الاربعاء ٢٥ يوليو ٢٠١٢ -
٤٤:
٠٩ ص +02:00 EET
بقلم: د. وجدي ثابت غبريال، ومدحت قلادة
يسعى كل المصريين أن يحيون تحت لواء "دولة القانون" التي تنشر السلام بين المصريين وتبهج مشاعرهم على إختلاف فئاتهم وأطيافهم وأعمارهم.
لذلك قامت ثورة 25 يناير لتتغير مصر للأحسن، فقديماً ردد المصريون كلما رصدوا إنعدام العدل والمساواة بين الناس بعضها البعض (اللي له ظهر ما ينضربش على بطنه) في ذلك الوقت طُبِق القانون على الضعفاء والبسطاء وتم القصاص من الضعفاء ونجا الأقوياء من أحكام قضائية عديدة.
بعد الثورة ما زال يحلم المصريون بدولة القانون الحازم.. يخضع له كل شعب مصر حاكم ومحكوم... ففي يوم هادئ تأملت مصر بعد الثورة ووسط الأحداث الصاخبة وظهور البلطجية الجدد لإرهاب قضاة مصر وبعد إهانة القضاء... إتصلت برجل عرفته حديثاً ولكن شعرت أننا أصدقاء منذ زمن بعيد فأصبحت أثق في آرائه السديدة وحكمه على الأمور بحياد تام وتأكدت يوماً بعد يوم أنه غير مُسيَّس وأنه يقف على بعد متساوِ من الكل لا يهمه سوى مصر وتطبيق صحيح القانون وخاصة أن الأحكام الدستورية مجال تخصصه... إنه صديقي العالم في مجاله أستاذ القانون الدستوري بفرنسا الدكتور وجدي ثابت غبريال، لم أجد غيره لأسترشد برأيه في سؤال هام هل الأخوان يحترمون القضاء؟.
فرد عليَّ قائلاً:
ليس للأخوان مشكلة مع القضاء برمته ولا أعتقد أنهم في أزمة مع القضاء المدني أو التجاري أو الجنائي وإنما أزمتهم مع قاضي القانون العام، ونقصد بذلك القضاء الإداري والدستوري الذي يجازي بالإلغاء أو البطلان أعمال السلطات العامة.
فمن ناحية أولى:
للأخوان أزمة مع القضاء الإداري لأنه منذ قيامه سنة ١٩٤٦ كان له دور كبير في تحديد وتحجيم نشاط الإدارة من خلال مبدأ خضوع الإدارة للقانون فهو القضاء المستقر منذ خمسون عاماً وعدم قبول ذلك اليوم والظن بأن الحكام الصادرة أخيراً ضد الأخوان تتضمن حلولاً مستحدثة هو وهم كبير مذري يجب أن يفيق منه الأخوان، وعليهم أن يراجعوا مجموعة الأحكام القضائية لمجلس الدولة المصري المنشورة في خمسين عاماً ليعرفوا أن القضاء الإداري عمل دائماً ذات المبادئ سواء عند نظره دعوى إلغاء الإعلان الدستوري أو عندما نظر حل الجمعية التأسيسة الأولى، والمشكلة مع القضاء الإداري مردها أن هذا الأخير هو الرقيب على حسن أو سوء تطبيق الإدارة للقانون، وهو الذي يراقب إذا كان هناك تعسف في إستعمال السلطة أو الإنحراف بها من عدمه، المضحك المبكي أن المواطن عنده إنطباع غريب وهو أن الأخوان يكتشفوا اليوم فقط دور القضاء الإداري! و الأغرب أنه لا طاقة لهم ولا باع بإحتمال القيود العديدة التي تفرضها أحكام القضاء والقانون على ممارسات السلطات العامة، المشكلة هي في عدم إستطاعتهم الحكم تحت قيد القانون! المشكلة ليست في قضاء مستقر منذ نصف قرن ولكن في العجز الكامل عن الحكم تحت نير القانون والقاضي من فوقهم رقيب.
المشكلة في النهاية هي رد الفعل المتشنج العصبي كلما خسروا دعوى يخسرها كل يوم مائة جهاز إدارى في مصر تطبيقاً لذات القواعد.
ومن ناحية ثانية:
للأخوان مشكلة أخرى مع الشكل الأسمى لقضاء القانون العام ألا وهو القضاء الدستوري.
والأزمة هنا ليست فقط أزمة صدرية أو ضيق تنفس أخواني كما هو الحال مع الصحافة أو مع القضاء الإداري وإنما جذور الأزمة أعمق بكثير وهي تتعلق بالإصطدام الدرامي الحاد بين شرعية القضاء الوظيفية للمحكمة الدستورية ودورها في إحترام المبادئ الدستورية العامة كالمساواة وتكافؤ الفرص من ناحية وشرعية الإنتخاب التي يتشدق بها الأخوان عشرة مرات في الدقيقة الواحدة من ناحية أخرى، والواضح أنهم لم يفهموا بعد أن الإنتخاب لا ولن يعطيهم - لا هم ولا أي حاكم آخر في مصر ولا حتى في خارجها - سلطة مطلقة أو كارت بلانش يسطرون عليه ما يشاؤون بلا رقيب أو قيد، فالقاضي الدستوري يراقب ليس فقط دستورية لوائح الإدارة ومراسيمها ولكن أيضاً دستورية التشريع الصادر من السلطة التشريعية المنتخبة، لأن شرعية القاضي الدستوري تُبْنَى هنا على أساس وظيفي محض ألا وهو دوره في حماية الحقوق والحريات الأساسية ضد كل قاعدة تشريعية تخالفها أو تهدر المبادئ الدستورية العامة.
هذه هي الدولة الحديثة:
إذا شئتم للإنتخاب شرعية وللقاضي شرعية وللحكومة شرعية وللقانون والمبادئ الدستورية العامة شرعية أيضاً ولا يجوز أن تتغول شرعية على أخرى والديموقراطية البرلمانية التي عرفتها الدول الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية قد أسلمت قيادتها في العالم كله إلى ما يسمى بالديموقراطية الدستورية التي تعني خضوع كافة مؤسسات الدولة للدستور.
هذا أيضاً من المبادئ والتقاليد القانونية العامة التي لم يفهمها الأخوان في النظام القضائي المصري، أما الإدعاء الغبي والأصم بأن كل من لا يشاطرهم الرأي فلول أو أن كل من يعارضهم متآمر وأن تطبيق المبادئ الدستورية العامة عليهم خيانة للوطن إنما هو بله وجهل وتجاهل مؤلم لإرادة ملايين من المصريين الذين تمنون لمصر زوال مبارك إلى الأبد وفي نفس الوقت أملهم سير المؤسسات السياسية للدولة على النحو الذي يحترم الدستور والقانون.
فأي فضل "للحرية والعدالة" إذا صُنعوا مثل المخلوع؟ وانتهوا بأنفسهم..