مراد وهبة
أثناء افتتاحه لأحد المشروعات القومية قال الرئيس عبدالفتاح السيسى: «نحن نبنى دولة جديدة خالية من التمييز بين هوية دينية وهوية دينية أخرى». ومغزى العبارة أن الدولة الجديدة بلا هوية دينية. وإذا كانت الدولة كذلك فمعنى ذلك أنها لا تتسق مع المادة الثانية فى دستور 2013 والتى تنص على أن الإسلام دين الدولة ولغتها الرسمية العربية ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.
والجدير بالتنويه هنا أنه فى شهر يوليو من عام 1977 دعا شيخ الأزهر عبدالحليم محمود إلى مؤتمرإسلامى وأصدر عدة قرارات كان فى مقدمها أن أحكام الشريعة قانون مقدس سواء وافق عليه البرلمان أو لم يوافق. وفى مواجهة هذا القرار ألقى البابا شنودة فى 26 مارس 1980 خطاباً عارض فيه أن تكون الشريعة الإسلامية أساساً لقوانين تطبق على غير المسلمين، ثم أبدى خوفه من أن الدين يوشك أن يحل محل الوطنية، وبعد ذلك أصدر أمراً إلى كل الأساقفة والمطارنة والقساوسة بألا يتقبلوا التهانى بعيد القيامة. وفى مواجهة هذا الأمر ألقى الرئيس السادات خطاباً فى مجلس الشعب أعلن فيه أن البابا شنودة يريد أن يكون زعيماً سياسياً للأقباط فى مصر بل أن يكون رئيساً لدولة الأقباط فى صعيد مصر تكون عاصمتها أسيوط. ثم استطرد قائلاً: «إن البابا يجب أن يعلم أننى رئيس مسلم لدولة مسلمة». ومع ذلك فإن الجدير بالتنويه هنا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى اجتماعه مع الأحزاب المصرية فى الأسبوع الأول من يوليو من عام 2011 أصدر وثيقة أعلن فيها أن لكل مواطن الحق فى اعتناق أى عقيدة. إلا أن بياناً مضاداً صدر من جماعة الإخوان المسلمين وأنصار السُنة المحمدية وجماعة الدعوة السلفية يعلن فيه رفضه للوثيقة. وفى هذا السياق صدر دستور 2013 وفيه المادة الثانية التى تنص على دين الدولة.
والسؤال إذن: هل للدولة دين؟ وإذا كان لها دين فهل تحاسب فى الآخرة؟ وإذا حوسبت وجاء حسابها بالإيجاب فهل تدخل فردوس النعيم ومعها مواطنوها بغض النظر عما ارتكبوه من آثام؟ وإذا حوسبت وجاء حسابها بالسلب فهل تدخل جهنم ومعها مواطنوها بغض النظر عما قاموا به من أعمال خيرة؟ هذه الأسئلة مترتبة على القول بأن للدولة ديناً. فهل هى بالفعل كذلك؟ وأنا أجيب بسؤال: ما الدولة؟ جوابى أن الدولة صناعة بشرية أبدعها البشر فى القرن السادس عشر تطويراً للمدينة التى كان لفظ الدولة ملحقاً بها، إذ كان يقال المدنية- الدولة. ومع التطور حذفنا لفظ مدينة واكتفينا بلفظ الدولة. أما الدين فمعتقد مطلق. فإذا قيل إن للدولة ديناً فهذا القول يعنى إلحاق المطلق بالدولة، إلا أنها ليست كذلك لأنها نسبية بحكم أنها صناعة بشرية. والعلمانية هى المعبر الدقيق من هذه النسبية بحكم أنها التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق. ومن هنا يلزم أن تكون العلمانية سمة الدستور القادم ومن ثم يكون نص المادة الثانية: مصر دولة علمانية واللغة العربية لغتها الرسمية وسلطان العقل هو المصدر الأساسى للتشريع.
نقلا عن المصرى اليوم