قرار المحكمة اعتمد على الأضرار الجسدية التي يسببها
أدى قرار أصدرته محكمة في كولونيا الألمانية، بوجوب إبطال الختان القسري لأضراره البدنية، الى اثارة موجة من الجدل شارك فيها وزير الخارجية والمجلس المركزي لليهود في ألمانيا والكنيستان المسيحيتان الرئيستان.
أثار الحكم الذي أصدرته محكمة في كولونيا الألمانية يوم الثلاثاء غضباً عارماً بعد أن حكمت بوجوب إبطال الختان القسري لأنه يسبب أضراراً بدنية خطيرة لأناس لم يوافقوا عليه.
هذا القرار أدى إلى موجة من الجدل شارك فيها وزير الخارجية الألماني والمجلس المركزي لليهود في ألمانيا والكنيستان المسيحيتان الرئيستان في ألمانيا.
وفي حكم يعتبر سابقة اعتبرت المحكمة العليا في كولونيا أن ختان الاولاد كتقليد ديني يلحق أذى جسدياً ويستوجب الادانة.
ورأت المحكمة ان "الختان يؤدي إلى إحداث تغيير دائم في جسم الطفل غير قابل للإصلاح وأن هذا التعديل مخالف لمصلحة الطفل الذي عليه ان يقرر لاحقاً انتماءه الديني".
المحاكمة المثيرة للجدل
القضية التي أدت إلى قرار محكمة كولونيا تمحورت حول صبي في الرابعة من عمره، اصطحبه والداه في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2010 إلى عيادة في المدينة، حيث كان الختان بناء على رغبة صريحة من والديه المسلمين.
بعد ذلك بيومين، هرع الوالد بابنه إلى غرفة الطوارئ في مستشفى جامعة كولونيا بعد معاناته من نزيف غزير. فوجهت النيابة العامة بعد ذلك التهم للطبيب.
في أول قرار لها في هذه القضية، حكمت محكمة كولونيا بأن العلاج الطبي كان سليماً، وقام القاضي بتبرئة الطبيب لأنه لم يرتكب أي خطأ.
وعلى الرغم من أن المحكمة اعتبرت أن العملية الجراحية أدت إلى إصابة بدنية، إلا أنها بررت الأمر بتعبير "رفاه الطفل"، مشيرة إلى أن الوالدين أعطيا موافقتهما لإجراء العملية.
وذكرت المحكمة ان الختان هو بمثابة "الطقوس التقليدية للعمل من أجل توثيق الانتماء ثقافياً ودينياً للمجتمع المسلم"، مشددة على أن هناك مزايا طبية للختان.
لكن النيابة العامة ردت الحكم، ودفعت القضية إلى المحكمة الإقليمية. رفضت المحكمة الاستئناف في نهاية المطاف، وقضت بأن الطبيب كان بريئاً بسبب حالة عدم اليقين القانونية المحيطة بالختان.
مع أن المحكمة رفضت تجريم الطبيب، إلا أن القضاة قرروا إصدار بعض المبادئ والقوانين الواضحة للمستقبل في هذا الصدد، فاعتبروا أن إجراء العملية، أو الإصابة الجسدية، لا تبررها موافقة الأب أو الأم، وأن الختان لا يمثل رفاهية للطفل.
وقضت المحكمة بأن حق الطفل في السلامة البدنية هو أكثر أهمية من حقوق الوالدين الأساسية، معتبرة أنه من الأفضل أن ينتظروا بلوغ الطفل ليقرر بنفسه إذا كان يريد الختان أم لا.
وقضى الحكم بأن حق الطفل في تقرير المصير ينبغي أن يأتي أولاً، وقبل حق الوالدين في إجراء الختان، وأن الختان القسري يجب إبطاله لأنه يسبب أضراراً بدنية خطيرة لأناس لم يوافقوا عليه. وجاء في حكم المحكمة "الحق الأساسي للطفل في سلامة جسمه يفوق الحقوق الأساسية للوالدين."
ردود الفعل السياسية والدينية
وانضم وزير خارجية ألمانيا إلى موجة من الانتقادات التي لقيها حكم محكمة بحظر ختان الصبية الصغار لأسباب دينية، معتبراً أنه يجب السماح بمثل هذه التقاليد في مجتمع يسوده التسامح.
وقال غيدو فيسترفيله لصحيفة "بيلد" اليومية في مقابلة نشرت اليوم الجمعة "ألمانيا بلد منفتح ومتسامح، الحرية الدينية فيه راسخة الجذور، والتقاليد الدينية كالختان تعد تعبيراً عن التعددية الدينية."
وأضاف أن الحكم أثار "مشاعر غضب" في شتى أنحاء العالم بعد أن تناقلته وسائل الإعلام العالمية.
رفض إسلامي لقرار المحكمة
اعتبر مجلس التنسيق لمسلمي ألمانيا أن "حكم كولونيا تعدٍّ خطير على الحرية الدينية". وقال علي كزلكايا المتحدث باسم المجلس إن الحكم لا يأخذ إطلاقاً في الاعتبار التقاليد الدينية المتبعة عالمياً منذ آلاف السنين لدى الفتيان المسلمين واليهود".
يشار إلى أن المجلس هو إحدى المنظمات التي تمثل الجالية المسلمة البالغ عددها أربعة ملايين شخص في المانيا. واعتبر المجلس ان ألمانيا "تجرم" التقاليد الاسلامية واليهودية المطبقة منذ الاف السنين
وأدى هذا القرار إلى ردود فعل إسلامية تركية، من ضمنها وزير الشؤون الأوروبية التركي اجمين باجيس، الذي انتقد الحكم الألماني قائلاً إن الختان مسألة تتصل بحرية الدين والرأي.
ونقلت الصحف التركية عن باجيس قوله "إذا كان القضاة الألمان يجدون صعوبة في فهم هذه المسألة فإنه يمكننا أن نرسل خبراءنا في مجال الختان وان نعطيهم دروساً في كيفية الختان."
وقال باجيس "نحن مستعدون لتقديم أي مساهمة لبلد صديق وحليف. لكن لا يمكن أن نقبل هذا الحكم بوصفه أمرا واقعاً ... وإن شاء الله سيتم تعديل هذا الحكم."
رفض مسيحي ويهودي للقرار "الخطير"
وصف المجلس المركزي لليهود في المانيا الحكم بأنه "تدخل خطير غير مسبوق" في الحرية الدينية ووصفه المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا بأنه "تدخل سافر وغير مقبول" في حقوق الوالدين.
وانتقدت الكنيستان المسيحيتان الرئيستان في المانيا حكم محكمة كولونيا أيضاً ووصف المؤتمر المسكوني الكاثوليكي بأنه "يبعث على بالغ القلق." وقال الأسقف الكاثوليكي هاينريتش موسينغوف "حظر الختان تعدٍ خطير على الحرية الدينية."
وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة للحريات الدينية هاينر بيليفيلت للإذاعة الألمانية ان تبرير حكم المحكمة "هراء."
من جهته، طالب هانس اولريك انكه رئيس الكنيسة البروتستانتية في المانيا بتصحيح الحكم حيث اعتبر انه "لا يأخذ في الاعتبار المغزى الديني للختان ويجرد الأهل من حقوقهم على مستوى الشؤون الدينية تماماً".