سحر الجعارة
أنا فعلاً أتعجب من أحوال «الباش مواطن»، فمع بداية انتشار فيروس «كوفيد 19 المستجد»، ظل يصرخ: أغلقوا المدارس، وفروا الماسكات والمطهرات، وخلق أزمة مفتعلة باكتناز السلع التموينية والأدوية (التى قيل إنها بروتوكول علاج كورونا).. ومع الفتح التدريجى لاستعادة النشاط الاقتصادى ورغم «التحذيرات المشددة» من الحكومة، رأينا تزاحماً على البلاجات وحفلات راقصة، ثم جاء الفتح الكلى وكأنه إيذان بخلع الماسكات والتكدس فى أماكن مزدحمة.. والشوارع التى كانت شبه خالية من البشر أصبحت شديدة الازدحام!!.
قبل نحو أسبوعين كانت المرة الأولى التى أذهب فيها إلى مطعم، لا يوجد مخلوق تقريباً (بمن فيهم العاملون بالمكان) يرتدى الماسك، ولا توجد أى إجراءات احترازية (كتقديم المشروبات فى أكواب كرتون)، ولا كأن هناك وباءً خطيراً يتربص بالبشر، وإن قلّت معدلات الإصابة وزادت معدلات الشفاء!.
كنت حزينة وأنا أسمع أن مستشفيات العزل التى أغلقتها الحكومة قد أعادت فتحها، وأن مصر لا تزال على اللون «الأحمر» بالنسبة لمختلف دول العالم، التى يرفض بعضها السفر من وإلى مصر.
ومؤخراً، قال الدكتور حسام حسنى، رئيس اللجنة العلمية لمكافحة «كورونا»، إن الإجراءات الاحترازية هى طوق النجاة للمصريين، والمواجهة لن تفيد إلا بالالتزام. وأردف رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورونا أن فيروس كورونا ليس له قدم يسير عليها، لكن ينتقل من مواطن إلى مواطن من خلال الاختلاط وعدم التباعد.
وأكد أهمية غسل اليدين بالماء والصابون، مع ضرورة الحصول على مصل الإنفلونزا العادية، مؤكداً أن «ترامب» لو تم علاجه فى مصر لكان معدل شفائه أسرع.. بالمناسبة المصل متوافر فى معظم الصيدليات.
سوف أنتقل معكم بعيداً جداً، فقد نشر موقع «العربية. نت» فيديو لما اعتبره أكبر استخفاف بخطر «كورونا» المستجد، وهو ما لا أذن سمعت ولا عين رأت مثله بالعالم حتى الآن، وفى نفس اليوم وصل فيه قتلى الفيروس إلى 150 ألفاً فى ثانى دولة بالوفيات الكورونية بعد الولايات المتحدة، وهى البرازيل الثالثة عالمياً بعدد المصابين البالغين 5 ملايين.
وبحسب نفس الموقع فما شهدته مدينة Belém، عاصمة ولاية «بارا»، فى أقصى الشمال البرازيلى، هو رعب حقيقى وإرهاب جماعى، نقل العدوى إلى مئات الأصحاء بالتأكيد.
يوم السبت الماضى، دشنت شبكة متاجر، معروفة باسم Havan، ويملكها مناصر صديق للرئيس البرازيلى «جايير بولسونارو»، فرعاً لها فى «بيلين» التى يعنى اسمها بيت لحم، إلا أن عدد من تجمهروا منذ الصباح الباكر، ثم تدفقوا إلى الداخل كغيوم الجراد عند فتح الأبواب، كان أكثر من 20 ألفاً، وفقاً لما اطلعت عليه «العربية. نت» فى صحيفة O Liberal وغيرها من مواقع الإعلام المحلى بالمدينة، ومعظمهم كانوا بلا كمامات، فيما المسافة بين الواحد والآخر معدومة، وهو ما نجده بفيديوهات كثيرة لمن يبحث عن Inauguraçõe Havan فى يوتيوب.
وكان المشرفون على الأمن وتنظيم التدشين قد سمحوا للمكممين فقط بالدخول، إلا أنهم فقدوا السيطرة فيما بعد على المحتشدين، فاندفع إلى الداخل آلاف منهم فجأة، إلى درجة أصبح المكان علبة سردين عملاقة، واضطر من كان يضع الكمامة إلى خلعها عن وجهه ليتمكن من التنفس، من دون أن يلجأ إلى البديهى فى مثل هذه الحال، وهو الخروج من المتجر على الأقل.
صدى ما يحدث من انفلات، إلى حاكم الولاية وسلطات المدينة التى أرسلت عشرات من دوريات الشرطة، فأخرج أفرادها المحتشدين وأغلقوا أبواب المتجر، ثم فتح المعنيون تحقيقاً للتعرف إلى مدى انتهاك القيود الملزمة فى المتاجر بعدم السماح لغير المكممين بالدخول للتبضع أو إشباع الفضول.
واعتذر Luciano Hang صاحب الشبكة المالكة 150 متجراً فى البرازيل، لكن وسائل إعلام محلية، نشرت السبت نفسه، فى مواقعها، صوراً له وهو يرقص مع آخرين وأخريات عند أحد مداخل المتجر، بل قام بتقبيل إحداهن على مرأى من مصورين تليفزيونيين، غير عابئ بتدفق الحشود إلى الداخل بلا رقيب، وبحسب «العربية. نت» أيضاً فقد وجدت على موقع الراصد النشاط «الكورونى» فى العالم يوماً بيوم، وهو التابع لجامعة Johns Hopkins University الأمريكية، أن كوفيد 19 المستجد أحدث 38 ألف إصابة فى سكان «بيلين» البالغين أقل من مليون و600 ألف، وقتل منهم 2213 منذ ظهر السبت (!!).
لا تتعجب من الأرقام ولا من المشهد، فنحن نكرر نفس المأساة فى مشاهد متتابعة، تابع الأفراح التى أُقيمت مؤخراً على الأقل لتعرف.
لأن حضرة المواطن المحترم لن يستمع لنصائح الدكتور «حسنى»، لن يلتزم بعدم الاختلاط والتباعد الاجتماعى، ولا بالنظافة الشخصية.. نحن نرقص رقصة الموت الأخيرة.. وكأننا فقدنا عقولنا أو فقدنا عشقنا للحياة!.
نقلا عن الوطن