مفيد فوزي
قدمت فيروز لضيفها الرئيس الفرنسى ماكرون فنجان قهوة عربية، كانت فيروز تحتفظ بطقم فناجين قهوة لكبار ضيوفها، وكانت المناسبة زيارة ضيفها الكبير الذى يجىء للمرة الثانية. وعلى هامش رحلته يسلمها نيشاناً فرنسياً رفيعاً فى مئوية لبنان. السياسى اللبنانى سعد الحريرى هو من دلّ سيارة ماكرون لبيت سفيرة النجوم فى جبل أنطلياس. بيت متواضع من دورين، يحتويها هى وابنتها ريما. أغفل المصورون سعد الحريرى حتى لا تتسم الزيارة بأجنحة لبنانية مرفوضة من الشارع اللبنانى الذى يعيش حالة «رفض لكل شى» وحالة «ترقب لميلاد أى جديد». وفيروز لمن لا يعرفها قليلة الكلام وتفضل الإصغاء وتهز رأسها حين توافق على ما يقوله محدثها. وفى زيارة ماكرون فرنسا كانت تستمع للخطط المستقبلية لإنقاذ لبنان من «الوحل السياسى»! واختيار فيروز لزيارتها من جانب الرئاسة الفرنسية هو اختيار لفنانة انتماؤها للفن وتمثل رمزاً مهماً فى الحياة اللبنانية. فيروز لم تدخل ملفات السياسة ولن تدخلها. وحافظت على ثوبها المطرز كفنانة تضيف بصوتها الملائكى الحب والخير والجمال. يوم سمعت أيقونة لبنان عن انفجار المرفأ طالها بكاء هستيرى ثم لاذت بالصمت!
من أخرج فيروز من حالة الصمت الطويل هو زيارة ماكرون الذى تشعر أنه «جاد» بإعادة بيروت لوجهها الجميل، وصدقت هذا حينما رأت عمالاً فرنسيين جاءوا إلى بيروت ليزيحوا الركام والمخلفات وآثار الحرائق.
فى لبنان الآن حكومة إنقاذ يديرها مصطفى أديب وكان سفيرًا للبنان فى ألمانيا. لا توجهات سياسية مسبقة للسفير سوى وجه لبنان، المكانة والتاريخ.
■ ■ ■
صداقات وطيدة ربطت فيروز بفنانى فرنسا، وعلى رأسهم ميراى ماتيو، وحضرت حفلتها فى أوليمبياد باريس عام ١٩٧٩، وتربطها صداقة بالممثلة جان مورو التى مثلت أدوارًا على مسرح بعلبك، وتقول عن فيروز: «تجمع فى شخصها تراثًا كاملًا، يكفى الإصغاء إلى صدى أغنياتها كى نستنتج مدى تجسيد فيروز هذه الحضارة». وصداقة حميمة تربط فيروز بالمطربة اليونانية تانا موسكورى التى لم تخف يومًا إعجابها بـ«حالة» يخلقها صوت فيروز.
واستحوذت فيروز على مشاعر الممثل الفرنسى جان كلود بريالى الذى يصفها بـ«أنها معطاءة ولو بخجل، وهذا سرها»، تقول فيروز فى أغنيتها عن باريس:
«باريس يا زهرة الحرية، يا ذهب التاريخ يا باريس
لبنان باعتلك بقلبى سلام ومحبة تبغلك لبنان
رح نرجع ونتلاقى ع الشعر وع الصداقة
ع الحق وكرامة الإنسان
يا فرنسا.. شو بقلن لأهلى من وطنى الجريح
قصتنا من أول الزمان
بينجرح لبنان بيتهدم لبنان
بيقولوا مات وما بيموت
وبيرجع من حجار يعلى بيوت
وتتزين صور وصيدا وبيروت»
نالت فيروز أوسمة غير الوسام الذى منحته قلوب الملايين لها. وسام حب بلا ضفاف ووسام تقدير يناطح السحاب.
نالت سفيرة النجوم:
١- وسام الاستحقاق اللبنانى فى زمن كميل شمعون.
٢- وسام الأرز من رتبة فارس فى عهد شارل الحلو.
٣- وسام الشرف منحها إياه الملك الحسين بن طلال.
٤- وسام الاستحقاق السورى.
٥- وسام الثقافة والفنون من وزارة الثقافة الفرنسية.
٦- وسام جوقة الشرف من رتبة فارس فى زمن جاك شيراك.
٧- جائزة القدس من السلطة الوطنية الفلسطينية.
٨- وسام الثقافة الرفيع التونسى.
فمنذ بزوغ الشمس الرحبانية مثلثة الأطراف «فيروز والأخوين رحبانى»، تجلت دعوة صادقة لكسر القيود وإطلاق النفس والعقل من الأقفاص. وكانت الحرية العنوان الأبرز فى أعمال الرحبانية التى استحثت منابر الحرية الثائرة على قيود الحديد، دعمها صوت فيروز حتى الأغنية الوطنية التى تشدو بها الفيروزة، ليست مارشًا عسكريًا ودعوة إلى حرب وأبواق استنفار ورائحة نار وقتال بل تجليات شاعر.
■ ■ ■
كل القضايا السياسية التى عالجها مسرح الرحبانية هى قضايا ساخنة وملحة وتهم كل آن. لقد تعامل الرحبانية مع التاريخ تعاملًا متميزًا. لم يسقطوه فى حادثة بعينها بل انتبهوا للجوهر وحلقوا معه فى أى مكان وزمان. صوت فيروز يصالح الأبعاد المتنازعة.
ولفيروز تفسير خاص لفنجان القهوة!
■ إنه وصلة محبة.
■ الكافيين صحصحة لطرفين.
■ يساعد على التركيز.
■ رشفات القهوة مساحة تواصل.
■ تحرص أحيانًا على البوح.
■ انفلات من الذات.
■ انصهار أفكار.
■ عتبة اتفاق.
ذلك أن الوضع المأساوى الذى يعيشه لبنان ينادى أصحاب القلوب والمبادرات دون لف أو دوران.
فرنسا اهتمت بكارثة لبنان وزارها رئيسها مرتين، ومن المؤكد أن الشارع اللبنانى الذى كره كل الوجوه السياسية، ورفض أحزابًا فوق الأرض وتحت الأرض، ولم يعد «يصدق حدًا» كما يقولون، صار فى حاجة لمعجزة ليقف الشعب اللبنانى على قدميه. ذلك أن اللبنانى «العياش» عاشق الحياة لن ينكسر ولن يعانق الموت.
لبنان فيروز أكبر من انفجار مرفأ.. ومن فساد حكومى، ومن سياسة عرجاء حاصرتها مظاهرات وضربها إعصار غير مفهوم. صوت فيروز هو التشبث بتراب الوطن والتجذر.
«لن ننام وشراع الخير حطام..
لن ننام ودروب الحق ظلام».
نقلا عن المصرى اليوم