حول مخاوف بعض النساء من فرض الحجاب، قال الرئيس المنتخب: «إن المرأة غير مجبرة أصلا على العقيدة.. فكيف يتم إجبارها علي ارتداء زي معين؟». لقد قرأت هذه الفقرة في صحيفة «الأهرام» يوم الجمعة الموافق 29 يونيو (حزيران). إنها فقرة قصيرة، لكنها تبدو لي بمثابة استراتيجية ثقافية واجتماعية ذكية في مصر الجديدة. وتمثل الحرية في اختيار القناعات والحجاب حجر الزاوية في المجتمع المستقر، فكما نعرف جميعا، بعض السيدات في أفغانستان قتلن وعذبن بسبب الحجاب، وفي إيران يتم جلد بعض السيدات بسبب اعتبار ما يرتدينه من حجاب غير كامل ويوصف ذلك الحجاب بأنه «حجاب سيئ». روت لي أمي ذات مرة قصة حزينة جدا عن أسرة ودودة نشيطة تسكن جوارنا. كان حسن هو رب الأسرة ويمتلك متجر أحذية، وكانت الابتسامة لا تفارق وجهه وكان مفعما بالطاقة وحب الحياة. تم جلد ابنته في يوم من الأيام بسبب حجابها. بعد هذا الحدث الجلل، لم يعد أحد يرى الابتسامة على وجهه. وبعد عامين رحل عن الحي واستقر في مدينة أخرى. أخبرتني أمي أن ابنته مريم كانت منزعجة ومحبطة للغاية ولم تغادر المنزل لمدة ثلاث سنوات. لقد كانت في السادسة عشرة من عمرها عندما تم جلدها. يمكن القول بإيجاز إذن إن أسرة بأكملها دمرت لأن حجاب مريم لم يكن كاملا.
في مصر هناك تاريخ طويلة من الصراع ضد الحجاب، ولا أريد أن أدعم هذا التوجه، لكن أريد أن أقول إن كل شيء جاوز حده انعكس إلى ضده!
«في عام 1924 تأسس الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى شعراوي، التي شجعت المصريات على خلع الحجاب، وقد مهد هذا الطريق لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي عام 1944 في القاهرة، وحضره عدد من النساء العربيات. وظهر العديد من الشخصيات النسائية اللاتي دافعن عن حق المرأة في الحياة بدون حجاب، وأخذن يروجن لتحرير المرأة من كل قيودها وعلى رأسها الحجاب، ومنهن سهير القلماوي ودرية شفيق وأمينة السعيد».
ونشر قاسم أمين عام 1899 كتابا بعنوان «تحرير المرأة». وكان مذهلا أن يدعم محمد عبده وسعد زغلول وأحمد لطفي قاسم أمين، ويتقبلوا رأيه القائل:
«إن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام». وقال إن الدعوة إلى إزالته ليست خروجا على الدين.
ترتدي نحو 90 في المائة من السيدات في مصر الحجاب بحسب تقرير نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» منذ ثلاثة أعوام. وأصدر المرحوم محمد طنطاوي، العالم الإسلامي البارز وشيخ الأزهر، فتوى في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009 بأن النقاب ليس فريضة إسلامية. لقد طلب من طالبة أن تخلع النقاب خلال زيارته لإحدى المدارس وأخبرها أن النقاب عادة وليس عبادة.
الحجاب أو الشادور في إيران منتشر بين السيدات المتدينات، لكن ارتداءه ليسا فرضا طبقا لتعاليم الدين الإسلامي ولا من عادات المجتمع، إنه يعود إلى الأزمنة القديمة في إيران. في تلك الأزمنة، لم يكن للسيدات أي دور في المجتمع، لذا لا نجد في برسبوليس (تخت جشميد) أي صورة لامرأة.
«لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [البقرة: ]
بحسب تفسير الزمخشري في كتابه «الكشاف»، لا إكراه في الدين أي لم يجر الله أمر الإيمان على الإجبار والقسر، ولكن على التمكين والاختيار.
«وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» [يونس: 99]. أي لو شاء لقسرهم على الإيمان ولكنه لم يفعل، وبنى الأمر على الاختيار.
من وجهة النظر الصوفية، يقول ابن عربي:
«لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» لأن الدين في الحقيقة هو الهدى المستفاد من النور القلبي، اللازم للفطرة الإنسانية، المستلزم للإيمان اليقيني. وكما نعلم هذه الآية مكية لا مدنية.
ذكر بابا الفاتيكان هذه الآية في خطابه الشهير في ألمانيا في 12 سبتمبر (أيلول) عام 2006 على أنها آية مكية وأساء الحكم على رسولنا محمد. لا بد أن إمبراطور روما الشرقية كان يعلم أن الآية رقم 256 من سورة البقرة تقول «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ». بحسب بعض الخبراء، تمثل هذه واحدة من السور التي نزلت في مرحلة مبكرة كان محمد فيها لا يزال مستضعفا ويواجه مخاطر وتهديدات. على العكس من ذلك، كان رسولنا الكريم في موقف قوة ولم يكن هناك أي تهديد للدين والنظام. يعني هذا أن الإسلام ليس قائما على الإجبار والإكراه.
حسب ما أعتقد أنه لا يوجد أي دليل قاطع على أن الحجاب فرض. السيدات في إيران مجبرات على الحجاب منذ ثلاثين عاما، والنتيجة مريعة، حيث تقل رغبتهن عاما بعد عام في الالتزام بالحجاب. لقد أفسد النظام الإيراني على الناس إيمانهم بمرور الوقت.
يقول حافظ الشيرازي: «من جرب المجرب حلت به الندامة!». لذا إذا كان حديث محمد مرسي عن الحجاب والقناعات يمثل استراتيجية طويلة الأجل لا خطة مرحلية فقط، يمكن القول إننا سنرى مصر جديدة تكون نموذجا للديمقراطية والتسامح وحرية التعبير بين الدول الإسلامية. وأعتقد أن الجنة كبيرة وشاسعة، فكما جاء وصفها في القرآن، فإن عرضها السماوات والأرض، فإذا كان السلفيون يعتقدون أن الجنة لهم هم فقط، معنى هذا أنها ستكون خاوية تقريبا. إن الله جل جلاله يسامح عبيده، فهو يغفر الذنوب جميعا. وكما يقول محمد مرسي، للسيدات الحرية في اختيار قناعاتهن وفي ارتداء الحجاب أو عدمه.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع