الأقباط متحدون - رمضــان كريــم
أخر تحديث ٠٢:٠٠ | السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢ | ١٤ أبيب ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٢٨ السنة السابعة
إغلاق تصغير

رمضــان كريــم

بقلم- أنطوني ولسن
نتقدم بتهانينا القلبية إلى أشقاء وشقيقات الوطن "مصر" من المسلمين والمسلمات، كبارًا وصغارًا، ومن المسؤولين عن إدارة شؤون "مصر" من أول سيادة رئيس الجمهورية المصرية الدكتور "محمد مرسي"، إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة والجيش المصري الباسل، وإلى رجال الشرطة المصرية البواسل، وإلى رجال القضاء المصري الشرفاء، متمنين لمصر والشعب المصري صيامًا مقبولًا. ونقول لجميع المسلمين في العالم: رمضــان كريــم، أعاده الله على مصر والعالم بكل خير ومحبة وسلام.

تذكرني دائمًا هذه التهنئة بشهر الصوم الكريم بأجمل وأعز أيام حياتي التي عشتها في صباي، وأنا أخطو خطوات الشباب في المدرسة ثم العمل كرجل والدراسة الجامعية. وأنا صبي على ما أتذكر كان عمري 7 سنوات تقريبًا عندما يهل علينا شهر رمضان أنا ومن في سني من أبناء الحي، أهم شيء الاستيقاظ حتى يأتي وقت السحور لنسير مع "المسحراتي" مبهورين بصوته وهو يردد: "إصحى يا نايم وحد الدايم ولا دايم غير الله. السحور يا عباد الله"، وغير ذلك من عبارات لها معانٍ مع دقاته على "الطبلة" الصغيرة بقطعة جلد في يده في رتم موسيقي جميل.
كنت في كثير من الأحيان أستأذنه وأمسك بالطبلة والجلدة محاولًا تقليده إن كان في النغم أو ما يقوله من جمل.

في أيام الشباب، إن كان في فترة الدراسة الثانوية أو الجامعية، كنا في رمضان نذهب إلى حي الأزهر، حيث توجد قهوة "الفيشاوي" الشهيرة، وهي ملتقى الفنانين والأدباء والشعراء، ونحن شباب مصر المتطلعون إلى المعرفة والعلم وقضاء سهرة جميلة نبدأها بالذهاب إلى محل "فطاطري"، ويطلب كل منا "فطيرته" كما يحبها أن تكون عليه.. محشية باللوز والجوز، أو مجرد رش سكر بودرة عليها، وبالهنا والشفا ناكل ونضحك والحب مالي قلوبنا، بعدها نروح على قهوة "الفيشاوي" ونطلب الشيشة العجمي والشاي الأخضر، ونقضي سهرات حلوة وجميلة طوال شهر رمضان المبارك في محبة وتناغم لا تعرف من هو المسلم ومن هو المسيحي. كلنا مصريون. أليست هذه حقيقة؟!. أم أخطأ أهالينا في تربيتنا ونشأتنا على المحبة والتآخي والوحدة الوطنية؟!!.

في العمل بمصلحة الأحوال المدنية، والتي بدأت بقسم البطاقات الشخصية التابع لمصلحة تحقيق الشخصية، كنا في رمضان مثل بقية الدواوين والمصالح الحكومية نبدأ العمل الساعة العاشرة صباحًا، وكنت في أول يوم للشهر المبارك قبل أن أتوجه إلى مكتبي أمر على مكاتب وكيل عام المصلحة العميد "محمود أنور حبيب" وبقية المفتشين مهنئًا في الفترة الأولى لعمل "قسم البطاقات"، ثم بعد ذلك "مصلحة الأحوال المدنية". ومن الطبيعي أيضًا تهنئة بقية الزملاء في الأقسام المختلفة. بعدها أعود إلى مكتبي لأجد كوب الشاي والسيجارة، وعند اعتراضي كان الزملاء المسلمون يردون عليّ بالقول: "نحن نصوم وننال الثواب على صيامنا لتمسكنا بقرآننا وتعاليمنا الإسلامية. وما ذنبك أنت؟!.. كما إذا منعنا كل إنسان من الأكل والشرب ما معني الصيام؟!!.. أليس الصيام هو مغالبة شهوات الجسد ورغبات الإنسان؟!!".

