بقلم- القس أيمن لويس
نبداء هذا المقال عن موضوع البسملة ، حيث سألنى آحد الطلبة المتقدمين لأمتحان الثانوية العامة . هل يجوز لى أن أكتب على رأس ورقة الاجابة البسملة ؟ . ولم تكن هى المرة الآولى التى يُطرح فيها علىَ هذا السؤال ، كما أنه أى السؤال ، ليس لطلاب الثانوى فقط بل فى كل مراحل التعليم حتى الجامعى ، بل هكذا ينبغى أن يكون الحال عند تقديم أى طلب رسمى أو غير رسمى .
وأنا أقدر حجم هذه المشكلة لطلابنا المسيحيين ، فأننا نعيش فى مجتمع مريض بالطائفية ، بل هى جزء من تكوينه العقائدى ، وهذا الموضوع الذى شغل الطالب المسيحى وصار يمثل له مشكلة روحية ونفسية تضاعف من أعبائه بجانب الحمل التعليمى ، كان يمثل لى أنا أيضاً مشكلة فى مرحلة من مراحل حياتى ، وحيث أصبحت راعياً لكنيسة ، أجد أنه من واجبنا نحن أصحاب المسؤلية فى التعليم الروحى لا يجب أن نستهين بالمشكلة أو نتجاهلها أو نسطحها بغرض الهروب من مواجهتها . بل علينا التصدى لها بالدراسة والتحليل .
وهنا يكون السؤال ، لماذا طرح الطالب هذا السؤال ؟ طبعا الاجابة معروفة ، فهو يخشى ان يستشعر المُصحح او يعرفَ ان صاحب ورقة الاجابة هذه ليس مسلماً لأنه لم يكتب البسملة على رأس الورقة ، فلا يتعاطف معه فى أحسن الفروض، وفى اسوء الاحوال يتم ترصده والتشدد ضده بما يتجاوز العدل والحق ، وربما يقول قائل : إن الامر لم يصل الى هذا الحد، وإن هذا الكلام نتيجة لما يشعر به المسيحيون من عقدة الاضطهاد ، و مثل هذا الحديث يعمق الطائفية ، وهو من قبيل المبالغة ...... الخ ، وهذا ما يجعل المشكلة تستفحل ، لانه عن قصد يريد معظم مجتمع الاغلبية انكار حقيقة الممارسات الطائفية ضد المسحيين وغيرهم من غير المسلمين ، فمجتمع الاغلبية المسلمة فى تكوينه طائفى عدا قلة قليلة من النخبة من المفكرين والمثقفين . اليس من المعترف به ان هناك ممارسات طائفية فى تعيين المسحيين فى العديد من الوظائف ، كما يتم تجاوز قبول المتفوقين منهم فى السلك الجامعى ؟ فالماذا لايكون هناك بعد طائفى فى تصحيح اوراق الاجابة فى الامتحان ؟!! فإن كان قد تم الفرز الطائفى فى أرقى أماكن الوعى الثقافى وهم أساتذة الجامعات ، فكم يكون مقدار هذا الفرز فى المستوايات الاقل ثقافة وعلماً ووعياً .
إن مشكلة المسيحى أنه يعيش حالة من الصراع الداخلى ، تكمن فى أنه يستشعر ، أذا كتب البسملة أنما هو أنكار وتنكر لهويته المسيحية وبالتالى تبعيته للمسيح ، وما يعمق هذا الفكر بداخلة ما يحفظه من أقوال المسيح الواردة بالانجيل مثل " كل من أعترف بى قدام الناس ، يعترف به ابن الانسان قدام ملائكة الله . ومن أنكرنى قدام الناس ، ينكر قدام ملائكة الله "( لو8:12-9 ) . كما يشعر أن قطاع الأغلبية يغالى ويبالغ فى أظهار الهوية الاسلامية ، ويحدث هذا فى الغالب ليس بقصد التقوى والانتماء والولاء لله بقدر ما هو نوع من الافتخار الظاهرى والتدين الشكلى أو النرجسية الدينية وبغرض طمس أى هوية غير الاسلامية . أنه ضجيج وعجيج ، شكل دون مضمون ، ومظهر دون جوهر . وهنا يجد المسيحى نفسه فى حيرة ؟ فأذا كان هذا ، فى صخب يظهر أفتخاره بهويته الدينية ؟، لماذا أتخاذل أنا المسيحى وأفتر فى أظهار أنتمائى وهويتى الدينية ؟ فيشعر فى هذه الحالة أنه ملزم بأظهار أيمانه وعقيدته ، هذا أذا كان من فئة الغيورين من جهة الدين . ولكن ليس جميع المسيحيين هكذا ، فهناك من يرى من المسيحيين أن ذكر البسملة لا يضير فى شىء ، وقليل من البرجماتية قد ينفع مع أصحاب النفوس المريضة ، وأخر يفضل عدم ذكر أى شىء فى الاوراق ، وثالث يصر على أظهار هويته المسيحية ويرى أنها جديرة بالافتخار فيستفتح مُكاتباته بالتسميه ( بسم الاب والابن والروح القدس ) أى كان الثمن !! .. رغم أنه يعلم أن هذه البسملة تعتبر نشاذ فى اللحن المتداول ، بل وأستفزاز لكثيرين يستغفرون الله عند قرائتها أو سماعها !!! .
ومن الجدير بالذكر إن البسملة مختلف عليها بين كثير من علماء الاسلام ، من حيث هى من أصل القرآن أى الوحى أم لا ؟!!! . وبالرجوع لموقع الشيخ عثمان الخميس يتأكد لنا ذلك وهذا على سبيل المثال وليس الحصر ، كما أن الحلقة رقم 245من برنامج سؤال جرىء الذى يقدمة الاخ رشيد على قناة الحياة المسيحية يشرح بأستفاضه هذا الموضوع ، ويشتدد الجدل بين العلماء حول . هل وجود البسملة فى أفتتاحية السور على سبيل أنها أية من أيات القرآن أم فقط يتم أضافتها للتبرك أو للفصل بين السور ، غير أنه ذكرت فى سورة الفاتحة فقط مرقمه ضمن أيات السورة على خلاف المتبع فى باقى السور ؟!! .
إن النطق بالبسمله "بسم الله الرحمن الرحيم" أو كتابته ليس فيه مشكله على الاطلاق ، بل العكس هو الصحيح ، فالبسملة على هذا النحو هى من صميم الفكر اللاهوتى المسيحى ، وأتذكر وأنا ادرس فى كليه اللاهوت الانجيلية أننى وجدت كتاب مقدس فى اللغة العربية يرجع للقرن الثامن عشر كان أفتتاحيته البسملة المذكورة ، بل قرأت فى بعض المراجع القديمة منذ فترة ليست قصيرة عن شرح للبسملة من وجهة نظر مسيحية أنها كانت متداولة بين المسيحيين وتقال كجملة لشرح التسمية (بسم الاب والابن والروح القدس) . فهى فى مضمونها بحسب ما قرأت أن بسم الله المقصود بها الله الاب الرحمن فى صفته وطبيعته ، الرحيم بما صنعه وعمله بالتجسد فى يسوع المسيح المخلص لفداء البشرية الساقطة ، وهذا هو أعلى درجات بلوغ الرحمة .
إذاً فاليس المشكلة فى البسملة وغيرها من كلمات مشابهه مثل السلام عليكم ، أنما فى الاتجاه العام والثقافة السائدة التى يتم تأصيلها فى المجتمع لتكريس الطائفية والعنصرية والتمييز ضد الاخر ، وللاسف إن هذا الامر وإن بداء تجاه المسيحيين وغيرهم من غير المسلمين ، الا أنه يستشرى مثل النار فى الهشيم حتى أمتد ليشمل التقسيم بين المسلم والمسلم ( صوفى ،أخوانى ، سنى ، شيعى ، قرآنى ..الخ) . أنه وباء اخطر من الطاعون والكوليرا ، وأشد فتك ، قادر على خراب أى وطن وطمس حضارتة وتبديد طاقاتة .
ولكن تبقى للمسيحى المشكلة والازمة ، وأستمرار الالم الداخلى وأحساس المهانة والاذدراء ، كنت أعتقد وأنا فى ميدان التحرير أيام بداية الثور ، أنه أخيراَ قد جاء الوقت الذى بداء يدرك فية الاخوة المسلمون هذه المشاعر ومضارها على نسيج المجتمع ، والان أستعجب أن هناك بعض من المسلمين يتلذذون عندما يروا أن الاخر يتأذى بل يشعرون بنشوة الانتصار ؟!! . لصالح الاسلام أقول : أنتم معشر الاغلبية مطالبون بحسن معاملة الاخر . اليس الدين المعاملة ؟ !! . وفى الانجيل أية تقول "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم أفعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم ، لأن هذا هو الناموس والأنبياء"(مت12:7) ، "لكى يروا أعمالكم الحسنة ، ويمجدوا أباكم الذى فى السماوات"(مت16:5) .