كنا ولا نزال مع إعطاء الرئيس المنتخب الفرصة والصلاحية كي يقوم بتنفيذ بعض شعاراته حول برنامج المائة يوم!
لأن ما يحدث من فوضي وهتافات ومطالب بعضها مشروع والآخر يفتقر لأي مشروعية قانونية أو اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية علي الإطلاق.
ومن ثم تزيد الأمور تعقيدا! ما معني أن يطالب بعض المفصولين لأسباب قانونية محضة بالعودة إلي أعمالهم, بينما ملفاتهم الوظيفية متخمة بالخروج علي القانون؟, أو لأمور تمس النزاهة الوظيفية أو الاستقامة ونظافة اليد! ومن ثم بعض هؤلاء كانوا جزءا من ظواهر الفساد الوظيفي التي عانت ولا تزال منها الدولة وأجهزتها علي اختلافها, في ظل غياب دولة القانون واهتراء سيادته في التطبيق علي المخاطبين بأحكامه!
الرئيس المنتخب د. محمد مرسي مع كل الاحترام له ومعه الجماعة وزراعها السياسية حزب الحرية والعدالة, يبدو أنهم لا يريدون المساعدة علي وقف انهيار دولة القانون, والسعي الجاد والحازم مع كل القوي الوطنية علي إلزام الجميع باحترام القانون, وعلي رأسهم الدولة ومؤسساتها وأجهزتها ومن يديرون دولابها اليومي! الرئيس بديلا عن مطالبة أجهزة الدولة بالتصدي للخروج السافر علي القوانين واللوائح من بعض المواطنين في السلوك اليومي يترك الأمور في انفلاتها والتظاهر أمام القصر الجمهوري, وفي الممارسات الفوضوية اليومية في كل تفصيلات الحياة, من الانفلاتات الأمنية, وغياب تنظيم للمرور أو حركة الشارع, أو سطوة البلطجية وعصب الإجرام علي اختلافها! وأيضا استمرارية سياسة الرشوة والفساد بديلا عن دولة القانون الحديث! لا أحد فيما يبدو يمتلك رؤية سياسية كلية وقطاعية للتعامل مع أزمات الأمن وضعف قانون الدولة في عديد أبعادها الاجتماعية والسياسية والثقافية, وكيف يمكن صياغة استراتيجيات أمنية جديدة وفعالة, وسياسة تشريعية تتسم بالتوازن بين المصالح المتصارعة والمعارضة, وفي إطار سياسة اجتماعية رشيدة تؤطر لتطبيق فعال للقانون في العلاقات الاجتماعية, ولكي تكون القوانين أحد أبرز آليات التغيير الاجتماعي وتطوير العلاقات بين المخاطبين بالقانون علي نحو أفضل, ويحقق الاستقرار والرقي الاجتماعي مع أدوات أخري للتغيير. لا الرئيس ولا فريقه ولا مشروع نهضته, ولا التضارب في السلطات والصلاحيات بينه وبين مكتب الإرشاد وعناصره المفتاحية ـ ولا مجلس شوري الجماعة العام ـ تجعل لديه رؤية قابلة للتطبيق وإن أراد, بديلا عن ممارسات قرارات الفوضي التي نشهدها الآن, والتي تكشف عن غياب فهم عميق للدولة ومنطقها وأساليب عملها في العمق, بل الافتقار إلي خبرات حقيقية في إدارة شئون دولة/ أمة عريقة لها تقاليدها وثقافتها الدولتية.
هل يتم التعامل مع ظاهرة المطالبات الفئوية المشروعة واللا مشروعة والمنفلتة تحت رعاية الدولة العميقة جدا!! والكفء جدا جدا!! من خلال نظام فاشل يدعي ديوان المظالم! جربته الدولة في عهد السادات كنتاج لبعض من الفهلوة السياسية التي سادت في صناعة القرارات السياسية, والخلط بين الاسم الديني ذي الظلال التاريخية, وبين واقع مغاير تماما. العودة مجددا لفشل سابق, يعكس ضعف الفريق السياسي حول الرئيس! أتمني من القلب للرئيس أن يعمل بفاعلية وخيال وانضباط وانسجام مع فريقه, ولكنه ومعه مراكز القوي الجديدة حوله وخلفه الذين يريدونه تحت الحصار وربما الوصاية السياسية من بعضهم للأسف الشديد! ممن لا يريدون له النجاح! ومعهم آخرون في دولة الاستبداد العميقة التي تريد له الفشل السياسي الذريع! من هنا نقول له إذا لم يستطع أن ينتزع هوامش حركته المستقلة عن دولة الإخوان العميقة في مكتب الإرشاد, والدولة العميقة وأجهزتها! لن يلومن إلا نفسه قبل فريقه السياسي.
هل قرار الرئيس بعودة البرلمان يتسم بالعقلانية السياسية والمشروعية الدستورية؟ بالطبع لا, وإنما دلالة علي إدراك بأن الحكم لمن غلب, ومن ثم هو قرار لا يأبه بالمشروعية ويمثل انقلابا دستوريا في نظر غالب الفقه الدستوري, وهو يمثل نقلة نوعية في تعامل الجماعة وزراعها السياسية والرئيس مع دولة القانون, وهو لم يحدث في الحالات النظيرة في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك! لمرتين تم الحكم بعدم دستورية نصوص قانونية تم إجراء الانتخابات في ضوئها, ومن ثم تم حل مجلس الشعب احتراما للسلطة القضائية واستقلالها في إطار مبدأ فصل السلطات. من أسف نصوص المرسوم بالقانون الذي تمت في إطارها العملية الانتخابية جاء بعد ضغط الجماعة مع السلفيين وغيرهم علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتغيير المرسوم بالقانون الذي ذهب إلي تخصيص خمسين بالمائة للمقاعد الفردية, والأخري للمقاعد المخصصة للقائمة, ولكنهم أرادوا عن عمد تخصيص ثلثي المقاعد للقائمة والثلث للفردي, مع حق أعضاء الأحزاب في الترشح للفردي, مما شكل مساسا جسيما بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص! قيل لهم هذا ولم يسمعوا! هل تدفع الأمة والدولة الثمن السياسي لاختيارات وأخطاء جماعة الإخوان المسلمين وزراعها السياسية! بالقطع لا لأن هذا قرار يعتمد علي الهيمنة لا منطق الدستور, والشرعية.
قرار الرئيس هو تعبير عن نزعة للاستحواذ والتهديد الصريح باللجوء إلي الشارع والقوة في واقع منفلت! هل هذا يعبر عن القيم الإسلامية الفضلي هل هذا تعبير عن التزام الجماعة بالصالح العام؟
نحن مع الرئيس لكي يعمل في أجواء تتسم بالهدوء كي تتاح له الفرصة, ولكي نستطيع أن نسائله دونما تجاوز أو تجن, لكن الرئيس و دولة الإخوان العميقة والعميقة الأخري!! لا يريدان له العمل في حرية! والأخطر أن الرئيس يأخذ من القرارات ما يساعد علي تأزيم الأوضاع في البلاد, مما يساعد علي سياسة الفوضي والخروج علي القانون وتقاليد الدولة ومؤسساتها, علي نحو ما فعل.
هل نحن إزاء حرب مفتوحة بين مراكز قوي النظام التسلطي القديم/ الجديد؟ أم أننا إزاء صفقات مستمرة بين أطراف القوة الفعلية في البلاد؟ إنها أسئلة الفوضي المحكومة, وتآكل قيم وتقاليد ومعني الدولة المركزية في الإدراك شبه الجمعي المصري! وقي الله مصر شرور بعض أبنائها أيا كانت مسمياتهم وأقنعتهم وألوانهم السياسية!
نقلا عن الاهرام
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع