فى هدوء تام، تعمل اللجنة التأسيسية المشكلة لوضع مواد دستور جمهورية مصر العربية، حتى إن كان تشكيل هذه اللجنة وفقا لأحكام المحاكم السابقة قد يكون باطلا وقد يحكم بإلغائها إلا أن نجاحها فى سرعة وضع مواد الدستور وطرحه للاستفتاء العام والحشد الجماهيرى للحصول على الموافقة الشعبية على هذا الدستور، كل ذلك يجعل لمصر دستورا صحيحا فى ثلاثة أشهر، وقد ينص الدستور على أحكام انتقالية تجب جميع الأحكام القضائية التى قد تنال من تلك اللجنة مستقبلا.
وإذا نظرنا إلى تشكيل هذه اللجنة لوجدنا أن أغلبيتها تعود إلى التيارات الإسلامية السياسية، والباقى من محبى تلك التيارات والمتفاهمين معهم، وجزء قليل من الليبراليين لزوم الصورة.
وعلى الرغم من انسحاب بعض أعضاء من تلك اللجنة، وعلى الرغم من عدم اقتناع بعض القانونيين داخل اللجنة بقانونية تأسيسها، فإنها مازالت مستمرة فى عملها، وهو عمل سيؤثر قطعا فى مستقبل الحياة فى مصر لسنوات قادمة.
من الأحزاب السياسية الواضحة فى اتجاهها حزب النور السلفى الذى وعد أعضاؤه الذين انتخبوه فى انتخابات «الشعب» و«الشورى» بأن يطبق الشريعة الإسلامية فى مصر كأساس للتشريع أو كمصدر للتشريع أو ببساطة كل ما نص عليه الدين الإسلامى من أحكام دنيوية يكون هو القانون.
وهنا لابد أن نؤكد أن حزب النور أمامه معركة فى لجنة تأسيس الدستور بالاستعانة بشريكه السياسى «الحرية والعدالة»، وهو الحزب الحاكم الآن الذى يريد ألا يخسر الشارع المصرى فى بداية حكمه، إلا أنه يحافظ دائماً على التوافق السياسى مع شريكه الحالى والأهم حزب النور، لذلك أرى أن هناك معضلة أمام «الحرية والعدالة» تتمثل فى الحفاظ على رضى الشارع المصرى فى كتابة دستور متوازن وبين الحفاظ على شراكة حزب النور بكتابة دستور ذى مرجعية إسلامية.
ولا أعتقد أن حزب الحرية والعدالة تفرق معه موضوع تطبيق الشريعة من عدمه ولم يذكرها صراحة فى برنامج انتخابى له، لكنه لا يجرؤ على الاعتراض على تطبيقها، حيث إن اعتراضه سيواجه بنقد كبير من أعضائه أصحاب التوجه الإسلامى، فضلا عن صدام أكيد مع حزب النور.
وفى كل الأحوال لا يملك الليبراليون حق الاعتراض، حيث إنه من الواضح أن هناك حقيقة فى أن كلمة انتخابات أو استفتاءات فى مصر، وهى باختصار تعنى «توجه إسلامى»، وهم أصحاب الكلمة العليا فى الصناديق، والصناديق هى أكثر المعايير الديمقراطية لحكم أى مجتمع.
إذاً لو أراد أصحاب نظرية الإسلام السياسى تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر مستندين إلى قوتهم فى الحشد الجماهيرى، وأغلبيتهم فى اللجنة التأسيسية يكونون قد طبقوا أعلى صور الديموقراطية التى لا يمكن الاعتراض عليها.
لكن يبقى التطبيق!! بمعنى أن الواقع يقول إن بعضا من الأنشطة التى تخضع للقانون وتعتبر قانونية من وجهة نظر الدولة هى أنشطة محرمة من وجهة نظر الدين الإسلامى.
إلا أن هذه الأنشطة اختلف كثيرون على أنها مخالفة للشريعة أم لا، لكن فى نفس الوقت بنى كثير من المواطنين المصريين مستقبلهم على تلك الأنشطة.
إذاً السؤال: كيف سيتم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية اليوم فى ظل وجود كثير من مظاهر المدنية الموجودة والمستقرة فى المجتمع المصرى التى قد يصفها البعض بأنها خارجة عن الدين، وكيف يمكن إلغاء كل الأنشطة المختلف عليها شرعا بين يوم وليلة من المجتمع المصرى؟
هناك تخوف لدى المواطن المصرى العادى من الاختلاف حول صياغة المادة الثانية للدستور وباختصار تلك المادة تتحدث عن أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى أحد مصادر التشريع، أو كما يريدها البعض أحكام الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، والفارق بين الجملتين كبير ومؤثر، فالأولى تعنى أن المبادئ العامة هى التى لابد أن يتفق معها القانون، أما الثانية فتعنى أن تطبيق جميع أحكام الشريعة هو بذاته تطبيق للقانون.
والصورة الثانية، هى ما يسميها البعض الدولة الدينية، وهى الدولة التى يكون القانون فيها هو أحكام دين معين، طيب هو فى حد مسلم يكره تطبيق أحكام دينه اللى نص عليها ربه؟ طيب هيرد واحد من دين آخر ويقول طيب هو أنت يا مسلم عايش فى البلد دى لوحدك؟ وهى علاقتى بربنا مستنية لجنة أو برلمان يحدد لى هو إيه الحلال وإيه الحرام؟ وبعدين تفسير ما هو حلال وما هو حرام مختلف من شخص لآخر بل إن علماء الدين أنفسهم منهم المتشددون ومنهم المتسامحون.
إذاً مصر فى تلك الأيام وفى هدوء تام وبشكل سريع تتحدد صبغتها وفقا للخريطة السياسية الجديدة الحاكمة التى يرسمها حزبا النور والحرية والعدالة فى ظل ترقب تام من المواطن المصرى الذى قد يفاجأ فى الآونة القادمة بتغيير جذرى فى حياته اليومية وفقا لشكل الدستور القادم من عباءة الحرية والعدالة والنور، وعليه أن يمتثل لأحكام هذا الدستور رضى أم لم يرض عشان ده حكم الأغلبية.
لكن على الأغلبية أن تتذكر أن هذا الشعب قد يسكت كثيرا لكنه عندما يتكلم فلا يوجد حزب أو تكتل سياسى يستطيع الصمود أمامه، ومثال الحزب الوطنى ليس بالبعيد وسياسية تطبيق وجهة نظر الأغلبية أيا كان حجم اتفاقها مع الشارع المصرى من عدمه هى سياسة تؤدى إلى هلاك من يريد تطبيقها.
علينا أن ننتظر ونراقب بحظر ماذا ستفعل الأغلبية الحالية فى مستقبلنا ومستقبل أولادنا، وفى دستور بلادنا، يريدونها إسلامية أو مسيحية أو ليبرالية، لكن فى كل الأحوال ستبقى متدينة ومعتدلة تخشى ربها وتحب أبناءها بلا تفرقة.
باختصار ستبقى بإذن الله مصرية.
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.