بقلم : يوسف سيدهم
ونحن نقترب من نهاية عام 2020 يتبادل الناس الدعوات بأن يذهب هذا العام ويحمل معه ما أتي به من كوارث وعلي رأسها وباء كورونا الذي باغت العالم كله وأربك جميع الشعوب والحكومات وتسبب في تغيير أنماط الحياة علي مختلف الأصعدة, سياسية كانت أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية… وألقي ظلاله علي الأنشطة الرياضية والفنية, بل وأعاد تشكيل أنماط التعليم والعمل وأملي شروطه علي العلاقات الإنسانية والتجمعات بالتفريق بين الأسر والأحباء والأصدقاء, حتي إنه وضع القيود الصارمة وأعاد صياغة معايير التواصل, ليحل التباعد محل التقارب, كما فرض علي الكثيرين استخدام تكنولوجيا التواصل عن بعد في مجالات الأعمال وتطبيق المعاملات الرقمية والتدابير الاحترازية.
هل أدي كورونا إلي إعادة تعريف الإنسان الذي يصفه علماء الاجتماع بأنه حيوان اجتماعي؟.. هل يحمل لنا المستقبل عزوفا متناميا بين الناس في المجتمع؟.. هذه أسئلة قد تكون مفزعة للكافة, فالغالبية ماتزال تنظر إلي كورونا إلي أنه ضيف ثقيل غير مرغوب فيه وتتمني سرعة رحيله لتعود الحياة إلي طبيعتها ويعود دفء التواصل الإنساني من جديد… لذلك أعود وأقول إن الدعوات المسيطرة علي الناس ونحن نودع هذا العام ونخطو إلي عام جديد تفيض بالتمني أن يمضي هذا العام حاملا معه كورونا بغير رجعة… لكن هل تتحقق تلك الأمنيات؟
الحقيقة التي يجب أن نعيها جميعا والتي تشير إليها سائر تصريحات العلماء والخبراء والمعنيين برصد وتحليل كورونا أنه من غير المتوقع رحيل كورونا بالشكل المأمول في المستقبل المنظور وأنه من المحتم علي الإنسان التعايش معه بشتي السبل التي أوردتها عاليه, علاوة علي التطلع إلي ظهور المستحضرات العلاجية التي تعمل مراكز الأبحاث الدوائية علي الانتهاء منها في أسرع وقت سواء كانت الأمصال الواقية لغير المصابين أو العقاقير الشافية للمصابين.
إذا الهلع الذي يجتاح العالم بسبب كورونا ليس مرهونا برحيله إنما هو مرهون بإتاحة سبل الوقاية والعلاج… وهنا يتأسس معيار التعايش بين الإنسان والوباء ويتلاشي الخوف والارتباك, هذا الوباء الفتاك الذي تشير الأرقام حتي كتابة هذه السطور إلي أن الحصيلة الإجمالية لضحاياه حول العالم بلغت نحو 68 مليون مصاب وأكثر من مليون ونصف المليون حالة وفاة.
ولا داعي للارتباك أمام هذه الحقيقة الصادمة, فيكفي أن نعود مائة عام إلي الوراء لنعيد قراءة ظهور وباء الإنفلونزا في العالم ومقدار الرعب الذي نشره من جراء اجتياحه أرجاء المسكونة وإصابته الملايين وإهلاكه لملايين مثلها, وآنذاك أيضا تم استنفار جميع القدرات العلمية -التي كانت متواضعة جدا مقارنة بما وصل إليه العلم في أيامنا هذه- من أجل رصد الفيروس وتحديد طبيعته واستخلاص العلاج الواقي ضده والشافي منه… وكان من أهم إنجازات الإنسانية في هذا المجال اكتشاف المضادات الحيوية التي كان لها فعل السحر في علاج المصابين بفيروس الإنفلونزا… ومرت الأعوام تلو الأعوام وتعاقبت العقود وراء العقود ولم يختف الإنفلونزا من حياتنا بل بات مرضا عاديا إذا أصاب أحدا سرعان ما يلجأ إلي العقاقير الطبية المألوفة والمتاحة والمنتشرة ليبرأ منه… بل بات من الأمور العادية التي يتابعها الكافة ظهور المصل الواقي من داء الإنفلونزا الذي تنتجه المعامل الدوائية كل عام بناء علي رصد الأنماط المتحورة من الفيروس وطرح ذلك المصل في خريف كل عام -خاصة ما بات معروفا ومنسوبا لمنظمة الصحة العالمية- حتي يتعاطاه كل من يهتم بتحصين نفسه ضد الإصابة.
لست مستمتعا ببقاء كورونا ضيفا ثقيلا علينا, وأتمني مثل الكثيرين أن يرحل بلا رجعة, لكني أتلقي تصريحات سائر علماء وخبراء المؤسسات الصحية التي تستبعد رحيله بكثير من الواقعية, وأراهن علي نجاح الإنسان في التعايش معه في ظل التدابير الاحترازية وباستعمال الأمصال الواقية والعقاقير الشافية… هكذا أتقبل أن يستمر كورونا معنا ردحا من الزمن ولا أفزع بل أقول: لنا في وباء الإنفلونزا أسوة حسنة!!