جيهان أمين علي
الكلاب الضالة - وحدها- هي من رحبت بسليم الأول عند دخوله القاهرة، فالسلطان الدموي ألقى لها بجثث 10 آلاف مصري قتلهم جنوده وتركوا جثامينهم في الشوارع بعد أن نهبوا بيوتهم وأحرقوا مساجدهم ونشروا الرعب في البلد الآمن على مدار 4 أيام فقط من وصوله إلى المدينة التي صبغها باللون الأحمر ليسير السلطان العثماني على ظهر حصانه الذي ركل بحوافره في طريقه الرؤوس المقطوعة و الأعضاء الآدمية المبتورة.

بهذه البداية المتوحشة في العام 1517 دشن سليم الأول غزو العثمانيين لمصر والذي استمر قرابة الـ400 عام ذاق فيها أهل البلاد على يديه وأيدي الولاة من بعده العبودية والظلم والاستبداد.

سلاح الخيانة
بالخيانة سلك الجيش العثماني طريقه نحو القاهرة، بعد أن باع: "خاير بك" نائب حلب و"جان بردي الغزالي" نائب حماة، رفاقهما المماليك للسلطان مقابل حفنات من الذهب في العام 1516 في معركة مرج دابق شمال الشام، ليحقق سليم الأول انتصار المخادعين وتصبح بلاد الشام مفتوحة أمام مقاتليه الهمج.
لم يحتمل السلطان المملوكي قانصوه الغوري الخيانة فسقط من على جواده في المعركة بعد أن أصيب بسكتة قلبية وهو يشاهد جنود الإنكشارية يمثلون بجثث أبطاله الذين تلقوا الطعنات في ظهورهم فلقوا حتفهم على الفور قبل أن يثبتوا بسالتهم في وجه الغزاة.

مذبحة غزة
لم يفوت سليم الأول الفرصة بعد أن احتل حلب، أدار سيفه في المماليك والعامة من الناس ليخلف وراءه آلاف القتلى قبل أن ينطلق إلى الشام ويجد نفسه على أبواب غزة بداية الحدود المصرية الإدارية في ذلك الوقت.

في غزة أمر "سنان باشا" أحد قواد سليم بجمع الأهالي من الشيوخ والنساء والأطفال والشباب، وأمر جنوده بقطع رقبة 1000 شخص منهم ليقذف في قلوبهم الرعب، واقتاد البقية منهم أهل المدينة إلى أسواق النخاسة ليباعوا في الأسواق كعبيد بينما أهدى الجميلات لجنوده الذين لم يترددوا في اغتصابهن.

الغدر نهج آل عثمان
في القاهرة تجمع المماليك تحت قيادة "طومان باي" الذي نصبوه سلطانا جديدا. وفي الريدانية، انهزم الجيش المصري مرة أخرى بعد تخاذل الكثير من أمراء المماليك الذين فروا عمدا عن لقاء العثمانيين بعد أن أرسل لهم السلطان حقائب الذهب سرا قبل قدومه.

الأمان هو ما وعد به السلطان الغادر المصريين عند دخوله القاهرة، لكن الفزع هو ما شعر به أهل البلاد على يد فرق الإنكشارية الذين أطلق السلطان يدهم ليعيثوا في المدينة العامرة فسادا وخرابا، واصلوا النهب والقتل بحجة البحث عن المماليك الهاربين، وبلغت الجريمة العثمانية ذروتها عندما انكسرت آخر محاولة للمقاومة قام بها طومان باي لصد الهجوم. وفي يوم السبت الثامن من المحرم العام 923 هـ/ 1517م وعلى إثر هروب السلطان المملوكي من جديد، اقتحم العسكر العثماني المدينة وارتكب في حق سكانها مذبحة مروعة .

عاصر ابن إياس الحدث الفاصل في تاريخ مصر ونقل المشاهد المروعة في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" قائلا: "راح الصالح بالطالح، وصارت جثثهم (أي أهل مصر) مرمية على الطرقات من باب زويلة إلى الرملة إلى الصليبة إلى قناطر السباع إلى الناصرية إلى مصر العتيقة، فكان مقدار من قتل في هذه الوقعة من بولاق إلى الجزيرة الوسطى إلى الناصرية إلى الصليبة فوق العشرة آلاف إنسان في مدة هذه الأربعة أيام، ولولا لطف الله تعالى لكان لعب السيف في أهل مصر قاطبة، وظلت الجثث مرمية وقد تناهشتها الكلاب كما صارت الخيول مرمية في الرملة وفي الأسواق والأزقة وقد قتلوا بالبنادق والرصاص في الواقعة".

حرق المساجد
لم يكتف الإنكشارية بالذبح والنهب والاغتصاب، انتهكوا حرمات المساجد التي طالما باهت بها القاهرة غيرها من المدن، أحرق العثمانيون "جامع شيخو"، ودنسوا ضريح السيدة نفيسة وداسوا بأقدامهم على قبرها ثم سرقوا قناديل مسجدها الفضية، واقتحموا جوامع: الأزهر والحاكم بأمر الله وأحمد بن طولون، ونهبوا مقامي الشافعي والليث بن سعد.

شبه ابن إياس سليم في تدميره القاهرة بهولاكو قائد المغول الذي أهلك بغداد قبله، ووصفه بأنه  "لم يكن له نظام، لا هو ولا وزراؤه ولا أمراؤه ولا عسكره، بل كانوا همجا لا يعرف الغلام من الأستاذ".

تجريف الحياة المصرية
بإعدام طومان على باب زويلة ثبت سليم الأول حكمه في مصر، فقرر تفريغ البلاد نفسها من كنزها البشري الذي يتمثل في القضاة والصناع والحرفيين الذين اصطحبهم معه وهو عائد إلى إسطنبول التي تفتقر لتلك الخبرات.

ساق معه نحو 1800 شخص من خيرة العقول والأيدي الماهرة مما أدى إلى تجريف للاقتصاد والثقافة في مصر وكان الأمر مأساويا إلى الحد الذي دفع ابن إياس للقول : " ما خرج سليم من مصر حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها وأظهر أهوالها".
منقول