الأقباط متحدون - الإنتصار على القلق
أخر تحديث ٠٧:٥٤ | الثلاثاء ٣ يوليو ٢٠١٢ | ٢٦ بؤونة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨١٠ السنة السابعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الإنتصار على القلق


بقلم : للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
مفهوم القلق وأسبابه
+ يا أحبائي ان معظم مخاوفنا وقلقلنا الذى يتعرض له الكثيرين فى مجتمعاتنا المعاصرة الكثير منها أوهام لا أساس لها من الواقع او قد تكون وقائع ومشكلات حقيقية يتم تضخيمها. فعلينا مجابهة القلق بالثقة فى الله ضابط الكل ووعوده الصادقة والثقة فى النفس وقدرتها على تخطى الصعاب والتغلب عليها.
 تحكى احدى القصص ان الوباء أقبل الى مدخل احدى المدن الكبرى وهناك تقابل معه ملاك الموت فسأله : كم نفس ستحصد فى هذه المدينة؟ أجابه الوباء : مائه نفس! ودخل الوباء وانتشرت الشائعات والمخاوف والهلع داخل المدينة. وعندما رجع الوباء خارجا من المدينة قابله ملاك الموت. قائلا لقد خدعتني وقلت انك ستقبض على روح مائة شخص وها هي الحصيلة الفين! قال له الوباء حقيقي انا تسببت فى موت مائة شخص اما البقية فقد ماتت بسبب امراض سببها الخوف والقلق والهلع .

+ القلق هو الشعور بالخوف المستمر وعدم الراحة وفقدان السلام الداخلي وتكاثر الهموم والاحزان لدى الانسان مما يهدد سلامنا النفسي والروحي ويتسبب فى الكثير من الامراض ويزداد القلق ويترعرع فى الدول والمجتمعات الى تعانى بالأكثر من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني كما ان البعد عن الايمان الواثق فى الله يفاقم القلق مع العلم ان مختلف الظروف هي امور نسبيه لن تمنحنا السعادة او الراحة او تسلبنا اياها بل كيفية استجابتنا وتعاطينا مع الظروف هو الذى يحدد وجهتنا ويهبنا السلام او القلق. فقد تواجه نفس المشكلة شخصان ويختلف رد الفعل لديهما احدهما يراها فرصة مناسبة لتحقيق الذات والتغلب عليها والانتصار والاخر ينهار ويبكى او يهرب ويقلق ويفقد الرجاء.

+ يجب مواجهة القلق والمخاوف، وان كان هناك قلق طبيعي، فعندما نواجه تحديات كامتحان او فقدان صديق او موت احد الاقارب او الدخول فى مشروع جديد قد نوليه الاهتمام ونفكر فى المشكلة وما هي الحلول الممكنة لمواجهتها ونختار أفضل الحلول فهذا الاهتمام طبيعي يجعلنا نعيد ترتيب اولوياتنا ونعمل على مجابهة المتغيرات الطارئة فهذا القلق العادى، اما ان يتحول الاهتمام الى هم وقلق يشل التفكير ويفقد السلام وقلة المنام والفشل او الخصام والصداع والتهاب القولون العصبي والانطواء وغير ذلك من الاشكال المرضية فان القلق يكون قد تحول الى مرض يجب علاجه لذلك يوصينا الكتاب بعدم المبالغة فى الاهتمام بما يتجاوز اعمالنا { وما جاوز اعمالك فلا تكثر الاهتمام به }(سير3 : 24). ولهذا علينا ان نكون هاديين فى مختلف الظروف ويكون لدينا الحكمة والعقل لمواجهتها { بالرجوع والسكون تخلصون بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم فلم تشاءوا }(اش 30 : 15).

+ الله يهتم بسلامنا كخالق لجبلتنا وكثيرا ما يطلب منا الثقة فيه فى مختلف ظروف الحياة {سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب} (يو 14 : 27). بل ان الجبال قد تزول والاكام تتزعزع ولكن سلام الله فى مختلف الظروف باقي لمؤمنيه { فان الجبال تزول والاكام تتزعزع اما احساني فلا يزول عنك وعهد سلامي لا يتزعزع قال راحمك  الرب } (اش 54 : 10). الإيمان السليم بالله يجعلنا نثق فى الله وصفاته ورعايته للمؤمنين حتى فى اجتياز وادى ظل الموت ومواجهة الاخطار وتقلبات الحياة المختلفة كما عبر عن ذلك داود النبي عن ثباته وفرحه فى الرب { ثابت قلبي يا الله ثابت قلبي اغني وارنم }(مز 57 : 7).

+ جيد ان نعرف ما هي اسباب قلقنا ومخاوفنا ونعالجها ولا نجعلها تتفاقم . فقد تكون الاسرة والتربية الخاطئة من اسباب القلق كما ان الاطفال الذين ينشأوا فى اسر مفككه ومجتمعات الجريمة وفقدان الامان النفسي والاجتماعي يعانوا من القلق اعلى بكثير من غيرهم والبعض يتعرض للقلق نتيجة للفشل المالي او العاطفي او الاسرى او من الازمات الكيانية التي تصاحب مراحل العمر المختلفة . وقد يكون هناك قلق وعدم سلام ناتج عن الوقوع فى الخطية والشعور المستمر بالذنب وقد تقصر فترات القلق او تتدرج وتطول وتتفاقم مالم يتم معالجتها.
+ ولما كان القلق المرضى له آثار مدمرة صحيا لتسببه فى الكثير من الامراض الجسدية ومنها الاحساس بالاختناق وعدم انتظام ضربات القلب وفقدان الشهية ونقص الوزن او النهب وزيادة الوزن لدى البعض او الصداع وفقدان الاتزان او الامراض النفسية والانطواء او السلوك العدواني او دوام الشكوى والانتقاد وعدم الرضى والتذمر وقد يصل الى  فقدان الحياة لكل قيمة واليأس ومحاولات الانتحار كما ان للقلق آثار روحية ضارة وان كان يجب الرجوع الى الله فان البعض يتخذ القلق وسيلة للبعد عن الله والتمرد عليه والالحاد أو يلوم الله وكأنه السبب فى الصراعات والمشاكل مما يؤدى الى مزيد من القلق. وبالرغم من ان الحياة مع الله لا تلغى المشكلات الحياتية التي نعتبرها صليب نحتمله بشكر ان لم يكن هناك مجال للتخلص منها لكن بالرغم من كل المعوقات فان المسيحي يحيا فرحا بالله الذى يقوده فى موكب نصرته وكما عبر عن ذلك القديس بولس الرسول {من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا}(رو 37:8-37).
 
 انتصر على القلق وأستمتع بالحياة..
+ التوبة والرجوع الى الله .. الله هو مصدر سلامنا وكلما عشنا حياة الإيمان السليم نحيا فى سلام. لقد صدق القديس اغسطينوس عندما قال (اننا خلقنا الله على صورته ولن تجد نفوسنا راحة الا فيه) قد تفقد الخطية الانسان سلامه ويعيش نهبا للقلق وهذا ما حدث مع شعب الله قديما { لان اباءنا خانوا وعملوا الشر في عيني الرب الهنا وتركوه وحولوا وجوههم عن مسكن الرب واعطوا قفا.. فكان غضب الرب على يهوذا واورشليم واسلمهم للقلق والدهش والصفير كما انتم راؤون باعينكم }(2اخ  29 :6، 8). ان التوبة الصادقة والرجوع الى الله بقلب صالح وفكر مستقيم والاقلاع عن الخطية وعدم العودة اليها تغفر الخطايا وتهب الانسان حياة مرضية وسلام يفوق كل عقل . قد نظن اننا لن نستطيع التحرر من ربط الشر وهذا صحيح لو اننا نجاهد لوحدنا ضد الشيطان وقوى الشر, اما متى احتمينا فى الله وحل المسيح بالايمان فى قلوبنا فاننا نثق انه هو الذى  سينتصر فينا وبنا كما وعد { فنظر اليهم يسوع وقال عند الناس غير مستطاع ولكن ليس عند الله لان كل شيء مستطاع عند الله }(مر 10 :  2) . مع بولس الرسول نقول { استطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني }(في 4 : 13). نعمل اذا مع الله ونثق فى قيادته الحكيمة ونستجيب لعمل الروح القدس فينا وهو الذى قبل توبة داود النبي وغير متى وزكا العشار والمرأة السامرية واغسطينوس وبلاجيا يستطيع ان يحررنا ويغيرنا ويقودنا فى موكب نصرته. علينا ان نصلى ونضع امور حياتنا فى يدى الله ونطلب ارشاده لنا ونصغى لصوته ونطرح مخاوفنا لدية واثقين فى عمل نعمته معنا.
+ ثقوا ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله ولا تقلقوا لشئ واثقين فى ان التجارب والضيقات هي لخيرنا اخيرا فالبحر الهادئ لا يصنع ربان ماهر، فخطة الله الحكيمة تعمل كالفنان العظيم الى يمزج الالوان معا لعمل اللوحة الجميلة وكل امور حياتنا تحت سيطرته سواء كانت بارادته او بسماح منه. علينا ان لا نقلق بل نصلى ونعمل من اجل تتميم ارادة الله فى حياتنا { لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله }(في 4 : 6). ولا تقلقوا من اجل الغد وما فيه يكفي ان نواجه امور يومنا بالايمان والتعقل { فلا تهتموا للغد لان الغد يهتم بما لنفسه يكفي اليوم شره} (مت 6 : 34). ولا تقلقوا من اجل أمور الحياة وانتم لكم آب سماوي يعتنى بكم {لذلك اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون ولا لاجسادكم بما تلبسون اليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس} (مت  6 :  25) بل اطلبوا ملكوت الله وبره وكل هذه تعطى لكم وتزداد. ولا تقلقوا من ظلم او اضطهاد فان الله هو رب كل العباد ويدعونا للفرح بالاجر السماوي الذى يناله الانبياء والصديقين لكل من يضطهدون من اجل اسمه القدوس والله لا يسمح بتجربة فوق طاقتنا او احتمالنا {فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا بل مهما اعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لان لستم انتم المتكلمين بل الروح القدس }(مر 13 : 11).

+ القبول والغفران .. ان الله يقبلنا كما نحن بامكانياتنا وضعفاتنا وحتى بخطايانا  ومجئ السيد المسيح الى العالم لم يكن من اجل الابرار بل من اجل الخطاه { فاذهبوا وتعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة }(مت 9 : 13).{صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول ان المسيح يسوع جاء الى العالم ليخلص الخطاة الذين اولهم انا }(1تي 1 : 15). ان الله يقبل الخطاة ويحررهم ويغفر خطاياهم ويقبلهم ويسعى لسلامهم وجاء لتكون لنا حياة أفضل وهو يريد ان يريحنا من ثقل الشعور بالذنب ولكي نحيا مقبولين ومحبوبين منه وله ولهذا يجب ان نقبل انفسنا بما فيها ونقبل الآخرين كما هم بظروفهم {لذلك اقبلوا بعضكم بعضا كما ان المسيح ايضا قبلنا لمجد الله }(رو 15 : 7). نقبل الغير بدون تذمر أو نقد هدام يفسد العلاقات ونقيم جسور التفاهم والمحبة والعلاقات الجيدة مع الجميع حتى المختلفين عنا فى الجنس والدين والراي والعرق وعلى قدر طاقتنا نسالم جميع الناس.

+ الايجابية المسيحية .. المؤمن الحقيقي هو انسان مبادر وخلاق وايجابي. راينا كيف تصرف الاربعة رجال حاملي المفلوج ليقدموه للسيد المسيح وعندما لم يستطيعوا الدخول من الباب صعدوا الى السقف ونقبوه وانزلوه المفلوج امامه {فلما راى يسوع ايمانهم قال للمفلوج يا بني مغفورة لك خطاياك} (مر 2 : 5). علينا اذا ان نكون مبادرين ولا نجعل الاحداث تحركنا كقشة فى مهب الريح، بل نبادر الى صنع الاحداث والتكيف مع ما لا نستطيع تغييره. يجب ان نعرف الوزنات المعطاة لنا من الله ونستثمرها فى العمل الخلاق. كثيرين متى اعطاهم القدر شئ صعب او مر يتعثرون ولكن البعض متى اعطاه القدر ليمونة حامضة يصنع منها عصيرا طيب المذاق. يحكى عن احد الاشخاص فى صحارى امريكا اشترى ارض صحراوية لاستصلاحها ولكن اكتشف ان الثعابين السامة تنتشر فيها بصورة بشعة ولا تصلح لشئ، فما كان من زوجته الا انها شجعته ان يقيم عليها مزرعة للثعابين السامة ونجحت الفكرة واصبحوا اثرياء من ورائها وحتى سمومها كانت تباع كمصل واقي .

+ معالجة الصراع النفسي .. يقلق الانسان من تعارض الرغبات وتصارع الدوافع بين المنع والاقبال او بين رغبات لا يمكن الجمع بينها كالهجرة والبقاء فى المجتمع العائلي وهنا يجب دراسة الامور واختيار الافضل والانسب لنا وقد يعانى البعض الانقسام او الصراع النفسي متى قوبل بالرفض الاجتماعي او الرغبات غير المشبعة وعدم الامان العاطفي او الاقتصادي والحاجة الى الحب والتقدير وكل الدوافع غير المشبعة لكن يجب ان نعى انه لا يوجد انسان يستطيع ان يمتلك ويحقق كل شئ ولهذا فان القناعة والرضا كنز لا يفنى {واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة} (1تي 6 : 6). وحتى لو ملك الانسان العالم وخسر نفسه فلا نفع له { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه }(مت 16 : 26). فيجب ان نكون صادقين مع انفسنا ونقبل انفسنا كاناس مخلوقين لاعمال صالحه { لاننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها }(اف 2 : 10). وفى مواجه متغيرات الحياة علينا بالايمان والرجاء فى الله والصلاة اليه وفى مواجهة الخطية علينا بالتوبة والرجوع الى الله بالتوبة والاعتراف واستشارة اب الاعتراف الامين او الاستشاريين النفسيين الامناء والمرشدين الروحيين. لا تقولوا ان امامنا هموم كبيرة ولكن لنقل للهموم ان معنا رب عظيم قدير، هو لدفة سفينة حياتنا يحرك ويدير وهو سيصل بالسفينة ومن فيها معنا الى بر الامان والايمان والمحبة والرجاء.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع