الاثنين ١١ يونيو ٢٠١٢ -
١٩:
١٠ ص +02:00 EET
بقلم: القس أيمن لويس
منذ فترة طويلة ، قبل أحداث 25يناير بقليل ، دعانى الزميل د.ق أكرام لمعى لحضور لقاء فكرى عن الفتوى . وعلى ما أعتقد كان بمقر المركز الدولى للدراسات الاستراتيجية وكان هو أحد المتكلمين فيه ومعه ايضاً د.م سمير مرقس !! وأخرين من مثقفين وشيوخ طبعاً غير مسيحيين ، لكنى قصدت ذكر الاسماء السابقة ، حيث أصابتنى الدهشه وقتها !! . ما علاقة هذان الاثنان بالمشاركة ، والخوض فيما يتعلق بالموضوع المشار الية ؟ وبالشكل الذى يقر بأن الفتوى أمر مسلم به فى المسيحية كما فى الاسلام ؟!! . وكانت مشاركتهم تتعلق بتقديم دراسة عن الفتوى وأهميتها ،وتأثيراتها السلبية والايجابية ،ودورها فى تنمية الوعى وتقنينها ..... الخ . وهى موضوعات جوهرية فى صميم العقيدة المرتبطة بالموضوع ، وكنت أرى أنه كان أجدر بالمركز وهو يدعو قس أستاذ فى اللاهوت ومفكر قبطى يسألهم أولاً : هل هناك ما يسمى بالفتوى فى التكوين العقائدى والثقافى فى المسيحية ؟ وإن كانت الاجابة بنعم ، ما هو مفهومها ؟ وهل هى تمارس على النحو المتبع فى الدين الاسلامى؟ أننا لانرى سؤ نية فى دعوة المركز لمفكرين مسيحييين للمشاركة فى هذا الموضوع بل العكس هو الصحيح ، لكن الملاحظ من الموقف أن ثقافة ألاخر المختلف فى مفاهيمه وثقافته وله خصوصيته الدينية غير واردة فى التفكير المجتمعى للاغلبية ! . المهم منذ ذالك الوقت صرت مشغولاً بالكتابة فى هذا الموضوع ، حتى لايستمر الخلط فى الامور ، وإن كان هبوب الاحداث العاصفة أخرت الكتابة فى الموضوع إلا أنه كان مؤجل وغير ملغى . إن ما يعنينى من كتابة هذا المقال هو تبصير المسيحيين ليفكروا فى هذه الاسئلة . ولغير المسيحيين ليعرفوا شىء عن الفكر المسيحى ، هل هناك فتوى فى نظام الايمان المسيحى ؟ وهل نحتاج أليها ؟ وهل يشغل تفكيرنا أن أيماننا له خصوصيته التى يجب ان نحافظ عليه ؟ وانه يجب علينا ان لا ننساق وراء ثقافة الاغلبية ،وخصوصية عقيدتهم ؟ . وحتى نقدم أجابة لهذة الاسئلة وغيرها ،علينا أولاً :أن نفهم ما هو مفهوم الفتوى فى الاسلام ؟ . يذكر موقع كنوز الاسلام أن الفتوى هى " الاخبار بحكم الله تعالى عن دليل شرعى " وبحسب الموقع أيضاً ، الفتوى فى الاسلام لها منزلة عظيمة فى الدين وهى ككلمة واردة فى القرآن (النساء127،176) ويذكر أنة امر كلف به الله النبى ،وكان يمارسه فى حياته وهو من واجبات رسالتة(النحل44) ، كما نقرأ على موقع المنهج للشيخ عثمان الخميس "المفتى هو شخص نصب نفسه للتوقيع عن الله فى أمور جدلية ،مثل الامر والنهى ،وأطلاق المسميات مثل الحلال والحرام، ومستحب ومكروه ..ألخ "ويتم طلب الفتوى نتيجه لغياب جواب واضح وصريح يتفق عليه جميع الفقهاء.
