الأقباط متحدون - عَوْنُ الكَنَائِسِ المُتألمَةِ
أخر تحديث ٠٥:٣١ | الثلاثاء ١٢ يونيو ٢٠١٢ | ٥ بؤونة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٨٩ السنة السابعة
إغلاق تصغير

عَوْنُ الكَنَائِسِ المُتألمَةِ

بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج
صار المسيحيون في دول العالم الثالث ضحية سهلة للظلاميين وللحكومات معًا؛ لأنهم لا يشكلون خطرًا في ردات فعلهم... الأمر الذي جعل الكثير من الحكومات تتعامل معهم ككباش فداء للفوضى الحادثة في المنطقة... كذلك يُنظر لهم كضحايا للانحطاط القيمي والتخلف والفساد والجهل المجتمعي السائد في هذه البقعة من العالم... وقد ساهم في صنع هذا الواقع أن هؤلاء المواطنين ليست لهم أطماع انقلابية ولا أجندات سياسية؛ إضافة إلى أنهم مسالمون ودعاء بحسب عقيدتهم وتكوينهم؛ ومن ثم فلن يكون من ورائهم أي تخريب أو حرائق أو مؤمرات... فيتم إستباحتهم مرتين؛ مرة بأيادي الظلاميين ومرة أخرى بصمت وضعف وتخاذل الحكومات التي صارت أسيرة كسيرة أمام هذه الموجة الهمجية ذات الطابع الإقليمي؛ والتي تعمل عبر التنظيمات والأموال والعقول الملوثة بفيروس الكراهية ورفض الآخر والاستحلال.
 
عند كل حراك وتغيرات وإنتفاضات يُقحم المسيحيين كي يكونوا مادة ملتبسة؛ بينما هم أصحاب حضور مبكر على هذه الأرض في التاريخ؛ ولهم وجودهم الوطني والاجتماعي والتراثي؛ لكن الترسبات والموروثات المتشددة تتعامل بعقم وجاهلية مع المواطنين المسيحيين بسبب ديانتهم؛ وبسبب رفض وكره الآخر؛ بينما هؤلاء ليسوا كتلة واحدة مُصمتة في توجهاتهم وتطلعاتهم. ومسيرتهم ليست في اتجاه أحادي؛ لأنهم موزعون على أطياف سياسية وفكرية واجتماعية عديدة... حتى وإن اشتركوا في هم أو هموم، لكنهم يجزعون جميعهم من النظرة الطائفية العنصرية لهم؛ وهي على كل الأحوال نظرة ممجوجة ومتخلفة... يُراد بها توظيف إذكاء الانقسام الديني والمتاجرة بالإصطفاف لحساب تيارات دموية فاسدة؛ لها أطماعها السياسية ولها تبعياتها وتمويلها المعروف.
 
ولأن التغيير هو سنة الحياة؛ لذلك على المسيحيين في الشرق أن يدفعوا نفقة حضورهم وأن يتواجدوا ويشاركوا ضمن مكونات الوطن مندمجين بالرغم من أعمال الأفاعي التي تسمم الأجواء ضدهم؛ من أجل تهميشهم وتغريبهم وإقتلاعهم من جذورهم، واعين أنهم أصليون أصلاء في هذا الشرق. وبإيمانهم وصبرهم وثقتهم في الوعود الإلهية لن تقوى عليهم بوابات الجحيم مجتمعة. وقد بات عليهم أن يدفعوا ضريبة باهظة من أجل البقاء والعيش والاستمرار مع فئات عدمية وظلامية لا تؤمن بإحترام الإنسان وخليقة الله ولا تقتنع بحقوق الناس وحريتهم وقناعتهم... فئات لا تنجز إلا التمييز والتناحر والقتال والشجار والتلاسن والافتراءات والتدمير؛ والواقع على الأرض يشهد بتفجيرات الكنائس في نيجيريا وكينيا ومصر والعراق وسوريا؛ ويشهد بعمليات السطو المسلح والنهب الموجه ناحية كل ما هو مسيحي.
 
فبينما العالم يتقدم ويتحضر نجد عالمًا آخر موازيًا يتراجع في ردة حضارية نحو اصطلاحات (الفتوحات / الذمة / الجزية / الحرابة)... متجاهلين أن هذه جميعها لن تحدث ولن تكون؛ لأن العالم الآن قد اكتسحته العولمة وصارت كل هذه القبائح قرينة على أصحابها؛ وأن هناك منظومة عالمية تحدد الحقوق والواجبات؛ ليس فقط للبشر بل ولبقية الكائنات، وأن ما يعزينا ويثبت قلوبنا أن مصيرنا ووجودنا هو أولاً وأخيرًا في يد القدير. فمن ذا الذي قال فكان والرب لم يأمر... وفيما نعمل ونتواجد ونشهد لحضورنا نتأكد أن حياتنا وقيامنا لن يتوقفا على نوازع وطباع وأمزجة الفاتحين الجدد؛ لأن مواطنتنا ليست منحة أو هدية أو تسامحًا من أحد؛ لكنها حق أصيل ومشروع لمن له.
 
ولعل أثارنا المسيحية في المنطقة شاهد على صراع الحياة والبقاء قبالة آلة التدمير والإلغاء... فالأرض كلها قد تخضبت بالدماء العطرة؛ والحجارة تتكلم إذا سكت البشر؛ وتنطق عن القِدم والتجذر والهوية التاريخية وسط دائرة طمس الحضور المسيحي. مهما كانت المغالطة الكاذبة في أعداد المسيحيين؛ ومهما أُغلقت الكنائس وامتنع بناؤها أو تم هدم وحرق المبني منها... فالاعتداءات وهدر قضايا المسيحيين والأحكام الظالمة التعسفية ضدهم وسلب ممتلكاتهم وفتاوى إزهاق أرواحهم وقتلهم بدم بارد على اعتبار أن دماءهم لا تساوي إلا دماء دجاجة؛ عند أصحاب ذهنية الكراهية البغيضة... لن تنتهي المسيحية أمام محاولات فبركة الدساتير أو أحداث الخطف والأسلمة الجبرية أو أمام أعمال الإلهاء والازدراء والتهميش الطويلة والبطيئة المدى... هذه جميعها لن تلغي الملمح المسيحي ولن تُنهي على المسيحية لأن التاريخ يؤكد أن المراوغة والمظالم والدماء هي علامات الانحطاط والجهل التي تُوسم بها الأمم المتخلفة عن ركب الحضارة وقطار الحداثة.
 
إن كانت الأجواء تزداد من حولنا خنقًا وتكثر لنا أعمال الإفتراس وسط صم الآذان وغلق العيون من طرف الحكومات التي أطلقت هذا العفريت الأصولي؛ ولم تعد قادرة على القيام بدورها الوطني المحايد، فلنرجع إلى تاريخنا لنستلهم منه الدروس الكثيرة؛ وكيف أن مسيرة حياتنا محاطة بعناية علوية؛ تلك التي ستكمل عون الكنائس والشعوب المتألمة وسط كل هذا الخضم المسعور ضدهم.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter