بقلم- د. صفوت روبيل بسطا
في هذه الأيام العظيمة تحتفل بلدنا "مصر" عامة وكنيستنا القبطية خاصة بأجمل حدث وأعظم زيارة على مدار التاريخ، ألا وهي زيارة العائلة المقدسة لبلدنا "مصر"، وزيارة السيد المسيح رب المجد وملك الملوك ورب الأرباب لها، رب السماء والأرض.. هذه الزيارة التي خصنا بها ولبلدنا "مصر" وحدنا، والتي أظهرت كم هي مميزة وغالية عليه، وكم هي عظيمة ليختارها من بين كل بلدان العالم، وهذه الزيارة لم تكن زيارة عابرة، ولكن تباركت بلدنا بهذه الزيارة السماوية- الرفيعة المستوى- ولمدة ثلاث سنوات ونصف، وفيها يتجول رب المجد من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها، راسمًا على بلدنا "مصر" علامة الصليب في كل أنحائها، دلالةً على حفظه لها وحمايته لها ولشعبها الذي دُعي عليهم اسمه القدوس على مدى الأيام، ودلالةً أنه مهما مرت عليها ضيقات وصليب سوف تستمر وتظل مصونة ومحمية من كل الشرور.
"مصر" التي عانت من ضيقات وحروب كثيرة جدًا، ومن حكام طغاة، أين هم الآن؟ وأين مَن استعمروها؟ وأين مَن أرادوا بها شرًا؟ أين كل هؤلاء؟ الجميع أصبحوا في ذكرى التاريخ بما لهم وما عليهم، وظلت وستظل "مصر" بلدنا إلى الزيارة الثانية- المجئ الثاني- والأخيرة لرب المجد.
وإذا ما تحدثنا عما عاناه شعب "مصر" الأصلي من ضيقات واضطهادات ومحاولات إبادة، فالتاريخ يشهد وبكل أمانة، وسيذكر ما عاناه الأقباط من بدء المسيحية في بلدهم وعلى أرضهم "مصر" وإلى اليوم من كل الحكومات ومن كل الحكام- بلا استثناء-، ونتوقع ذلك وحتى إلى مجئ السيد الرب في المجئ الثاني؛ لأنه سبق ونبهنا أنه "في العالم سيكون لكم ضيق".. وفي المقابل، طمأننا ووعدنا "ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم"، و"سوف يمسح كل دمعة من عيونهم".
إذًا ارتبطت مصر الغالية بشعبها الأصلي ارتباطًا روحيًا ووجدانيًا شديدين، ومثلما تحملت "مصر" الكثير من المعاناة ومن الاستعمار ومن الطامعين فيها، عانى أيضًا شعبها الأصلي من الظلم والقتل والاضطهاد بما لا طاقة لبشر، ولولا معونة رب المجد وتعزياته لشعبه لما وُجد اليوم مسيحي واحد على أرض "مصر"، ولكنها معونات سماوية وتعزيات إلهية دائمة ومستمرة لشعبه، وفي أحلك الظروف دائمًا ما تأتي التعزيات السمائية والتطمينات العلوية.
وفي هذه الأيام الحرجة من عمر بلدنا "مصر"، ونحن في مفترق الطرق، أو في مرحلة عنق الزجاجة، ما بين دولة مدنية حرة وبين دولة دينية لا يعلم مداها إلا الله وحده، نطلب من رب المجد زيارة "استثنائية" في هذه الأيام؛ لأننا في احتياج شديد لمعونته لنا ولحبيبته "مصر" التي دائمًا ما تحن إليها وتأتي إليها أمنا "العذراء البتول" ما بين الحين والآخر لتطمئن "مصر" وشعبها، ولتؤكد لنا دائمًا أننا في فكر الرئاسة العُليا السمائية، وأن لا نقلق على مستقبل بلدنا، ولا على شعبه على أرض مصر، وأنه سوف ينقذها مما هو أت ومما يُحاك لها، ويختار لها الرئيس الصالح الذي يختاره لها، ونحن واثقون في محبته لـ"مصر" وشعبها، وأنه لا يسمح لها بمَنْ يريدون تدميرها أو تخريبها، ويحطم كل أوثانها وكل سلبياتها وكل مَن يُريد لها أي شر.
ولذلك، على كل مسيحي يحب "مصر" التي زارها رب المجد وأحبها وميزها واختارها ليهرب إليها ويأتي إليها ويباركها، أن لا يتأخر في الذهاب لانتخاب الدولة المدنية، ونحن نعمل اللي علينا ونرفع الحجر والباقي على الرب، ويقيم لنا "مصر" بلدنا مثلما أقام "لعازر" من بين الأموات.
"مصر" التي سبق وزارها كوكبة من أنبياء الله الصالحين، أمثال أبونا "إبراهيم" أب الآباء، و"يوسف الصديق"، و"موسى" النبي العظيم، وكان مسك الختام بزيارة رب المجد لها، وبعدها أرسل لنا "مار مرقس" الرسولي ليعطينا أجمل عطية لنصبح مسيحيين ويُدعى علينا اسمه القدوس، وأيضًا تباركت بكوكبة من الشهداء والقديسين، سالت دماؤهم الطاهرة على أرضها، وباركت ترابها وكل شبر فيها. لذلك أبدًا لن نخاف على "مصر"، ولن نقلق على مستقبلها، ومهما حدث بها أو لها.
ومثلما سبق وتنبأ "إشعياء النبي" من آلاف السنين، وقال الوحي الإلهي: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه، ويذوب قلب مصر داخلها" (أش 19-1)، نطلب في هذه الأيام الصعبة أن يأتي الرب سريعًا وينقذنا وينقذ "مصر"، ويتحقق وعده الصادق والأمين القائل "مبارك شعبي مصر".