الذكريات الجميلة للإنسان لا تمحوها عواصف عدم الاستقرار، ولا تشدد المتشددين كما نرى هذه الأيام؛ لأنها ذكريات منقوشة على حجر وليست على رمال أو مياه البحار.

كنا إذا قام أيٌّ منا، مسلم أو مسيحي، وهو يحيي الآخر بحلول شهر رمضان المبارك  القول "رمضان كريم"، فيكون الرد: "اللهُ أكرم".

أما  هذه الأيام، عن نفسي لو قال مسلم أو مسيحي "رمضان كريم"، سيكون ردي: "اللهُ أعلم".. لأن الله هو وحده الذي يعلم هذه الأيام إن كان رمضان كريمًا أم لا.

رمضان كان كريمًا بأهله وناسه ووطنه، وكان الجميع واحدًا، المسلم يراعي خاطر المسيحي، والمسيحي يراعي خاطر المسلم، في محبة وتفاهم ووئام. لم يحدث أن كفر مسلم مسيحيًا لأنه يدخن سيجارة في الطريق العام، ولم يأمر مسلم مسيحي أن يطفيء سيجارته ويختشي على دمه، لأن الواقع أن كل منهما كان يرعى شعور الآخر بمحبة واحترام كأبناء أسرة واحدة صام أحد أفرادها رمضان والآخر لم يصم. هذا يأخذ ثواب الصيام والآخر لا فرض عليه أن يصوم. وهكذا كانت الحياة جميلة مليئة بالمحبة والأخوة الصادقة، فكان كلٌ منا يراعى شعور أخيه.

فجأة تغير الحال من حال إلى حال.. من محبة وإخوة بين جميع أبناء مصر إلى كُره وعدم تسامح وفرض أفكار بالقوة على الغير. وازدادت الفجوة وإتسعت دائرتها، ونفر كل من الآخر. ومع فساد الحكم إبان حكم "مبارك" وعدم رعاية الحاكم، وجد الانتهازيون فرصتهم بتغيير الشكل العام للمجتمع المصري، الشكل الحضاري المميز في الشرق الأوسط، فتحولت مصر إلى دولة تكفيرية يكفر فريق الآخر ويتعامل معه على أنه كافر، وعليه أن يعرف أنه ذميّ، فلا حق له في الاعتراض على أي شيء، ولا مجرد التفكير في تولي أي منصب هام من مناصب الدولة، وعليه دفع الجزية وهو صاغر. هذا إذا كان غير مسلم. أما إذا كان مسلمًا ولا ينتمي إلى هذه الجماعة أو تلك من الجماعات الإسلامية، فهو أيضًا يُعامل معاملة غير كامل الأهلية.

تعيش مصر هذه الأيام مرحلة القلق وعدم الاستقرار، فقد أخذت جماعة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بفرض نفسها على الشارع المصري في جميع أنحاء الجمهورية. تكفر من تشاء، وتتحرش بمن تراه غير ملتزم إن كان في الملبس أو الشكل العام. وحدثت أحداث كثيرة في الآونة الأخيرة ما كان لها أن تحدث.

"مصر" الآن على المحك، إما أن تكون أو لا تكون. والكينونة هنا تتجاذبها تيارات وأيديولوجيات متنافرة، كل منها لا نستطيع أن نتكهن بما يريد أو ينوي عمله في "مصر". التيارات الإسلامية وضحت رؤيتها، وكانت تعد لهذا اليوم منذ زمن طويل. العسكر لا شك لهم في الحب جانب، ليس من السهل عليهم ترك الرئاسة بعد طول مدتها. لكن هناك لوم يلامون عليه.

ثورة 25 يناير 2011 كانت ثورة شعب فاض به الكيل وطفح. ساند الجيش الشعب ولم تحدث اعتداءات منه ضد الشعب، لكنه في الوقت نفسه لم يكن صاحب قبضة حديدية بعد تخلي "مبارك" عن إدارة البلاد. بعدها حدث التخبط في إدارة شئون "مصر".

العسكر لا يريدون إراقة دماء. الإخوان يريدون السلطة بعد أن أطاحوا بالثوار الحقيقيين ونسبوا الثورة لأنفسهم. كلما أظهر العسكر قوتهم، نرى الإخوان والسلفيين يزدادون صلابة وإظهار شعبيتهم في ميدان "التحرير" الذي أصبح ميدان التيارات الإسلامية، التي تلجأ إليه في مليونيات بأسماء متعددة حسب ما يطالبون به، مما أتاح لهم الحصول على مجلس الشعب والشورى، وبدأوا في كتابة الدستور، وحاولوا إسقاط حكومة "الجنزوري"، ثم فوزهم بكرسي رئاسة الجمهورية. ولا أحد يعرف ماذا تحت الرماد، فالصراع مازال مستمرًا بينهم والعسكر والقضاء والقوى الليبرالية. فأين الأمان والاستقرار في مصر؟؟!!.

هذا ما دفعني إلى القول: "إذا قال مسلم أو مسيحي رمضان كريم"، وكتبت: "سيكون ردي عليه: اللهُ أعلم". وهذا ما أشعر به هذه الأيام.. لا أحد يعرف إن كان رمضان من الآن فصاعدًا كريمًا أم لا!!؛ لأن الخوف بدأ يجد له مكانًا في قلوب البسطاء من الناس. لذا لا أحد يعلم إلا الله الذي هو وحده يعلم.

من يكتبون الدستور الآن هم سبب الخوف الأساسي. يطالبون بأن يشمل الدستور مادة تحدد أن السيادة "لله". ولا أعرف معنى ذلك وهو شيء يؤمن به الناس في "مصر" عن طريق إيمانهم إن كان إسلاميًا أو مسيحيًا، ويتعاملون به منذ المسيحية الأولى ومنذ ظهور الإسلام.

المسلم الذي آمن بالإسلام عن طريق رسول الله محمد "صلعم"، عرف أن السيادة كما أمره رسوله "لله وحده"، الذي أنزل عليه القرآن الكريم، والذي أعطى الحرية للإنسان "من شاء فليؤمن.. ومن شاء فليكفر"، والله وحده صاحب سُلطة الثواب والعقاب، فكيف يريدون تحويل هذه السلطة إلى بشر باسم الله عز وجل؟؟!!.

الأزهر الشريف لم يُترك لحاله، لكنهم في محاولة خبيثة أضافوا إلى المادة الثانية الخاصة بالشريعة الإسلامية فقرة تعطي الأزهر الشريف قوة التغيير والتبديل في هذه المادة لما يراه شيخ وعلماء الأزهر، في الوقت الذي سبق وأظهروا أنهم بصدد الاستحواذ على بعض من مؤسسات الدولة: الداخلية، والجيش، والخارجية، والتعليم، والأزهر الشريف.. وإلخ من مؤسسات". وقد فطن فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور "أحمد الطيب" إلى ذلك، فبعث مطالبًا بعدم إدراج هذه الفقرة بالمادة الثانية للدستور.

أختم متمنيًا من كل قلبي للمسلمين أينما كانوا في "مصر" أو غير "مصر" احتفالًا مباركًا بحلول شهر رمضان، بأن يجعلونه فعلًا لا قولًا شهرًا مباركًا كما عهدناه وعشناه سنوات وسنوات طوال، حُرمنا منها بسبب فئة من الناس جاءتها الفرصة لتحكم فأرادت بدلًا من إصلاح ذات البين للنهوض بمصر، وجدناها تقلد تقليدًا أعمى حكم "مبارك"، ويسيرون على نهجه، وزادوا عليه. وهذا ما لا يطمئن من يحبون "مصر".


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter