إعداد وتقديم الباحث - عصام عاشور
استكمل الباحث عصام عاشور، الحديث عن تاريخ الحركة الوطنية المصرية، وفى الحلقة العاشرة تحدث عن الزعيم مصطفى كامل.
وقال عاشور، خلال برنامجه "الحكاء.. شذرات من تاريخنا" والمذاع على شاشة الأقباط متحدون، مصطفى كامل مواليد عام 1874 (وهى نفس سنة ميلاد الخديوى عباس) ولد فى حى الصليبة الشعبى (كان هذا الحى من معاقل الثورة العرابية) وهو إبن لأسرة متوسطة كان أبوه ضابطاً بالجيش المصرى توفى بعد ولادته بقليل وكفله أعمامه وإخوته الكبار.
وقرر وزير المعارف العمومية (التربية والتعليم) على باشا مبارك زيارة المدرسة الخديوية الثانوية. كان فى هذا التوقيت خطيب المدرسة هو الطالب مصطفى كامل الذى وقف يخطب أمام الوزير.
أعجب الوزير ودهش من من فصاحة الطالب الصغير فصفق له وناداه وتحدث معه وسأله ماذا تريد أن تفعل بعد أن تتم تعليمك ؟ فأجاب الطالب بسرعة وبجزم "سوف أعمل لتحرير بلادى من الإحتلال".
إزداد إعجاب الوزير بهذا الطالب بل ودعاه لزيارته. وفى هذه الزيارة يقول الشيخ على يوسف أشهر صحفى هذا العصر وصاحب جريدة المصريين الأولى "المؤيد".
قابلت مصطفى كامل لأول مرة فى بيت على باشا مبارك ووجدت فيه رجلاً كاملاً وليس طالباً صغيراً وكان إعجاب الباشا يتضاعف به كل يوم خاصة حينما كان يعارض ويخالف.
ودعاه على يوسف ليكتب للمؤيد ليكون أصغر كتابها ثم تعرف على الشاعر الكبير خليل مطران وبشارة تقلا رئيس تحرير الأهرام فكتب للأهرام.
وحين حصل على شهادة البكالوريا إلتحق بمدرسة الحقوق مدرسة الكتابة والخطابة والدفاع عن حقوق الأفراد والأمم وبعد السنة الأولى إلتحق بمدرسة الحقوق الفرنسية ليتزود من الثقافة الفرنسية ولإجادة اللغة ولكى يطلع على النظم الحديثة ولكى يستطيع أن بشرح قضية مصر وحقوقها فى المحافل الدولية والأجنبية.
زار الخديوى عباس مدرسة الحقوق العليا وإستمع لخطيب وزعيم المدرسة وطلب على الفور لقاءاً سرياً مع هذا الشاب .. وإنعقد الإجتماع التاريخى بينهما فى مسجد خلف السراى .. ومنذ تلك اللحظة " تغير تاريخ مصر فى هذه الفترة".
بدأ عباس يقيم حفلات عشاء للنخبة كى يتصل بالأمة ويتعرف منهم على مشكلات الشعب وأيضاً كى يستطيع أن ينتقى منهم من يلتصق به.
إكتشف عباس أن كل الموضوعات والمناقشات التى تدور خلال هذه الجلسات تنقل بالكامل إلىممثلى بريطانيا ولكن بطريقة مشوهة.
وإكتشف عباس أن من يقومون بذلك هم خدم القصر وإكتشف أيضاً أن جواسيس المخابرات البريطانية وعملائها قد إنتشروا فى كل مكان وفى كل طبقات المجتمع وأيضاً بين المدنيين والعسكريين بل حتى تم تجنيد بعض من أفراد أسرته.
ولم يجد عباس من طريقة سوى أن يحاربهم بنفس طريقتهم وأسلحتهم .. فأنشأ جهاز للمخابرات إنتشر فى كل مكان وحتى فى الوزارات والإدارات والمعسكرات ووصل حتى داخل منزل السردار الإنجليزى.
إعتمد عباس فى ذلك على الشباب الوطنيين المخلصين الذين كانوا يقومون بهذا العمل متطوعين لخدمة بلادهم بوازع دينى ووطنى عميق.
لكن كان الذراع الأيمن لعباس فى هذا العمل هو مصطفى كامل الذى أثبت عبقرية تنظيمية لحماية هذا العمل الوطنى.
وكان هذا التنظيم هو النواة الأولى التى تكون منها التنظيم السياسى الذى تقرر تكوينه.
وكانت الخلية الأولى لهذا التنظيم داخل القصر من الرجال المقربون من عباس سواء مصريين أو أجانب.
وكانت أهداف هذا التنظيم هى الدفاع عن حقوق مصر ومصالحها ضد المحتلين وذلك بالكتابة فى الصحف الفرنسية والخطب التى سوف يلقيها مصطفى كامل فى الداخل والخارج.
هكذا بدأ مصطفى كامل مشوار حياته النضالية.
تم الإتفاق مع مراسل شركة فرنسية على إصدار جريدة فرنسية يكتب بها أعضاء التنظيم بأسماء مستعارة.
وفى زيارة بصيف نفس العام قام بها الخديوى إلى استنبول إستقبله السلطان الذى كان قد راقه أحداث مصر.
تمكن عباس من لقاء جده إسماعيل فكان اللقاء عاطفياً حاراً .. وكان اللقاء الثانى مع جمال الدين الأفغانى الذى إستقر به المقام فى استنبول رغم أن الحاشية السلطان حاولت ألا يتم اللقاء .. وبعد اللقاء تلقى عباس عتاباً على ذلك .. كما أن جمال الدين الأفغانى تلقى تحذيراً بأن يبتعد عن الغلام كما وصفه صاحب التحذيراً بالقول (ألا تحاول أن تغرر به وتقوده للفتنة).
بعد عودة عباس من زيارة الباب العالى كان عليه أن ينفذ إلى الجيش خاصة وأنه كسب تأييد الشعب كما كسب رضاء السلطان.
إستطاع عباس عن طريق علاقته الجيده بقائد الجيش "كتشنر" أن يعين وكيلاً لوزارة الجهادية.
إستطاع عباس عن طريق وكيل الوزارة هذا معرفة الكثير من المعلومان عن الجيش وأيضاً عن نشاط شبكات المخابرات الريطانية وعملائها فى كل من مصر والسودان والجزيرة العربية.
وإستطاع أيضاً عباس من تنظيم شبكة معلومات شملت كل وحدات الجيش.
وتأكد عباس حينئذ من أن الجيش المصرى يفيض وطنية وولاء للعرش .. رغم كل ما يبذله كرومر من جهد لتجريد عباس والجيش من كل ذلك.
بعد تأكد عباس من ولاء الجيش لمصر وله قرر القيام بزيارة الوحدات بجنوب مصر .. قائلاً أنه مادام الجيش سيقوم بمهمة عصيبة فى صحراء السودان إذاً لابد من تفقد أحواله وإكتشاف أى نقص فى إمكانياته.
أثار ذلك بالطبع اللورد كرومر وطلب من قائد الجيش كتشنر إلغاء الزيارة أو تأجيلها .. لكن عباس رفض .. وإرسلت لعباس رسالة شفوية نصها (لا تلعبوا بالنار لأنها يمكن أن تحرق الجميع) .. لكن عباس لم يكترث .. وبدأ الرحلة .. وفى أسوان تفقد عباس الفرقة الأولى وأعجب بها .. ولكن كانت أحوال الفرقة الثانية مزرية حسب وصف عباس نفسه ولذلك فقد أنب كتشنر قائد الجيش الذى أعلن إستقالته إحتجاجاً على ملاحظات الخديوى وكذلك أعلن تضامن جميع الضباط البريطانيين معه .. ولما قال عباس لكتشنر أن ذلك انتقادات مهنية لا تعطيها مغزىً سياسياً .. هدأ كتشنر.
إستكمل عباس تفقد بقية القوات وأثنى عليها ثناءاً طيباً وطابت بذلك نفس كتشنر .. وأخذ عباس فى العودة.
وحين وصل عباس إلى جرجا وجد رئيس الوزراء فى إنتظاره حاملاً إنذاراً من اللورد كرومر يقول إذا لم يسحب عباس على الفور كل الإنتقادات التى وجهها إلى الضباط الإنجليز خلال الرحلة فإن بقاءه على العرش لن يصبح مضموناً .. وسوف تتخذ الإجراءات اللازمة لوضع الجيش بأكمله تحت قيادة جيش الإحتلال .. وقد وافقت لندن على ذلك.
وسنكمل فى الحلقة القادمة كيف تصرف الخديوى عباس وهو الشاب الصغير فى هذا الموقف العصيب.