بقلم : د.يحيى الوكيل
فى 5 يونيو 1967 تعرضت مصر لهزيمة عسكرية نتج عنها تحطيم جيشها و استقطاع جزء من أرضها إلى حين و لم تسترد سيادتها الكاملة عليه حتى اليوم، و قد تسبب فى هذه الهزيمة المشير، القائد العام للقوات المسلحة، باهماله لواجبه الأهم بل و الوحيد فى الدفاع عن أرض مصر حتى أنه قضى الليلة المفضية إلى يوم الهزيمة فى أحضان الغوانى و قضى كل السنين السابقة و منذ يوم تقلده منصبه فى البحث عن مجده الشخصى، فكان لابد أن تكون نتيجة ما صنع هزيمة مصر و ليس فقط هزيمته.
و فى 24 يونيو 2012 تعرضت مصر لهزيمة سياسية خفض فيها المشير أعلامه أمام جماعة محظورة قانونا و سلم حكم مصر كلها لمجرم هارب من السجن، فقط لبحث المشير عن أمانه الشخصى و انصياعه لمبادئ اتبعها و تشربها منذ فترة خدمته فى باكستان و أفغانستان – دول محور الإرهاب؛ و كالسابق قضى الليلة المفضية إلى يوم الهزيمة فى لقاء مع غوانى السياسة كالبرادعى و الذى لا أشك لحظة أنه أتى ينذره بالويل و الثبور على يد الإخوان لو لم يسلم حكم البلاد لأبوفيس القادم من أواريس العصر الحديث.
كانت الهزيمة فى 1967 على قدر المجال العسكرى و فقط، و الذى إن أثر بالطبع على المجال الإقتصادى تأثيرا و لا شك نعانى منه حتى اليوم إلا أنه لم يسقط الدولة و لم يركع الشعب و لم يقتطع من أرض مصر إلا جزءا و فقط؛ و لذلك كانت نكسة عسكرية تبعها الصمود و التصدى وصولا إلى صد العدوان بالقوة المسلحة و نصر عسكرى كاد أن يكتمل.
لكن الهزيمة فى 2012 نكبة بكل المقاييس، فقد أسلمت طول البلاد و عرضها و شعبها و بالتزوير إلى من لا ولاء له لمصر بل ولاؤه لمرشد جماعة فاشية تعتنق فكرا شموليا يفوق النازية و الشيوعية العالمية خطورة، و ستعمل هذه الجماعة من أصغر فرد فيها إلى رأسها على إسقاط الدولة و تركيع الشعب، كما صور نجيب محفوظ فى رائعته "كفاح طيبة" – قبل أن ينجرف لسرد سير الغوانى و الفتوات – أبوفيس و هو يدخل طيبة بعد هزيمة سيكنن رع أمامه و سقوط مصر بكلها بين يدى الهكسوس، و هو وسط حراسه "الغلاظ ذوو اللحى الطويلة" يخاطب كبير كهنة آمون الذى أتاه ليستمع لشروط أبوفيس، فيقول أبوفيس له: "أن قانون الهكسوس لا يتغير على مدى الأيام و الأجيال، و هو سنة الحرب و القوة إلى الأبد"... و قال أيضا: "العرش و الحكم و الإمارة و الأرض لنا، فقل لقومك: من يعمل فى أرضنا عبدا فله أجره، و من تأبَ عليه نفسه فليول نفسه وجهة يرضاها فى غير هذه الأرض،" و استطرد: "قل لهم إنى أهدر دم بلد كامل إذا امتدت يد بسوء إلى أحد من رجالى"؛ فكأننى أسمع الخطاب الأول لمورسى قبل أن يقوله، و من إرهاصاته السابقة.
فقد أهدر أبوفيس دماء أسرة حاكم طيبة، و ذكر مورسى أن هناك 400 إلى 500 اسم هم من يعدهم أعداء و يعرفهم جيدا و هم بالتأكيد مهدرة دماؤهم – و لا أشك لحظة أن ما ورد من أنباء عن ارسال قوات من الحرس الجمهورى إلى مقر إقامة شفيق إنما هى خطوة لاعتقاله و ما يلى ذلك من خطوات الانتقام، و لن يكون شفيق وحده فى ذلك.
لن يقبل منا الحاكم بأمر المرشد إلا السمع و الطاعة الكاملين، فنحن عنده فى نفس المقام الذى عامل به ابوفيس المصريين المهزومين، و سنشرب – مرة أخرى كما كتب نجيب محفوظ – "الكأس حتى ثمالتها، فحمل الوزراء و القضاة مفاتيحها [طيبة] و ذهبوا بها إلى أبوفيس و سجدوا له"؛ و ما أكثر من سجدوا و رأيناهم كالبرادعى و حمدى قنديل و خيرى رمضان، و ما أكثر من سيتلونهم، و من لن يحنى هامته سجودا لأبوفيس سيطيرها له السياف.
القضاة سجدوا لأبوفيس، برغم أنه زور و ذُكر التزوير علنا فى بيان النتيجة، لكن المراجيح القانونية تم تشغيلها من رجل يبدو انه أدمن التزوير من أيام الحزب الوطنى الديمقراطى فصار يكرره أيام الحزب الوطنى الإخوانى. فالعدل كما أتصوره و أعتقده أن من زور يسقط حتى و لو كان متفوقا فى كل ما عدا ذلك – كما نطبق فى تصحيح أوراق الإجابات، فمن غش و لو جملة يرسب و لو كانت كل إجاباته الأخرى صحيحة و لو كانت كل إجاباته الأخرى تحقق له النجاح.
تغاضى القاضى الساجد لأبوفيس عن الغش و التزوير و تسويد البطاقات لصالحه، بالرغم من أن القضية مثبتة لديه و بالرغم من أن القضية لا تزال رهن التحقيق فى النيابة و التى لا أشك انها ستضعها فى الأدراج السفلية آملة ان تقرضها الفئران – هذا إن لم يشعلوا بها النيران خلال حفل تنصيب أبو فيس و ينتهوا منها بشكل كامل و باتر بأمر المرشد.
تغاضى القاضى الساجد لأبو فيس عن وقائع منع المسيحيين من التصويت فى صعيد مصر و المثبتة صوتا و صورة على النت لكل من أراد التحقق من كلامى، و أتى ببهتان عظيم و أوهام سادرة لا تقنع طفلا و أقر على مسئوليته أن ما حدث لا تأثير له على الانتخابات و نتيجتها؛ و فى كل ذلك أطال و أسهب محاولا تخدير أعصاب من يسمع حتى يفلت بإفكه.
و أكمل الحبكة بعدد أصوات باطلة تقل قليلا عما كان يلزم أحمس شفيق ليفوز على أبوفيس – و هو ما أعادنى لذكريات شبابى و ما كانوا يفعلونه من تجميل لنتائج الانتخابات التى كان يفوز بها الحزب الوطنى الديمقراطى.. فهل أشكره؟
المصيبة أن أول من سيطيح به أبوفيس هو ذلك القاضى لرئاسته للمحكمة الدستورية العليا و التى أصدرت حكمها بعدم دستورية مجلس أم فيس الشهيرة بأم أيمن، و هو فعل من جملة كوارث سيأتينا بها حكم أبوفيس و من أيامه الأولى...
فبعد الضرب بحكم المحكمة الدستورية العليا عرض الحائط و الاعتداء على القضاء، توقعوا..