عبد المنعم بدوى
12 أكتوبر 1973
تسلمت اليوم مظروف أصفر مغلق يحتوى على أمر القتال الذى يتضمن : ساعة الصفر ( ساعة العبور ) ، المهمه ، عدد خطوط الذخيره ، أماكن تسليم الأسرى من قوات العدو ، أماكن اخلاء المصابين والجرحى ، ترددات اللاسلكى .
أستدعيت المركبات ( الحمله ) لتحميل المعدات والذخيره ، أستعدادا للتحرك ، كانت الروح المعنويه مرتفعه جدا ، " ، كنت أرتدى فوق ملابس القتال ستره " جاكت " بها عدد من الجيوب فى داخل هذه الجيوب " تعيين " أكل جاف لمدة ثلاثه أيام ( علما بأننا كنا فى رمضان ، وقد أصدر شيخ الأزهر فتوى بوجوب الفطار على جميع القوات ، لكننا كنا صايميين مسلمين ومسيحيين ، وهنا لابد أن أذكر شهاده للتاريخ بأننى لم أشاهد طول فترة الحرب مسيحى واحد من الضباط أو الجنود ، كان بأكل أويشرب أثناء نهار رمضان ) ، وكنت أحمل معى أيضا زمزميه مياه ، وعدد 2 خزينه بندقيه آلى 7.62 مم .
فى تمام الساعه ٥ مساء..، الموعد الحدد لنا لعبور قناة السويس ، وصلنا الى معبر الدفرسوار ( الذى سبق استطلاعه كما شرحت ) ، كان احد الكبارى مدمرا ، وكان المعبر المقرر عبورنا من عليه مرفوعا من مكانه وموضوع بمحازاة شاطىء القناه ، لتفادى التدمير من قذائف مدفعيه العدو وغارات طائراته التى كانت مستمره فى الإغاره على الكبارى والمعابر لمنع عبور القوات .
خيم علينا الظلام ، واصبح التحرك بطيئا نتيجة احتياطات الامن المفروضه على التحركات الليليه .....، وأيضا حالة صمت اللاسلكى التى فرضت علينا أثناء عملية العبور، لتجنب تنصت العدو على مكالماتنا .
أستمرت أشتباكات المدفعيه مستمره طول الليل ، وعند الفجر وظهور أول ضوء ، كان قد تم الأنتهاء من نصب المعبر ، وصدرت الأوامر لنا بالتحرك والعبور الى سيناء .... كنت فى المركبه الاولى التى سوف تعبر ( وهى عربة قيادة النيران ) ، نسقت مع قادة الفصائل واتفقنا على ترتيب العبور وحددنا على الخرائط اماكن التجمع بعد اتمام عملية العبور وأجتياز الساتر الترابى .
ركبت السياره وادار السائق المحرك ومعى فى السياره طاقم قيادة النيران المكون من عدد 3 جندى ، قرأت الشهادتين ثم الفاتحه وسألت الله ان يكتب لى النصر والنجاه أنا ومن معى .
عند مدخل المعبر ، اوقفنا جندى من سلاح المهندسين المشرفين على اقامة المعبر ، طلب منا التحرك ببطأ ، وعدم الاهتمام بقذائف مدفعية العدو التى تتساقط حولنا مثل المطر ، فى منتصف المعبر اوقفنا مره اخرى جندى اخر من سلاح المهندسين وطلب من السائق تعشيق فتيس الغرز وان يدوس على دواسة البنزين على الاخر وان لا يرفع قدمه من عليها بأى حال من الاحوال حتى يتم الوصول الى قمة الساتر الترابى ، وربت على كتف السائق متمنيا له التوفيق .
نظرت إلى الساتر الترابى عن قرب ، وجدته يكاد يكون بكامل ارتفاعه ولم يكن قد انتقص من قمته سوى بضعة امتار قليله ، مغطى بالمياه من جراء استخدام طلمبات المياه ، لفتح الثغرات فيه ، وضعت عليه عوارض حديديه لسير عجلات المركبات والدبابات .
انطلقت السياره باقصى سرعه وسط زمجرة صوت الموتور ، راودنى الشك فى امكانيه اجتياز هذا الساتر المرتفع ، مر على الوقت مع التوتر الشديد والقلق كأنه دهر من الزمان ، لكن ماهى الا لحظات حتى كنا اعلى قمة الساتر الترابى ، ثم اخذنا فى النزول الى خلف الساتر فى أتجاه سيناء .
لم أصدق نفسى وقد ترامت امام عينى صحراء سيناء ، وها انا اقف على ارض سيناء ، الصحراء مكتظه بالمعدات المدمره ، من اثر المعارك الطاحنه التى قام بها جنودنا البواسل من سلاح المشاه والصاعقه فى الموجات الاولى من العبور ، مع جنود العدو الاسرائيلى الذين قاتلوا بشده متحصنين خلف حصون خط بارليف .
لم يشغل تفكيرى اى شيئ سوى ترقب وصول باقى وحدات قوة السريه الى مكان التجمع المتفق عليه ، حتى يمكننا التجمع والتحرك للحاق والانضمام الى اللواء المدرع الذى سبقنا فى العبور فى نهار امس ، والذى يبعد عنا نحو ٥ كيلو متر فى اتجاه الممرات الجبليه بالقطاع الاوسط.
لا ادرى كم من الوقت قد مر حتى اكتملت وصول السريه بالكامل بنسبه ١٠٠٪ بدون اى خسائر ، رغم القصف الشديد من مدفعية العدو الذى لم ينقطع ، وحمولة السيارات الثقيله من المدافع المقطوره والزخيره ، فتحنا أجهزة اللاسلكى وتحركنا فى اتجاه الممرات حيث كان يتمركز اللواء الأول المدرع ، تمهيدا للاستيلاء على الممرات الواقعه فى المحور الاوسط فى اتجاه منطقة الطاسه .
التركيز على
لكننا كنا صايميين مسلمين ومسيحيين ، وهنا لابد أن أذكر شهاده للتاريخ بأننى لم أشاهد طول فترة الحرب مسيحى واحد من الضباط أو الجنود ، كان بأكل أويشرب أثناء نهار رمضان )