إن الفتاوى الاسلامية جذبت أنظار العالم بعد ما كانت شأناً دينياً خاصاً ،بعد عدت حوادث مثل فتوى روح الله الخمينى عام 1989م بأهدار دم الروائى البريطانى سلمان رشدى بعد نشر قصته أيات شيطانية ، ثم فتوى بن لادن 1998م بأعلان الحرب على أمريكا ، ومع التطور الهائل فى الميديا كثرت الفتاوى بشكل عجيب حتى كدنا نسمى هذا العصر بعصر الفتوى الاسلامية ، كما يظهر منها ما يتعدى حدود المنطق ، فأحياناً هناك فتاوى مضحكة ،واخرى مثيرة للدهشة ،وثالثة للسخرية ،ورابعة مقززة ،إلا أن فتاوى أهدار الدم ،هى اخطرها على الاطلاق ،وراح ضحيتها كثيرون . ومن العجيب أن نرى فتاوى تخرج علينا مخالفة مخالفات سافرة لحقائق علمية مؤكدة ،مثل ختان الاناث ، وأحياناً أخرى مخالفة للأعراف والمبادىء العامة والمتفق عليها لدرجة أنها تتعدى حدود المنطق بالنسبة لنا نحن غيرالمسلمين ، مثل سن زواج الاناث ،و فتوى بول البعير ،ورضاعة الكبير، والحمل المستكين ( أن يستمر الحمل لمدة أربعة سنوات)،وقتل ميكى ماوس، ومؤخراً مضاجعة الوداع (جواز مضاجعة الزوج لزوجتة بعد موتها حتى ست ساعات من الموت) .. ألخ !!!. والعجيب أنه عند ظهور مثل هذه الفتاوى المستهجنة ،والتى تقابل بكثير من النقد ،يثور جمهور المسلمين على المفتى ،رغم أنه لا يمكن ان تخرج فتوى إلا بوجود سند شرعى ،أى أصل فى النصوص الدينية . فكان الاولى هو الانشغال بالبحث ،هل هى صادرة من اصول الدين ؟ ام هى من مكتسبات الحضارات الانسانية ؟. لكن ما يجب ذكره بكل صراحة قبل الانتقال لجانب اخر هو أن كثير من الفتاوى الاسلامية كان صادماً لنا نحن المسيحيين ،كما نرى فيها ما يختلف كثيراً مع ثقافتنا ،ومبادئنا ،وأحياناً أخلاقنا، كما أن رزاز فتاويكم قد تطاير علينا وكان رزازاً حارقاً راح ضحيتة كثيرين منا فى الكشح ،ونجع حمادى، وكنيسة القديسين ،وماسبيرو .. الخ .
والان نأتى الى الفتوى فى العقيدة المسيحية . هل يوجد ما يسمى بالفتوى على هذا النحو فى الايمان المسيحى سواء فى أساس العقيدة أم فى الثقافة المسيحية العامة ؟ بالرجوع لفهرس الكتاب المقدس ،والبحث عن كلمة فتوى ومشتقاتها ،لم اجد ذكر للكلمة إلا مرة واحدة فى (سفر دانيال 2:3) . وكانت عن نبوخذ نصر وهو طبعا ليس من شعب الرب . وكما عرفنا مما سبق ذكره . وبالبحث فى معنى الكلمة فى اللغة العربية . نجد أن كلمة فتوى تعنى محاولة أستجلاء رأياً يكتنفه الغموض أو التناقض . وإن كان لا يوجد ذكر صريح للكلمة فى الكتاب المقدس ،فهل يوجد لمعنى الكلمة أساس فى النص المسيحى ؟ فإن كانت الاجابة بلا . يبقى السؤال ،هل فى المسيحية أمور كثيرة غامضة أوعثرة الفهم تعتبر فيصلية فى حياة الايمان والمصير الابدى ؟ وهل هناك امور جدلية أو متناقضة بالوحى المقدس مما يجعله حمال أوجه يستعصى على العوام فهمه ؟ مما يجعلنا فى أحتياج دائم للبحث عن من نستفتيه لأستجلاء الحقيقة المصيرية ؟ . فى الحقيقة نرى ، لا يوجد هذا فى الوحى المسيحى ،فرغم كبر حجم الكتاب المقدس إلا أنه بسيط وسهل الفهم للعامة ،كما انه كتب ليصلح أن يترجم ويكون وحى لكل أنسان ،مهما كانت ثقافتة ،أو لغتة ، أنها رسالة الله لكل الشعوب ،والاجناس ،فالله لاينتمى لأمة بعينها ،ولاينحاز لجنس بعينة ،لأنه عادل .
ثم أن الفتوى وجدت لأظهار ما هو حرام ،وما هو حلال ،وما هو مكرهه ،وهذا التفصيل والتقسيم غير موجود فى الايمان المسيحى . فاليس لدينا حلال مطلق ،أو حرام مطلق ،بل يقول الكتاب المقدس كل الاشياء تحل لى لكن ليس كل الاشياء توافق ، كل الاشياء تحل لى لكن ليس كل الاشياء تبنى ، كل الاشياء تحل لى ولكن لايتسلط علىَ شىء(1كو12:6) .أذاً فمبداء التحليل والتحريم فى الاساس غير موجود فى الايمان المسيحى . وهو المبداء الذى وجدت الفتوى لأظهاره .
أمر أخر . كنت كتبت فى المقال السابق (الشريعة فى المسيحية) أن عهد القوانين المكتوبة ،والاحكام التأديبية الدنيوية المعقدة ،قد ولى مع عهد الناموس ، والان نحيا أعلان العهد الجديد أعلان النعمة ، الذى تجاوز مرحلة الالتباس ،فيما هو خطية ،وما هو مقدس ،وما هو من أعمال الجسد ،وما هو عمل البر ثمر الروح القدس . فالشريعة لم تعد قوانين وأحكام مكتوبة على الواح حجرية بل فى قوبنا .
كما يقول الكتاب المقدس "وأما الروحى فيحكم فى كل شىء ،وهو لا يحكم فيه من أحد"(1كو15:2-16) ."فلايحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب ،أو من جهة عيد أو هلال أو سبت " (كو16:2-17) . وفى موضع أخر "وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شىء"،"وأما أنتم فالمسحة التى أخذتموها منه ثابتة فيكم ،ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شىء ، وهى حق وليست كذباً.كما علمتكم تثبتون فيه"(1يو20:2-27) . وعندما خلق الله الانسان قال " نعمل الانسان على صورتنا "(تك26:1) فالانسان على صورة الله من حيث ملكة العقل ،وحرية الارادة ،والقدرة على التمييز بين الخير والشر ،وفهم مشيئة الله ،وأنة مسؤل مسؤلية شخصية كاملة عن أفعاله (تث 11:30-20) وهذا يتعارض مع مبداء الفتوى الذى يتحمل فيها المفتى المسؤلية عوضاً عن ألاخر .
فمن صميم العقيدة المسيحية ،أنها جعلت الانسان مفتى نفسه وضميرة شاهد علية ، لقد اعلن الله كلى المعرفة ،والحكمة ،والعدل ،رسالتة وكلمتة ،ليفهمها كل أنسان ،دون الاحتياج لوسيط أو أن يصطحب من يستفتيه ليحلل له كيفية دخول المرحاض ،وبأى قدم ،وكيفية النظافة بعد قضاء الحاجة ؟! وبأى وسيلة يتم التنظيف ليكون بحسب الشرع ؟! فليس هذا ما يشغل الله القدوس من نحونا ، وبحسب ايماننا ، ليست مثل هذه الامور من أهتمامات تعاليم الملكوت . ولكن قد يقول قائل هناك بعض من جمهور المسيحيين إن لم يكن كثيرين يلجأون للكهنة والقساوسة ليستفتوهم فى كثير من الشؤن الدنيوية حتى لاتكون افعالهم ضد مشيئة الله .ونحن نقول هذا يحدث ، ولكن ليس بالمفهون الاسلامى ، كما يمارس ، ليس بأعتباره مكون من مكونات المنظومة الدينية العقائدية ، بل بأسلوب فردى متأثراً بالثقافة العامة السائدة ،وبسبب ضحاله فى معرفة كلمة الرب ،وعدم رغبة فى تحمل مشقة الدراسة والتنقيب للمعرفة ،أو رغبة غير مقدسة والتحيل لأيجاد شماعة ليعلق عليها أخطاءه غير مدرك أن الله لايشمخ علية . يبارككم الرب يا شعب المسيح ولنبتهج ونفرح ونفتخر بعمل نعمتة فينا ولنا .