يقيم في الكنيسة التي دعي عليها في حال الأصل ولا ينتزع عنها".
كما يذكر مجمع سيردينيا 347م في قانونه الأول:  "لا يحل لأحد الأساقفة أن ينتقل من مدينة صغيرة إلى مدينة كبيرة أخرى غيرها لأن الحجة لهذه العلة واضحة صريحة التي من أجلها قد تصير المباشرة في مثل هذه الأمور، لأنه من الممتنع أن يوجد قط أسقف سعى في النقلة من مدينة معظمة إلى مدينة أخرى أصغر منها... ". ولقداسة البابا الراحل مثلث الرحمات الأنبا شنودة الثالث رأي مطابق لهذا نشره في مجلة مدارس الأحد في عام 1953 عندما كان رئيسا لتحريرها حيث سجل عبارته الشهيرة :" بقاء الكرسي خالياً خيرٌ من أن يجلس عليه شخص غير مستحق" .
وفي بحث سجلة الأستاذ الدكتور مينا بديع عبد الملك ، في ذات الموضوع ، قدم العديد من الأدلة التي تؤكد ذات الفكرة : حيث ذكر أن جرسيموس مسرة في كتابه "تاريخ الانشقاق" المطبوع بالإسكندرية سنة 1891م- فصل 11، أن ترقية رؤساء الكهنة - وهم الأساقفة والمطارنة- إلى رتبة البطريرك ليست قانونية لأنها ما خرجت عن كونها نقل أسقف من إيبارشية إلى أخرى وأظن أن المحافظة على القانون بانتخاب البطاركة من درجة الكهنة أو الشمامسة - أي راهب كاهن أو راهب شماس - أفضل وأسلم عاقبة من انتخابهم من درجة رؤساء الكهنة، ثم أضاف قائلاً: "إن الكنيسة القبطية حفظاً لهذا التقليد لا تنتخب البطاركة من الأساقفة".
 
يذكر لنا واقعة حدثت فى القرن الثامن الميلادى فى عهد البابا خائيل الأول، البطريرك 46،  (743 - 767م) أن أراد أحد الملوك أو الولاة فى إنطاكية أن ينقل أحد الأساقفة من كرسيه إلى كرسى إنطاكية الذى خلا بوفاة البطريرك الأنطاكي عارض الأساقفة هذا النقل، وقالوا لا يجوز أن يكون الأسقف بطريركاً. فأرسل هذا الملك إلى البابا يأمره بإرسال أسقفين لإتمام هذه الرسامة، ويتوعده إن خالف أمره. ولكن البابا وجد أن الأمر جد خطير، ويقول الأنبا ساويرس - أسقف الأشمونين وكاتب كتاب سير بطاركة الكنيسة القبطية ( وهو من آباء القرن العاشر الميلادى): "فجمع البطريرك الأساقفة بالصعيد والوجه البحرى والكُتّاب وأعتكفوا على دراسة القوانين"، كان ذلك إذا طلباً مخالفاً للقانون والتقاليد. وفوض المجمع الكبير الأمر للبابا قائلين: "هو شريكك وأخوك وهذا الأمر هو لك خاصة"، فأجاب البابا على رسالة الملك فى شجاعة وإستعداد لتحمل المسئولية مهما كانت النتائج وقال: "السيف أو النار أو الرمى إلى الأسد أو النفى أو السبى فما يقلقنى ولست أدخل تحت ما لا يجب ولا أدخل تحت حرمي الذي كتبته بخطي وبدأت أن لا يصير أسقف بطريركاً، فكيف يجب أن أحرم نفسي وأحلل اليوم ما حرمته بالأمس وما أنكرته أمس أرضى به اليوم وما أنكره الآباء القديسون قبلي؟" حتى أن هذا صار قانوناً يحمل اسم "قانون البابا خائيل 46". وكرر خليفته الأنبا مينا البطريرك 47  (767 - 775م) نفس الحرم.
يقول المستشرق الفرنسى "إميلينو" فى مقدمة ترجمته لحياة الأنبا إيساك البطريرك 41 (690 - 692م)  : "ليس مسموحاً لأسقف أن ينتقل من كرسيه إلى كرسي بابوي لأن الكنيسة القبطية ظلت أمينة على هذا التقليد الذي وضعه الآباء في العصر الرسولي. ولهذا السبب كان رؤساء الأديرة إذا ما وجدوا بين رهبانهم شخصاً ممتازاً حرصوا على إخفائه عن الأنظار، ورفضوا إظهاره حين يتقدم إليهم أهل إيبارشية طالبين مرشحين للأسقفية. وذلك بغرض المحافظة عليه لترشيحه للكرسي المرقسي"..
 
ورد في كتاب قوانين الرسل والمجامع المسكونية والمكانية المطبوع بمطبعة المحروسة سنة 1894م القوانين الآتية:
القانون 14 من قوانين الآباء الرسل: "لا يجوز للأسقف أن يترك محل سكنته - أي إيبارشيته - وينتقل مجتازاً إلى غيرها."
القانون 15 من قوانين مجمع نيقية المنعقد في سنة 235م: "لا ينتقل من مدينة إلى مدينة أسقف أو قس أو شماس. فأي من باشر أمراً مثل هذا بعد اجتماع المجمع المقدس العظيم أو تورط في أمر مثل هذا فليكن فعله هذا غير ثابت على كل حال وليرجع مقيماً في تلك الكنيسة التي سيم فيها ذلك الأسقف أو القس".
القانون 21 من قوانين مجمع إنطاكية: "لا يجوز لأسقف أن ينتقل من إيبارشية إلى أخرى ولا يلقي ذاته متعدياً لا باختيار منه ولا بإلزام الشعوب ولا بإبرام أساقفة أيضاً بل يجب عليه أن يقيم في الكنيسة التي دُعي إليها من حال الأصل ولا ينتزح عنها".
القانون الأول من قوانين مجمع سردينيه المنعقد في سنة 347م: "لا يحل لأحد الأساقفة أن ينتقل من مدينة صغيرة إلى مدينة كبيرة أخرى غيرها لأن الحُجة لهذه العلة واضحة صريحة التي من أجلها قد تصير المباشرة في مثل هذه الأمور لأنه من الممتنع أن يوجد قط أسقف سعي في النقلة من مدينة معظمة إلى مدينة أخرى أصغر منها ...".
 
في سنة 1870 صدر قرار مجمع من أساقفة الكنيسة القبطية بعد نياحة الأنبا ديمتريوس الثاني البطريرك 111(1862- 1870م): "بعدم جواز ترقية الأسقف إلي البطريركية استناداً إلي الكتاب المقدس والقوانين والتاريخ وأقوال الآباء". ثم اختتم القرار بقوله: "لا نُسّلم ولا نسمح قط للكهنة وشعب الكرازة المرقسية بحل وتعدي هذه الحدود البابوية وكل من يطلب هذه الرتبة من الأساقفة أو المطارنة أصحاب الكراسي أو سعى فيها أو رضى بها أو أحد سعى له في شأن يطلبونه لها كاهناً كان أو رئيس كهنة أو علمانياً يكون محروما". 
 
وفى عام 1971 بعد أن خلا الكرسي السكندري بنياحة البابا كيرلس السادس البطريرك 116 فى 9 مارس 1971، تولى الأنبا أنطونيوس مطران كرسى سوهاج منصب القائمقام حتى يتم اختيار بطريرك جديد. والذى حدث أن الشعب القبطي عامة والشعب السكندري خاصة فوجئ بترشحه للكرسي السكندري، فانبرى له المؤرخ الكنسى د. منير شكرى وأرسل له بتاريخ 12 ابريل 1971م رسالة خطية يطلعه فيها على التقاليد الكنسية التى يجب مراعاتها كتب له فيها الكثير من الأسانيد القانونية والتاريخية منها ما نصت عليه الفقرة الرابعة فى الاتفاق الذى عُقد بين كنيستنا وكنيسة أثيوبيا عام 1959 والذى صدَّق عليه المجمع المقدس بخصوص كيفية اختيار البطريرك الجاثليق، يقول "ويُختار وفقاً لقوانين وتقاليد كرسي القديس مرقس بالإسكندرية من بين الرهبان الإثيوبيين الذين لا تعلو رتبتهم عن درجة القمص وهو المبدأ المعمول به أيضاً فى سائر الكرازة المرقسية". وقد وقع عليها نيابة عن البابا كيرلس السادس ومن الإكليروس الأنبا باسيليوس مطران أورشليم والقمص مكارى السريانى (الأنبا صموئيل)..
 
 ثم اختتم الدكتور منير رسالته قائلا : " لنضع نصب أعيننا صالح الكنيسة وتقاليدها التى نفخر بها ونتباهى على سائر الكنائس ثم مسئوليتنا نحو الأجيال المقبلة. هذه صرخة إن ذهبت اليوم مع الريح تذهب غداً بالأوتاد. فليكن عهدكم كعهد سلفكم الطقسى العظيم الأنبا أثناسيوس القائمقام عام 1957م الذى أصر على أن يكون الانتخاب وفق تقاليد وطقوس وقوانين الكنيسة. والله قادر أن يرشدكم لما فيه الخير". وعلى إثر هذه الرسالة من د. منير شكرى بالإضافة إلى مساعى بعض الآخرين من المخلصين للكنيسة أن أصدر الأنبا أنطونيوس القائمقام بياناً أعلن فيه اعتذاره عن المضى فى ترشيح نفسه للمنصب البابوى، وقد نُشر هذا البيان بجريدة "وطنى" بعددها رقم 646 الصادر صباح الأحد 25 ابريل 1971 ورد فيه النص التالى :"أنه منذ اللحظة الأولى التى اجتمعت فيها بإخوتى الأحبار الأجلاء أعضاء المجمع المقدس وأبنائي المباركين أعضاء هيئة الأوقاف القبطية وأعضاء لجنة أوقاف البطريركية، وشرفوني بانتخابي بالإجماع قائمقام بطريرك الإسكندرية والكرازة المرقسية، أعلنتها صريحة بأني أشعر بارتياح تام لو قصرنا الترشيح على الرهبان فقط، أسوة بما حدث فى عام 1959، وكنت إذ ذاك أحد أعضاء المجمع المقدس، وكانت نتيجة الأنتخابات البابوية مشرفة للغاية، فأتت لنا بالقديس العظيم المطوب الذكر البابا كيرلس السادس، وكان عهده - رغم قصره - عهداً ذهبياً حافلاً بالمكاسب والأمجاد.. أقول هذا، تعبيراً عن عقيدة أؤمن بها وأستريح لها ورأي أعتز به. والآن، إذ أذكر مشاعر الأحباء الكرام الذين اهتموا بتقديم هذه التزكية، شاكراً للجميع عظيم محبتهم. أعلن فى الوقت نفسه عن حبي العميق وتمسكي وإعزازي الكامل بإبروشيتي الغالية كرسي سوهاج والمنشأة، رعاة ورعية وبلاداً ومواطنين أعزاء. لا حرمني الله منهم ولا من محبتهم.."
 
       عزيزي القاريء هذا يؤكد أن كنيستنا القبطية سارت علي هذا النهج من زمن مار مرقس كاروز الديار المصرية حتى البابا كيرلس الخامس البطريرك 112  (1874-1927م) ولم تُكسر القوانين إلا اعتباراً من سنة 1928 منذ اختيار البابا يؤانس البطريرك 113 19 (1924-1928م) الذي كان مطراناً للمنوفية والبحيرة وقائمقام البابا و تسبب هذا في عدم مقدرته على أن يشرف على الكرازة وعلى إيبارشيته في ذات الوقت. ولم تُستثن تلك الفترة إلا بإقامة الراهب القمص مينا البراموسي المتوحد (البابا كيرلس السادس البطريرك 116) في عام 1959 حينما أصر قائمقام البابا البطريرك في ذلك الوقت الأنبا إثناسيوس (1925-1962م) مطران بني سويف والبهنسا الذي أعلن تمسكه باقتصار الترشح لمنصب البطريركية على الآباء الرهبان فقط إعمالاً بقوانين الآباء الرسل وقوانين المجامع الكنسية، ومنع الأساقفة من الترشح. وقد أصدرت الإسكندرية بيانا في عام 1971 نسب إلى المتنيح القديس القمص بيشوي كامل يتمسك فيه بضرورة أن يكون البطريرك راهباً وأن تتم سيامته على أسقفية الإسكندرية التي حرمت من سيامة أسقف لها في المرات القليلة التي تم تنصيب أسقف إيبارشية لسدة البطريركية . فهل آن الآوان لتنعم الإسكندرية بأسقفٍ خاص بها يتم تنصيبه بطريركا للكرازة.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع