الأقباط متحدون - هل مضى مبارك وسيبقى شبحه؟
أخر تحديث ٠٠:٣٤ | الخميس ٢٦ يوليو ٢٠١٢ | ١٩ أبيب ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٣٣ السنة السابعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هل مضى مبارك وسيبقى شبحه؟

بقلم منير بشاى- لوس أنجلوس
 
الشعوب تصنع حكامها، وبالتالى يمكن ان يقال ان الشعوب تستحق حكامها.  فسواء كانت الشعوب هى التى وضعت الحاكم على كرسيه، أم هو الذى فرض نفسه، فان الشعوب بقبولها له والاستمرار فى الخضوع له وفى تملقه الذى قد يصل أحيانا الى التأليه، هى من تصنع منه ديكتاتورا وطاغية.
 
رغم كل أخطاء وخطايا مبارك التى كنا نعرف بعضها، ونحس بالبعض الآخر، ثم اكتشفنا الكثير مما لا نعرفه بعد رحيله، لكن كان الأقباط يعتبرونه أفضل من غيره. واستطاع مبارك أن يلعب على هذا الوتر فكان دائما يقول للاقباط "أنا أو الأخوان" ويقول لبقية الشعب المصرى "أنا أو الفوضى". ومع ان المنطق صحيح فبغياب مبارك فعلا صعد الاخوان للحكم وفعلا عمت الفوضى وساد الانفلات الأمنى فى مصر. ولكن لا أدرى لماذا كان المتاح للشعب المصرى عامة والقبطى خاصة خيار من اثنين  كلاهما مر؟  لماذا لم يكن هناك اختيار ثالث غير مبارك وغيرا الأخوان؟  
 
ومع ذلك لا أميل الى وضع المسئولية بكاملها فى احضان الرجل وأعتقد ان سبب المشاكل كانت الحاشية التى حوله والتى أعماها الغرور فتجبرت وطغى عليها الجشع فنهبت البلاد وغابت عنها المبادىء فلجأوا الى الفساد فى الحكم هذا بالاضافة الى الاهمال وانعدام الضمير فى ترك مرافق الدولة تنحدر الى درك سحيق دون تدخل. وقد ساعد ذلك اما ثقة مبارك العمياء فيهم أو عدم مقدرته القيام بأعباء وظيفته لكبر سنه ومرضه. وان كان هذا لا يعفيه من مسئولية اساءة الاختيار والخلل فى الاشراف والمتابعة لمن يعملون معه.
 
والمؤكد ان مبارك لم يكن منصفا فى علاقته مع الاقباط فقد عانى الأقباط فى عصره من كل تلك المشاكل التى واجهت بقية الشعب المصرى وفوق ذلك عانوا أيضا من مشاكل خاصة بهم وحدهم. من هذه المشاكل الاعتداءات الارهابية التى تفاقمت فى عهده دون تحرك من الدولة بالتصدى للمعتدين أمنيا أو قضائيا، فلم نر أحكاما تصدر من القضاء تتناسب مع حجم هذه الجرائم. بل قيل ان الدولة كانت ضليعة فى بعض هذه الجرائم كما يعتقد انه حدث فى حادثة كنيسة القديسين، فلم يقبض على واحد ممن ارتكبوها أو يقدموا للمحاكمة أو يصدر حكم على أحد فيها وأخيرا تم وضع القضية برمتها فى الأدراج. وكانت الاصبع وما تزال تشير الى ضلوع وزير الداخلية السابق حبيب العادلى. ولا ننسى ما كان يشاع أن بعض البلطجية كانوا يعملون لحساب أمن الدولة وكانوا يستخدمون لارتكاب أعمال اجرامية ضد الأقباط وغيرهم لأغراض سياسية. ولا ننسى ان السلفيين قاموا بنحو 18 مظاهرة عنيفة ضد الأقباط وكانوا يدوسون بصورة قداسة البابا تحت اقدامهم بينما كانوا تحت سمع وبصر قوات الأمن.
 
و نظام مبارك هو الذى ابتدع نظرية اشراف الأمن على الملف القبطى وكان هذا يؤكد اعتقاده ان الوجود القبطى فى مصر انما هو مشكلة أمنية.  وكان هذا الفكر يحكم كل علاقة الدولة بالاقباط. فبناء الكنائس كان لا يتم الا بعد موافقة الرئيس نفسه وبعد قبول الأمن. والترقيات للوظائف العليا لا تتم الا بتقتير شديد ولا تمنح الا لأصدقاء النظام والموالين له. والتمثيل النيابى نادرا ما يحدث بالانتخاب  بل يتم بتعيين قلة تكون الدولة صاحبة الفضل عليهم ولا يكون لهم ولاء لمن يمثلونهم فى الدوائر الانتخابية.
 
ولكن رغم هذا استطاع مبارك ان يقنع الأقباط انه أفضل من البديل. بل وقيل انه استطاع أن يقنع القيادات القبطيية أن يتحملوا ما يكال ضدهم من اضطهاد (قليل) لأن هذه هى الطريقة الوحيدة التى يستطيعوا بها تفادى اضطهادا أكبر لو صعد الأخوان للحكم. وبطريقة أو أخرى استطاع ان يقنع الأقباط بضرورة أن يقبلوا الظلم أحيانا لايجاد نوع من التوازن فى المجتمع. وكان مبارك عندما يعطى الأقباط بعضا من حقوقهم مثل تصريح لبناء كنيسة يحرص أحيانا على الكتمان ويطالبهم باحتفاظ السرية الكاملة لئلا يثور على الأقباط المتطرفون. ولست أعتقد أن مبارك كان يتبع هذه الطريقة، لأنه انسان متعصب أو ظالم يكره الأقباط ولكن لأنه كان يحاول ارضاء الطرف الأقوى الذى كان يخشى من رد الفعل عنده اذا أحسن معاملة الأقباط.
 
والآن مضى مبارك ولكن هل تخلص الأقباط من شبح مبارك؟ الحاكم الجديد قد  يختلف عن مبارك شكلا ولكن قد يتفق معه فى كل شىء آخر فيما يتعلق بالأقباط.   المشكلة التى واجهت مبارك سوف يواجهها الرئيس الجديد وهو الخوف من الطرف الأقوى والاكثر عنفا الذى تأتى منه المتاعب. والحل الأسهل لأى رئيس هو الاستمرار فى ظلم الضعيف (الأقباط) وارضاء القوى حتى لا يتهم انه يحابى غير المسلمين. 
 
كان مبارك يظلم الأقباط تحسبا من رد فعل الاسلاميين. ومن سخريات القدر ان يخلف مبارك د.محمد مرسى مرشح الأخوان المسلمين. ورغم تعهداته فى مرحلة الترشيح بحسن معاملة الأقباط الا أننا الأن فى مرحلة ما بعد التعهدات، لقد وصلنا الى مرحلة التنفيذ لتعهدات كثيرة لا نعلم ان كانت ستنفذ.  هل نفس الايلوجية التى تسببت فى ظلم الأقباط ستظل موجودة وان كانت قد انتقلت من تأثير غير مباشر فى عهد مبارك الى تأثير مباشر فى عهد مرسى. محاولات التغيير لسحب حقوق من الأقباط قد بدأت فعلا تظهر فى اقتراحات تغيير نصوص الدستور لتطابق الشريعة الاسلامية. 
 
على الأقباط ان لا يقبلوا الظلم سواء كان صغيرا أو كبيرا تحت أى مسمى وبناء على أى تبرير. وعليهم أن  يرفضوا الظلم سواء من حاكم علمانى يحكمهم بمرجعية اسلامية أو حاكم اسلامى يحكم بنصوص الشريعة الاسلامية. والطريقة لتحقيق ذلك ان يعودوا الحاكم الجديد على ما يقبلوه وما يرفضوه من البداية. فالشعوب هى التى تصنع الحكام وبالتالى فان الشعوب تستحق حكامها.  والأقباط يستحقوا ان يعاملوا بالعدل والمساواة بعد ظلم طويل.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter