سألني شاب متحمس بينما كنت مشغولا بتناول سمكة مشوية شيًّا جيدا فوق وسادة من البطاطس في الفرن: «هوه احنا ليه يا أستاذ ما بنعرفش نتفق على حاجة أبدا»؟؟
أفسد هذا الشاب اللطيف حلاوة السمكة البحر متوسطية ومشروعي الخاص بالاستمتاع بقطع البطاطس المغمورة بطعم شواء السمكة، وقلت في سري محدثا نفسي: «يا مفرق الجماعات ويا هادم اللذات»، ثم ابتسمت ابتسامة منافقة للغاية وسألته: «وانت يا حبيبي عاوز الإجابة دي دلوقتي؟».
أجاب الشاب في حماس: «أيوه أرجوك الموضوع ده موش عارف له إجابة!».
استعذت من الشيطان وتوقفت عن متعتي الوحيدة في الحياة وكانت تلك الإجابة التي احتوت على العناصر التالية:
1- الاتفاق هو تحصيل حاصل حوار بين طرفين أو أكثر، والأزمة التي يواجهها العقل العربي أنه لا يعرف معنى الحوار الإيجابي والموضوعي، لكنه يعرف - فقط - الصراخ وتبادل الاتهامات ومحاولات اغتيال الشخصية للطرف الآخر الذي نخالفه الرأي.
2- نحن لا نحاول الاستفادة من الرأي الآخر ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الفوز أو الاستفادة من وجهة نظر ثالثة بدلا من رأيي ورأيك فحسب.
أسلوب الجدل العربي يعتمد على معادلة فاشلة: «إما صواب رأيي أو فشل رأيك» ولا يوجد مجال مطلقا للوصول إلى اجتهاد ثالث جديد يعتمد على التزاوج ما بين الفكرتين.
3- حتى في حالة الاتفاق فنحن نعاني من حالة عدم الجدية في الالتزام بالمبادئ التي ننادي بها، فأنا ديمقراطي طالما أن الرأي لا يعارضني، وأنا مؤمن بنزاهة وضرورة الاحتكام للصندوق الانتخابي طالما أنا الفائز!
وأنا أؤمن بتداول السلطة طالما أن السلطة المطلوب تداولها هي سلطة الغير، وليست سلطتي أنا!
نحن لا نتفق ولا نعرف كيف نتفق لأننا أساسا لا نعرف كيف نختلف!
إذا خالفتني فأنت عدوي، وإذا عارضتني فأنت غير قابل للتعايش معي.
أريدكم أن تعددوا بالذاكرة وتتذكروا اتفاقا واحدا خلال النصف قرن الماضي، تم احترامه حرفيا بين فرقاء عرب؟
جائزة كبرى لمن يكتشف اتفاقا واحدا!
المهم أن السمكة المشوية بددت وضاع مذاقها!
نقلا عن الشرق الاوسط