فاطمة ناعوت
أعادت مسرحية «علاء الدين» للمسرح تعريفاتِه الأولى التى خَفُتَ بريقُها مع الزمن، وضخّت فى نسيح المسرح المصرى وهجًا افتقدناه عقودًا. حيث الإبهار المسرحى فى أرقى مستوياته واستغلال التكنولوجيا والمؤثرات الفنية لإثراء التيمة البصرية وخلق حالٍ من الوهج الحى. أجاد المخرج المميز «مجدى الهوارى» استخدام أدواتِه الفنية والإنتاجية لجعل الجمهور «متورّطًا» فى العرض منذ اللحظة الأولى. حيث فتحَ خشبةَ المسرح على اتساعها فكانت صالةُ الجمهور جزءًا من خشبة العرض، وحلّق الممثلون فوق هاماتنا، فلم نعد ننظر وحسب صوبَ الحائط الرابع المحذوف، كما فى المسرح التقليدى، بل إلى الأعلى كذلك، لأن سماءَ القاعة أصبحت جزءًا من خشبة العرض. «علاء الدين» التى تُعرضُ الآن على مسرح «كايرو شو» بمدينة ٦ أكتوبر، من إنتاج «شروق العطار»، وبطولة النجم «أحمد عز»، ومجموعة رفيعة من النجوم، كانوا جميعًا أبطالا فى هذا العمل الفنى المتوهّج، الذى وقف على معاييرَ فنيةٍ شديدة الصعوبة، تُعيد للمسرح بهاءه من ناحية، ومن ناحية أخرى تُصعِّبُ الأمرَ على الضالعين بأى عمل مسرحى قادم. كسرت «علاء الدين» قاعدةَ «الأحادية» وفلسفة البطل الأوحد. فجميعُ الممثلين أبطالٌ. وتفوّق «عز» فى التفاعل بهارمونية مع بقية النجوم لخلق سيمفونية مسرحية فائقة، تقوم على تناغُم الأوركسترا بكامل عازفيه. فليس البطلُ فردًا، إنما البطلُ هو: «العرض المسرحى»؛ وعلى جميع النجوم التناغمُ على إيقاعه، لإنجاحِه. أحببنا «أحمد عز» نجمًا سينمائيًّا مضيئًا، فكان الرهانُ على وقوفه على خشبة المسرح لأول مرة، لونًا من التحدّى الشيّق. وكسب الرهان، وقدّم لنا عملا قيّمًا يُضاف إلى تاريخه الغنىّ. من الصعب أن تصدّق أن «علاء الدين» تجربتُه المسرحية الأولى إذ تمكّن من أدائه المسرحى: يكسر الحائطَ الرابع ليُورّط الجمهور، ويصنع الكوميديا، ويُفسِح المجال لزملائه ليقدموا جميعًا «البطلَ الأصلى» فى «علاء الدين»، وهو ذلك العرض المسرحى الفاتن.
«علاء الدين» قصة معروفة درسناها فى المدارس وشاهدناها مسرحًا وسينما عشرات المرات. اللصُّ الشريف الذى يسرقُ من الأغنياء ليعطى الفقراء، ويستخدم مصباحه ليحقق أحلامَه، وتقع فى هواه ابنةُ السلطان لنبله وشهامته. ولأن «طزاجة النص» يُعدُّ ٥٠٪ من نجاح أى عمل مسرحى، فكأنما دخل «مجدى الهوارى» هذه التجربة مُغامرًا مُضحّيًّا بنصف النجاح، إذْ غامر بتقديم نصٍّ معروف. ولم يتبق أمامه إلا مساحة ٥٠٪ فقط، عليه إكمالُها إلى المائة لينجح العرض. مغامرةٌ كبرى خاضها وكسبها المخرج الموهوب؛ إذْ عوَّضَ غيابَ طزاجة النصّ بتيمات الإبهار المسرحى وتوسُّل أحدث التقنيات التكنولوجية من سينوغرافيا وهولوجرام قُدّما على نحو فائق وتزامُن synchronizing بلغ حدَّ الكمال فى خروج الجنّى من فوهة المصباح وتحدّثه ورقصه وتعبيرات ملامحه، وكذلك المغارة العظيمة التى تحوّلت إلى وجه سيدة صخرية تتحدث وتُحاجج داخليها من البشر على نحو فلسفى رفيع لتُقدِّم مورال العمل. الإضاءة التى قدّمها «د. رامى بنيامين»، كانت بطلا رئيسيًّا فى العرض، وكرّست حال الإبهار المسرحى وإضفاء الِمسحة التاريخية وغموض الأساطير. كذلك الملابس فائقة الثراء صممتها المبدعة «نيڤين رأفت» وصُنعت خصيصًّا فى الهند، عبّرت بدقة عن بغداد وأجواء «ألف ليلة وليلة» العجائبية بكامل ألقِها ونفاستِها. معالجة النصّ والسيناريو أبدعها «حسن المهدى» فقدّم لنا كوميديا عصرية فارْس، أغرقتنا فى الضحك، وفى ذات الوقت سرّبت فى أعماقنا مورال المسرحية: حيث لا يفوز بالرغد والفرح والحبّ، إلا النبيلُ الطيبُ، الذى يحبُّ الناسَ ويساعدهم.
«علاء الدين» عمل مسرحى استعراضى من الطراز الرفيع، يقوم على أعمدة فنية شاهقة من الإخراج والإنتاج والتمثيل والديكور. «سامى مغاورى»/ السلطان الطيب الذى أضحكنا بامتزاج السلطة والثراء مع السذاجة، «هشام إسماعيل»/ الوزير جعفر الذى أبهجنا بامتزاج الشرّ مع خفّة الظل، «محمد جمعة»/ فرعون الذى أضحكنا بجديته المخترقة بالفوضى، «محمد ثروت»/ الجِنّى الذى أضحكنا كعفريت يتنصّلُ من «عفرتته» ويصادقُ النبلاءَ من البشر، الجميلة «تارا عماد»/ التى جسّدت الصورة الذهنية المحفورة فى ذاكرتنا عن الأميرة ياسمينا الرشيقة الباحثة عن الحبّ والنبالة، وبالطبع النجم الساطع «أحمد عز» الذى أتقن أداء دور «علاء الدين» بكامل وسامته ورشاقته ومكره وخفّة ظلّه.
المسرحُ أعظم الفنون التعبيرية لأنه يضمُّ فى باحته جميعَ ألوان الفنون الستة الأخرى من عمارة، تشكيل، نحت (ديكور)، موسيقى، شعر، بالإضافة إلى «المسرح» ذاته؛ بوصفه الفنَّ السادس الشامل؛ ولهذا سُمّى «أبوالفنون»، لأنه ينشر مِظلّتَه الواسعة فوق رؤوس الفنون الأخرى، ولأنه بدأ عند الإغريق فى القرن الخامس قبل الميلاد؛ فيُعدُّ بهذا أولَ ما عرف الإنسانُ من فنون إلى جوار العمارة/ أم الفنون. تحية احترام لهذا العمل الرصين. «الدينُ لله، والوطنُ لمن يسمو بفنون الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم