بقلم/ عزت بولس
تنويه: هذا المقال سبق نشره بتاريخ 17 يوليو 2012 ، وهذه إعادة نشر مناسبة للأحداث
تتسابق مراكز حقوق الإنسان، والبعض من المؤسسات القبطية الخارجية منها أو الداخلية في تأييد بقاء المادة الثانية من دستور 1971 بصيغتها الحالية كما هى بالدستور الجديد – المزمع كتابته من قبل لجنة تثار حولها الكثير من الشكوك التي تؤكد فشلها كسابقتها الأولي، حيث أنها لا تعكس المجتمع المصري ككل بشكل جامع وحقيقي- الذي سيشمل مواد إسلامية إن جاز التعبير،وبطبيعة الحال لن تراعي تلك المواد أو تدعم حقوق الأقليات بكافة أنواعها،بل والجموع المسلمة أيضًا هى فقط ستدعم المجموعة الإسلامية المصرية المُتشددة دينيًا.
حقيقة ولكي نحقق ما يمكننا أن نُطلق عليه"السمو الدستوري" من المهم جدًا برأيي تجنب وضع أية نصوص دينية ،ذلك لأن تلك النصوص تنظم العلاقة بين الإنسان وربه وتلك علاقة خاصة جدًا يحكمها النص الديني الذي يعتقد ذلك الإنسان بصحته،ولكن بالمجتمع يحتاج المواطن لتنظيم علاقته مع باقي المواطنين الذين يعيشون معه تحت ظل إطار ما يجمعهم يسمى "دولة" إلى قوانين وضعية متغيرة وفق صالح الدولة ومواطنيها،ذلك الصالح المُتغير عبر الزمن.
القوانين الوضعية نسبية تخضع للتقييم والتغيير، ويمكن الاعتراض عليها دون خوف من عقاب قاسي مصحوب بمرجعية نص ديني لايحتمل التغيير أو حتى التقييم،ولهذا الإصرار من قبل البعض على الخلط بين النسبي الوضعي والمُطلق المقدس في الدستور ماهو إلا رده قوية للخلف،وسيجعل ميزان العدل تحديدًا بالمجتمع في حالة خلل كبير،ذلك لأن خلفية القضاة الدينية في ظل دستور ديني ستتحكم في أحكامهم القضائية التي هى من المفترض بها أن تكون محايدة ومؤسسة على جوانب قانونية واضحة،وفي تلك الوضعية لا لوم على القضاة بل اللوم على من وضع لهم دستورًا معيبًا مطاطًا لا يحمى حقوق بقدر ما يحمى رؤى متشددة لنصوص دينية لها كل القدسية في مكانها الصحيح.
قد يقول أحدهم في تفسيري لطبيعة العلاقة من منظري بين الدستور وعدالة القضاء،بأن الدستور قد سُن للمشرع وليس للقاضي،حديث يبدو منطقي لكنه بقليل من التركيز به نجد أنه خاطيء ذلك لأن حيثيات أي حكم قضائي يمكن إرجاعها بسهولة لنصوص دستورية بعينها،والسنوات الماضية خير شاهد على ذلك، حيث صدرت العديد من الأحكام القضائية التي لم تكن في صالح حقوق الأقباط العادلة، استنادا لمادة دستورية تعتبر أن شريعة دينية هى أساس التشريع.
المادة الثانية من دستور 1971 التي تعتمد على مبادىء الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع،ليست مقدسة كما يري ويقيم البعض، وبعودة تاريخية لظروف كتابة تلك المادة .
سنجد أنا وُجدت ك "خدعة" صنعها السادات لتكون مخرجًا له لإطلاق مدد الرئاسة التي استفاد منها مبارك،حيث قتل الإسلاميين السادات بعد أن دعمهم وخرب دستور مصر.
المادة الثانية بالدستور لم تحمى مصر من الفساد الأخلاقي والاجتماعي،وإذا عقدنا مقارنة بين طبيعة الحياة الاجتماعية في مصر بالستينات والخمسينات وما بعد السبعينات وإضافة المادة المقدسة،سنكتشف أن المجتمع دون مواد دينية بارزة بالدستور كان أكثر نجاحًا على كافة المستويات،في حين أنه بعد السبعينات أنتقل بسرعة الصاروخ للتدهور والانفلات بأنواعه إلى أن وصلنا لأن تباع المواد المخدرة بالميادين العامة،ويتم التحرش جنسيًا بالمصريات وغيرهن بالميادين الكبري للقاهرة فما بالنا بما يحدث للنساء على أطراف مصر.
وفى تناسب عكسي للتدهور الأخلاقي أزدهر التدين الشكلي وتدحدرت أزياء النساء لتبدأ بالحجاب وتنتهي بالإسدال والنقاب، أما الرجال فالأمر معهم مختلف حيث يقاس تدينهم وإيمانهم بطول شعر ذقونهم وزبيبة الصلاة بجباتهم،إذن يمكننا التأكيد على أن إضافة المادة الثانية بالدستور ليس له علاقة بالتقويم الأخلاقي لمواطنين الدولة المصرية والذين يحتاجون لبناء ثقافة جديدة لهم للارتقاء الأخلاقي ومن ثم المجتمعي.
كم سيكون عصريًا لو أحتوى الدستور القادم لمصر على عبارة كتلك "مصر دولة مدنية، دين الأغلبية فيها هو الإسلام وأنها تعترف بالتعددية والتسامح والمواطنة والمساواة " فبذلك نكون داعمين لفكرة المواطنة ومؤكدين على مدنية الدولة كحجر أساس بالدستور.
نهاية أحب أن أؤكد إن تلك الأفكار نابعة من إيماني الكامل بمدنية الدولة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من مضمون، لضمان الخروج من مستنقع الجهل والتخلف إلى منابع الحرية الفكرية والإبداع الإنساني بكل ما تحويه كلمة أبداع من معان، تؤدى إلى الازدهار الحضاري والثقافي وتأخذنا إلى مستقبل مشرق.
إن صناديق الانتخابات ليست إلا أداه من أدوات الديمقراطية وعلى كل من يذهب للاقتراع على الدستور، أن يكون قادرًا على قراءة موادها، متفهم لمضمونها، عالمًا بما تحويه من أهداف، وليبتعد كل من لا يستطيع استيعاب مرامها