قلم أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
الصراحة أحسن شيء في الدنيا. والحمد لله، لا نريد شيئا لشخصنا من شفيق ولا من مرسي. ما نريده هو شيء واحد فقط بعد رضا الله سبحانه وتعالى، هو تحقيق مطالب ثورة 25 يناير لأنها الخير كله، (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره.) ولذلك فلنفكر سويا في الإجابة على بعض الأسئلة الإستراتيجية التي تحدد الاختيار بين شفيق ومرسي، وعودة للصراحة، سأحاول الإجابة عليها. وطبعا سنخطئ، عن جهل ودون قصد، أمام هذا الاختيار العصيب. ولكن لا زال أمامنا أسبوعان للرجوع دائما إلى الحق.
أولا: وبدايةً، ماذا ترى عندما تنظر في وجه شفيق أو مرسي عند حديثهما في التليفزيون؟ أرى في وجه شفيق عميلا غامضا، أو بتعبير أكثر تقبلا ممثلا غامضا، للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأرى في وجه مرسي عميلا أو ممثلا أكثر غموضا لجماعة الإخوان المسلمين. المجلس الأعلى يمثل مؤسسة الجيش العظيم، ولكن إدارته للمرحلة الانتقالية أساءت إلى المؤسسة العسكرية نفسها، لأنه أثبت أنه عدو للثورة ونجح في إجهاضها مرحليا بنسبة 80%. وجماعة الإخوان جماعة لم يكن لها أن تظهر وتسود على الساحة السياسية، ناهيك عن احتلالها لسلطات تشريعية هامة، لأنها جماعة عالمية أيديولوجية سرية فاشية ذات أهداف خيالية، كما لا يمكن لجماعة مصلحية مقفلة بالضرورة أن تحكم دولة.
وبالرجوع إلى مرجعيتي الأساسية، وهي تحقيق مطالب الثورة، فالاختيار الأول (المجلس) لا يحققها إطلاقا بل يسعى لإتمام إجهاضها، أما الاختيار الثاني (الجماعة) فلم يعبر عميلها صراحة بأن الثورة قد انتهت كما فعل عميل المجلس. هنا يستمر أمل استمرار الثورة ويتفوق مرسي على شفيق. ثانيا: السؤال الإستراتيجي الثاني، ما هي شدة خوفك من شفيق أو من مرسي؟ بسبب النقطة الأولى، أخاف بدرجة أعظم من شفيق، وطبعا أعذر إخوتي الأقباط أن يجيبوا بكل سرعة أنهم يخافون بدرجة أعظم من مرسي. وهذا طبعا حقهم في التفكير مثلما هو حقهم في التصويت. ولأني مهتم بمصلحة إخوتي الأقباط فأنا لا أتوانى عن الدفاع عنهم، وهم لا يحتاجون دفاعي، ولكن من منطلق الدفاع عن المواطنة والعدالة الاجتماعية جوهر الثورة والقيم الإنسانية، وهذا هو ما يريح ضميري عندما أقول في هذا السؤال الاستراتيجي يتفوق مرسي على شفيق أيضا. ثالثا: السؤال الإستراتيجي الثالث، مَن الأكثر قدرة على تحقيق الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي بعد تربعه على كرسي الرئاسة،
شفيق أم مرسي؟ القوة العسكرية وقوة الشرطة العسكرية والأمن المركزي ودعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة لشفيق ستمكن جميعها شفيق من تحقيق استقرار سريع بالقمع والإرهاب، وهذا أمر يرفضه تماما كل إنسان حر يحترم نفسه وعرضه وكرامته، كما أن استقرار القمع ليس مستداما أو باقيا على الأمد المتوسط والبعيد. أما مرسي فسوف يموج به البحر قليلا، وسوف نصاب بقليل من دوار البحر وعدم الاستقرار، ولكن سيفرض التيار الوطني نفسه وقوته، وهو تيار أفرزته المرحلة الأولى من الانتخابات بدرجة تُعلي من كلمة الثورة واستمرارها، بالإضافة إلي دعم السلطة التنفيذية وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة لقوة مرسي، ومن ثم، فسريعا ما سيتحقق الاستقرار والسلم الاجتماعي خاصة أمام محاولة مرسي الدءوبة المتوقعة لإثبات عكس نزعة التحيز الطائفي للإخوان المسلمين. أنا شخصيا أتحمل قليلا من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي ولا أقبل أبدا أبدا الاستقرار بالقمع، لأننا لسنا عبيدا أو خرافا. وهنا مرة ثالثة يتفوق فيها اختيار مرسي على شفيق.
رابعا: من الذي سيحقق قدراً أكبر من الحرية والعدالة الاجتماعية في السنوات الأربع الأولى إذا دامت له، شفيق أم مرسي؟ كلا المشروعين، إن كان أي من صاحبيهما يفقه فعلا ما فيه أو يقتنع به، لا يحقق حلم العدالة الاجتماعية وبناء الدولة الصناعية الزراعية المستقلة القوية لأنهما مشروعا الرأسمالية المتوحشة المتحيزة لمصاصي الدماء والتبعية الاقتصادية الانبطاحية لأذرع العولمة والرأسمالية المتوحشة، منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. التنمية ستستمر موءودة، والفقر سيتزايد، وتتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء والظلم بكافة صوره. ولكن الانبطاح كل الانبطاح سيرضخ له شفيق، أما مرسي فالدرجة أقل قليلا، وهنا يتفوق مرسي على شفيق مرة أخرى. خامسا: من الذي سيحقق استقرارا أكثر مع العالم الخارجي والعلاقات الدولية شفيق أم مرسي؟ شفيق طبعا لأنه سيرضخ للقوى العالمية المؤثرة في منطقتنا وهي قوى الهيمنة الأمريكية والإرهاب الإسرائيلي والإنعام المالي الخليجي دون العمق الإفريقي والدعم التركي الإيراني. ولكن في النهاية يتفوق شفيق هذه المرة على مرسي.
سادسا: من الأسهل خلعه لو لم يمكن إصلاحه بواسطة قوى التيار الوطني الثوري العظيم؟ ربما يكون هذا السؤال حرجا بصورة خاصة لأنه يتعلق بعملية صيانة الدولة وإصلاحها وإعادة ضبطها. دكتاتورية القوة العسكرية والبطش المادي ذات الخبرة والمهارة العالية يصعب جدا مقاومتها، أما دكتاتورية التعصب الديني فهي في تقديري أسهل تغييرا، وخاصة قبل أن تتجزر كما تجزرت آلة البطش العسكري، لأنها تمثل السوفتوير أو البرامج في عالم الحاسب الآلي حيث يمكنك تغييرها. أما دكتاتورية القوة العسكرية والبوليسية فهي تمثل الهاردوير في عالم الكمبيوتر، والتي تعني عدم المرونة، بمعنى أنك يجب أن تستمر في الخضوع لها أو تهجرها إلى جهاز آخر.
وهنا يتفوق مرسي على شفيق مرة أخرى. الخلاصة: إذا ما لاحظت شيئا من المنطق في التحليل السابق، فلا يسعنا إلا أن نختار مرسي دون شفيق. أبلغ تعبير أسوقه يا دكتور مرسي لأدلل على الاختيار الجبري العصيب لمعظم من سيختارونك ما شاهدته من الفتى الجميل ابراهيم الهضيبي أمس في برنامج العاشرة مساءً وهو ينظر إلى صدره ويكاد يبكي ويقول بصوت خفيض سأنتخب الدكتور مرسي تبعا لتعليمات الجماعة. وأقول أيضا يا دكتور مرسي لو فرضنا أن انتخابات الإعادة كانت بينك وبين الدكتور سليم العوا، الذي لم يحصل على أصوات تذكر، لنجح الدكتور العوا بنسبة 90% من الأصوات مقابل حصولك على 10% فقط. وعموما سننتخبك وسينجح شفيق، وستثبت الأيام أن المجلس العسكري، والإخوان بجانبه، هو المذنب الأول وبنسبة 90% لما وصلنا إليه من هذه المرحلة المهينة من إجهاض الثورة وسمنة نظام مبارك، سمنة عجل الذبيح في موسم البرسيم.