لم أكن أتخيل أن يحدث فى العالم ما حصل.. لا بالخيال الواقعى ولا بأى نوع من أنواع الخيال، حتى العرافين قالوا إن هناك كوارث فى الطريق لكنى لم أكن أتخيل هذه الكارثة غير المتوقعة التى شملت العالم كله، وأثبتت أن المجالات الصحية فى أعظم دول العالم هشة وانكشف المستور.
وكنت فى بداية الجائحة أنبّه الناس إلى أن يأخذوا حذرهم، لدرجة أن عم حسن حارس العمارة قال لى «اللى بيخاف من العفريت بيطلعله».
وكان أول مواجهة لهذا الخطر الأليم فى منزلى الذى أسكن فيه حيث أصيب أحد السكان وأصابنى هذا بذعر شديد، نبهت على حارس العمارة أن كل الناس عند ركوب الأسانسير تضع الماسك ويتم التطهير يوميا بشكل سليم. إلى أن العفريت طلعلي! أصيبت زوجتى فى أول الأمر وعزلت فى شقة أخرى وحدى محاولا الإفلات ولكن لم ينجح الأمر.. وفى أثناء هذه الفترة أصيبت أذنى بألم شديد ولم أكن أعتقد أنها بسبب كورونا ولكن اكتشفت فيما بعد أن الكورونا هى السبب، حاولت المراوغة بأنى سليم ولم أكن كذلك، إلى أن تدهورت الأحوال فقرر أبنائى نقلى إلى المستشفى، فجاءت عربة الإسعاف وهنا الحيرة أين تذهب؟ فبالواسطة قرروا الذهاب إلى مستشفى كليوباترا فى مصر الجديدة، استقبلنى مدير المستشفى بحفاوة شديدة ولكن بعد فترة وجيزة أبلغنى أن ليس هناك مكان بالمستشفى! وجدت أخيرا مكانا فى مستشفى السلام الدولى. الرحلة من مصر الجديدة إلى المعادى رحلة مؤلمة للغاية، فنقلت بعربة الإسعاف إلى السلام الدولى، وعندما وصلت بعد اتخاذ الإجراءات نقلونى إلى حجرة بمفردى، ولكن مدير الرعاية الصحية قرر نقلى إلى حجرات العزل، فنزلت إلى حجرة العزل وكانت هذه الطامة الكبرى.. ناس بتصرخ وناس بتتألم وهناك رجل كبير السن طوال الليل والنهار ينادى على «عزة».. مين عزة؟ الله أعلم. إلى جانب وجود مجموعة التمريض فى نفس الحجرة وكأن ليس هناك مرضى والأحاديث بصوت عالٍ ومزعج! ولا تستطيع فى هذه الأجواء أن تنام. وبالمناسبة الدكتور جمال شيحة عنده جمعية أهلية بها معهد يخرِّج ممرضين وممرضات على أعلى مستوى.
انتظرنا الطبيب المعالج الأخصائى للمرور فجاء الرجل ولم ينقطع الأكسجين من أنفى. واستمررت على هذا الحال لمدة 10 أيام لا نوم ولا راحة، وفى هذا المجال أريد أن أشكر الدكتور حازم والدكتور أحمد الحارس والدكتور أحمد سعيد. وفى آخر الـ10 أيام قرر الطبيب المعالج أن يرفع عنى الأكسجين وخرجت ونقلونى إلى حجرة بمفردى، طبعا استدعاء التمريض وأنت فى حجرة بمفردك مسألة تحتاج إلى جهد كبير.
استمررت فى هذا الأمر لمدة 4 أيام إلى أن قرر الأخصائى أن أعود إلى منزلى مع قائمة كبيرة من الأدوية لمدة أسبوعين، وانقضى الأسبوعان بسلام.
***
الجانب الآخر من هذه التجربة كان كمّ الحب والتعاطف من الناس لم أكن أتخيله.. كل الناس تدعو، كل الناس تتمنى الشفاء. مكالمات من كل أنحاء العالم من أستراليا وإنجلترا وكندا والولايات المتحدة وأقربائى فى الخارج انزعجوا انزعاجا شديدا فبدأوا يتساءلون عن حالتى، أنا أعتقد أن كمّ الحب هذا كان فاعلا فى شفائى. وعرفت أن الحب الذى حظيت به كان بشكل لم أتوقعه لدرجة أن الدكتورة «نبيلة» زوجة الدكتور «أحمد البرعى» أبلغتنى أنه عندما تسمع ضحكة الدكتور البرعى تعرف أننا نتكلم، ماذا أقدم للناس مقابل هذا الحب؟
هذه التجربة تجربة قاسية جدا وأنا أحذر الناس من أن الإصابة قد تكون بسيطة وقد تكون جسيمة، والذى تعرضت له كان جسيما. أردت أن أعرض تجربتى بدون أى خوف أو خجل؛ لأن هذه هى الحقيقة التى يجب أن يعرفها كل الناس، ويحاولون قدر الإمكان أن يلزموا بيوتهم ويلبسوا الكمامات ويحظروا التجمعات؛ لأن هذا هو الخطر الحقيقى. هل وفقت فى عرض ما أصبت به؟ أعتقد. هل يستمع الناس إلى النصائح لعدم التعرض لهذا الوباء اللعين؟ أعتقد أنه يجب أن يستمعوا، ولا يهم دفع الغرامة ولكن يهم وضع الكمامة واتخاذ تعليمات التباعد كما تقول وزارة الصحة.
الأمل كل الأمل فى التطعيمات التى نجهل إلى الآن متى يتم تطعيم كبار السن! الكميات التى وردت إلى مصر كميات ضعيفة للغاية، فى حين أنه تم فى إنجلترا تطعيم 650 ألفا فى اليوم! ونحن نحتاج إلى 122 ألف تطعيم للأطباء وهيئات التمريض، وأنا أسأل الحكومة أن تجلب المزيد من التطعيمات؛ لأن هذا هو الأمل الوحيد، فهل تستجيب؟ نتمنى من وزيرة الصحة أن تضع لنا جدولا زمنيا للتطعيمات حتى تطمئن قلوب الناس بأن الحكومة جادة فى هذا الأمر. والخبر المفرح هو استجلاب المصل الإنجليزى من الهند، ويجب أن يكون هناك وضوح فى أثر المصل.
***
سألت الدكتور «محمد غنيم» هل تأخذ المصل؟ فقال نعم؛ لأنه ليس هناك سبيل آخر، أعداد المصابين فوق التصور وخاصة فى الريف والأماكن البعيدة. هذه مسئولية الدولة ومسئولية وزيرة الصحة. وكثير من الناس لديهم الاستعداد بأخذ المصل الصينى، لأنه ليس هناك خيار آخر، ونتمنى أن يكون المصل مجانا.
وبالأمس قدم الأستاذ/ خالد على والأستاذ/ الميرغنى دعوة أمام مجلس الدولة ليكون المصل مجانا، هل ينجحون فى ذلك؟ أتمنى.
أرجو لكل المرضى الشفاء العاجل وتجنب الناس الإصابة، ولا نعلم كيف ومتى سوف تنتهى هذه الجائحة، أعتقد أن الصيف القادم سيكون حاسما فى هذا الأمر، نتمنى ذلك. أرجو ألا أكون قد أزعجت أحدا فى هذا العرض.
تحية لكل الأصدقاء ومحبتى وتقديرى وشكرى، وألف سلامة لكل الشعب المصرى من هذه الجائحة التى لم تكن متوقعة. تحياتى وحبى لكم وأشكركم ومتعكم الله بكل الصحة والعافية.
نقلا عن الشروق