بقلم/ماجد كامل
القديس مارمرقس الرسول مؤسس الكرازة المرقسية في مصر ؛ فنحن مدينون له بانه أول من كرز بالإيمان في مصر ؛وهو أول من كتب لنا انجيلا يسجل فيه حياة السيد المسيح ومعجزاته . وسوف تتناول في هذا المقال نشأته وحياته .
نشأة مارمرقس :_
القديس مارمرقس الرسول هو يهودي من سبط لاوي ؛نشأ في أسرة متدينة ؛أبوه يدعي أرسطوبولس ابن عم "أو عمة القديس بطرس الرسول " ولد مرقس في مدينة القيروان أحد الخمس مدن الغربية من أسرة ميسورة الحال ؛تعلم اللغات اليونانية واللاتينية والعبرية ؛ فأتقنها جميعا ؛ وتذكر بعض المصادر التاريخية أن القبائل الهمجية المتبربرة هجمت علي أملاك أسرته في القيروان ونهبتها ؛وكان ذلك في عهد أغسطس قيصر ؛فهاجرت الأسرة إلي فلسطين ؛ وتروي بعض كتب التاريخ أنهما كانوا سائرين في الطريق تقابلا مع أسد ؛فقال له والده أهرب يا أبني لتنجو بنفسك ؛وأتركني أنا ليلتهمني الوحش ؛ فقال مرقس لأبيه إن المسيح الذي بيده نسمة كل واحد فينا هو ينجينا ؛ثم صلي قائلا ( أيها السيد المسيح أبن الله اكفف عنا شر هذين الوحشين ) فأستجاب الله لصلاته وأنشق الوحشان
وهناك تقابل الأسرة مع السيد المسيح ؛فصار بيته هو أول كنيسة في العالم ؛ففيه تم العشاء السري ؛وفيه حل الروح القدس علي التلاميذ في يوم الخمسين ؛ويذكر التقليد الكنسي أن الرجل الحامل جرة الماء الذي أشار أليه الانجيل هو مارمرقس الرسول نفسه (مر14 :13-15 ؛لو 22 :10-12 ) . ويعتبر الأسد هو رمز مارمرقس لعدة أسباب :-
1- قصة المعجزة التي حدثت مع الأسدين
2- الآية التي وردت بإنجيله "صوت صارخ في البرية "
3- لأن أنجيله يمثل السيد المسيح في جلاله وملكه علي اعتبار أنه يمثل "الأسد الخارج من سبط يهوذا ( رؤ 5 :5 )
مجيء مارمرقس الرسول إلي أرض مصر :-
عندما وصل مارمرقس الرسول إلي الاسكندرية كانت تعتبر العاصمة الثقافية للعالم كله ؛ففيها مدرسة الاسكندرية بمكتبتها العالمية الشهيرة ؛وفيها الديانة الفرعونية بكل آلهتها إيزيس وأوزيريس وحورس وآمون وإبيس وحتحور تحت زعامة رع كبير الآلهة .
وفيها أيضا العبادة اليونانية تحت زعامة "زيوس "كبير آلهة الأغريق ؛وحدث نوع من التقارب بين العبادتين كانت من نتائجها عبادة الإله الوثني العظيم "سيرابيس " وفيها أيضا العبادة الرومانية تحت زعامة "جوبيتر "كبير آلهة الرومان . وفيها أيضا العبادة اليهودية ؛وتمت فيها الترجمة السبعينية للكتاب المقدس في عهد بطليموس فلادلفيوس . ولقد تعددت الأراء التي تذكر تاريخ مجيء مارمرقس الرسول إلي مدينة الإسكندرية ؛ ولكن الأغلب الأعم أن مامرقس الرسول قد جاء إلي الإسكندرية بين عامي 60 ؛61 م تقريبا . والقصة المعروفة لنا جميعا أنه بينما كان يتجول علي البحر مفكرا ومتأملا من أين يبدأ في هذه المنطقة ؛تمزق حذاءة فذهب إلي إسكافي يدعي "انيانوس " وفيما هو يصلح حذاءه فجاة دخل المخراز في يده فصرخ قائلا "ايس ثيئوس " اي "يا الله الواحد ؛فتفل مارمرقس علي الطين وطلي به يد انيانوس فشفي في الحال ؛ فطلب انيانوس من مارمرقس أن يزوره في المنزل ؛فزاره هو وأسرته وكلمهم عن السيد المسيح حتي آمن أنيانوس هو وأهل بيته أجمعين . وبعدها قام مامرقس بتأسيس مدرسة لاهوتية لمواجهة المدرسة الوثنية ؛وعهد بإدارة المدرسة إلي القديس يسطس الذي صار الأسقف السادس لمدينة الإسكندرية .كما قام بوضع القداس الإلهي ؛ثم سام انيانوس أسقفا حوالي عام 62م تقريبا ؛كما سام معه ثلاثة من الكهنة وسبعة من الشمامسة
تأسيس مدرسة الإسكندرية اللاهوتية :-
عندما حضر مارمرقس الرسول إلي الإسكندرية ؛ كانت الاسكندرية مركزا هاما للثقافة الوثنية ؛ فمن مدرستها الشهيرة تخرج العديد من الفلاسفة والعلماء ؛كما خرجت منها الترجمة السبعينية للكتاب المقدس Septuagint ؛ فكان لزاما علي القديس مرقس الرسول مواجهة هذه المدرسة فأسس مدرسة لا هوتية كان التعليم فيها يقوم علي طريقة السؤال والجواب Catechism وكان يدرس فيها إلي جانب اللاهوت الفلسفة والمنطق والطب والهندسة والموسيقي ؛وأول مدير لهذه المدرسة هو العلامة يسطس "وهو البطريرك السادس "ثم أومانيوس "البطريرك السابع " ثم مركيانوس " البطريرك الثامن " وياروكلاس "البطريرك الثالث عشر " وديونيسيوس "البطريرك الرابع عشر " . ومن أشهر علماء هذه المدرسة العلامة أثيناغورس ؛ والقديس بنتينوس ؛ والقديس كليمندس السكندري ؛ والعلامة أوريجانوس ؛والقديس ديديموس الضرير .
استشهاد القديس مارمرقس :-
حقد الوثنيون كثيرا علي مارمرقس بسبب نجاحه الشديد في جذب النفوس إلي الإيمان المسيحي ؛ وفي ليلة 29 برمودة 68م ؛كان المسيحيون يعيدون بعيد القيامة ؛وتصادف في نفس الليلة كان الاحتفال الوثني بعيد الإله سيرابيس ؛فهجم الوثنيون علي الكنيسة ؛وسحلوه في شوارع الإسكندرية كلها حتي تخضبت الأرض بالدماء الطاهرة التي لمارمرقس ؛ثم سجنوه في سجن مظلم حتي الصباح ؛ فقضي مارمرقس الليلة في السجن وهو مهشم الجسد ؛ولكن روحه كانت متعلقة بالرب ؛فظهر له ملاك الرب ليقويه ولمسه وقال له ( يا مرقس . أيها الخادم الصالح :قد أتت ساعتك ؛وستنال مكافأتك حالا ؛تشجع فقد كتب أسمك في سفر الحياة )وبمجرد أن أختفي الملاك ظهر له السيد المسيح وقال له "يامرقس ؛ياتلميذي ؛يا إنجيلي ؛ليكن السلام لك " وفي صباح الغد 30 برمودة رجع الوثنيون مرة أخري ؛وأخذوه من السجن وربطوا عنقه بحبل غليظ ؛وكرروا ما فعلوه في الليلة السابقة ؛وهو في كل ذلك كان يصلي طالبا لهم المغفرة ؛وأخيرا قطعوا رأسه ونال أكليل الشهادة ونال معه ثلاثة أكاليل هم : اكليل الشهادة ؛ اكليل الرسولية ؛اكليل البتولية . علي أن موته لم يهديء ثائرة الوثنيين وحقدهم ؛ففكروا في حرق الجسد الطاهر فجمعوا حطبا كثيرا ؛وأعدوا نارا لحرقه ؛ولكن في تلك اللحظة هبت عاصفة شديدة مصحوبة بمطر غزير ؛فتفرق الشعب وأنطفأت النيران .فأتي مجموعة من المؤمنين ووحملوا جسد ؛وصلي عليه خليفته القديس انيانوس مع الأكليروس والشعب كله ؛ودفنوه في قبر نحتوه له داخل الكنيسة ؛وفي نفس مكان دفنه استشهد القديس بطرس خاتم الشهداء "البطريرك السابع عشر " في سنة 310 م
رأس القديس مارمرقس الرسول:-
ظل جسد مارمرقس ورأسه معا في تابوت واحد حتي عام 644م ؛وكان هذا التابوت محفوظا في كنيسة بوكاليا (دار البقر) وكانت تطل علي الميناء الشرقي للاسكندرية ؛ ولما حدث الانشقاق المسكوني عام 451م ؛ونفي البابا ديسقوروس من كرسيه ؛ تعرضت الكنيسة لاضطهاد مريع من أصحاب الطبيعتين ؛فأستولي الملكانيون علي كنائسنا ومنها كنيسة بوكاليا ؛ويذكر سنكسار 8 طوبة أن رئيس المراكبية دخل الي الكنيسة ووجد رأس القديس مارمرقس فأخذها وخبأها في مركبه ؛وعندما عزمت المركب علي المسير ؛تقدمت المراكب كلها وخرجت من الميناء ما عدا المركب التي يوجد بها الرأس المقدس ؛فأمر عمرو بن العاص بتفتيش المركب ؛فوجدوا الرأس مخبأ ؛فلما أخرجوه حالا سارت المركب ؛فأستحضر عمرو بن العاص من كان سببا في سرقة الرأس ووبخه توبيخا شديدا ؛ثم سأل عن بابا الأقباط ولما علم أنه هارب من الاضطهاد البيزنطي أمر بعودته فورا وأعطاه الأمان ؛ثم سلمه الرأس المقدسة وأعطاه 10 ألاف دينار لبناء كنيسة عظيمة علي أسم صاحب الرأس . وهكذا أصبح الرأس مع الأقباط والجسد مع الروم .إلي أن جاءت حادثة سرقة الجسد عام 828 أو 829 م تقريبا ان أتصل أحد البنادقة بالكهنة اليونانيين حراس الكنيسة ؛ وعندما طلب حراس المركب تفتيش السفينة غطوها بمجموعة كبيرة من الخنازير ؛ولما كان البحارة يعتبرون الخنزير حيوان نجس ؛تركوا السفينة وبذلك تم تهريب الجسد إلي فينيسيا ؛ وبنوا له كنيسة كبري تعتبر من أفخم كنائس العالم ؛وتباري في بنائها كبار فنانين العالم وزينوها بلوحات فنية رائعة . وفي عام 1968 تمت أتصالات بين البابا كيرلس السادس والبابا بولس السادس لإرجاع جزء من رفات مامرقس ؛وفي البداية رفض بطريرك فينسيا العرض جدا وقال أن جسد مارمرقس هو مجد فينسيا ؛ فتوسط البابا بولس السادس في الأمر وطلب اقتسام الجسد بين الكنيستين ؛فوافق بطريرك فينسيا علي منح جزء من الرفات للكنيسة القبطية ؛ وسافر وفد من الكنيسة القبطية إلي روما لتسلم الرفات يوم السبت الموافق 22 يونية 1968 ؛وتسلموا الرفات من البابا بولس السادس حثم عادوا بالجسد إلي القاهرة يوم الاثنين ؛وفي يوم الاربعاء الموافق 26 يونية تمت إقامة أول قداس في الكاتدرائية المرقسية بالانبا رويس وبعدها تم إيداع الجسد أسفل المذبح ومازال محفوظا هناك حتي الآن .
رحلة كرسي مارمرقس من الإسكنرية إلي العباسية :_
بدأ الكرسي المرقسي من الإسكندرية أولا ؛ومنذ القرن الحادي عشر وفي عهد البابا خريستوذولوس البطريرك 66 (1047- 1077 ) تم نقل الكرسي المرقسي إلي كنيسة المعلقة . ومن المعلقة نقل إلي كنيسة أبو سيفين بمصر القديمة . ومن القرن الرابع عشر وحتي القرن السادس عشر نقل إلي كنيسة العذراء حارة زويلة . ثم نقل بعدها إلي كنيسة العذراء حارة الروم . ومنذ عام 1799 وحتي عام 1971 نقل إلي الكنيسةالمرقسية بكلوت بك ومدفون بها الآباء البطاركة (البابا مرقس الثامن – البابا بطرس السابع "الجاولي" – البابا كيرلس الرابع "أبو الإصلاح " – البابا ديمتريوس الثاني – البابا كيرلس الخامس – البابا يوأنس التاسع عشر – البابا مكاريوس الثالث – البابا يوساب الثاني ) . وفي عهد قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث – أطال الله حياته ومتعه بالصحة والعافية – نقل الكرسي المرقسي إلي أرض الأنبا رويس بالعباسية ومازال بها حتي الآن .
انجيل مرقس :-
أجمع معظم علماء الكتاب المقدس أن أنجيل القديس مرقس هو أقدم الأناجيل ؛ ولقد ذكر ابن كبر انه كتب في سنة 45م ؛ والقديس ايريناوس أسقف ليون يذكر أنه كتب بعد استشهاد بطرس وبولس الرسولين أي بعد سنة 67م ؛كما ذكر القديس يوحنا ذهبي الفم أن الانجيل كتب في مصر ؛ ولقد كتب القديس مرقس انجيله للأمم ؛والأدلة علي ذلك هي :-
أ- ترجمته للكلمات الأرامية التي كان يستخدمها مثل :- بوانرجس "ابني الرعد " " (3 : 17 ) وطليثا "صبية ( 5 :14 ) وأن كلمة "أفثا "معناها "أنفتح " والوي الوي لما شبقتني ومعناها "إلهي إلهي لماذا تركتني " ( 15 :34 ) و"جلجثة "معناها "جمجمة "
ب- شرح عادات اليهود وأماكنهم وطوائفهم :-
أيدي نجسة معناها "غير مغسولة " وعندما تكلم عن الصدوقيون قدمهم للقاريء الروماني بمعني "الذين يقولون ليس قيامة "
ج- قلة اقتباسه من العهد القديم
د- عندما علم أن الرومان أهل عمل لا فكر ؛قدم لهم المسيح في عمله وقوته ؛واهتم بتسجيل أعماله أكثر من أقواله فسجل (سلطانه علي الشياطين – سلطانه علي الأمراض – سلطانه علي الطبيعة .... الخ )
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع