عاطف بشاي
«هالنا ما رأيناه، وقد وصل الأمر بالبعض إلى وضع إعلانات صيانة غسالات وثلاجات على تماثيل مصر قديمًا وحديثًا.. هذا غير تراكمات عوادم السيارات والزيوت والأتربة الملتصقة بالتماثيل وقواعدها..»..
العبارة السابقة جاءت فى تصريحات «مصطفى الوزيرى»، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، بمناسبة انطلاق حملة تنظيف وترميم التماثيل فى الميادين العامة بالقاهرة والمحافظات، والتى بدأت بـ«أسوان»، وتشمل (23) محافظة بواسطة مرممى المجلس، بإزالة الكتابات المشوهة والأتربة العالقة باستخدام أسلوب التنظيف الميكانيكى، بالإضافة إلى الحماية والتقويم والعزل لإعادة إحياء وإبراز رونقها وجمالها الفنى، وفى إطار الارتقاء بالمستوى الحضارى للميادين بعد تراكم الإهمال والتعديات التى امتدت عبر سنوات طويلة.
أسعدنى الخبر الذى انتظرت كثيرًا أن يتحقق، وكتبت مرارًا وتكرارًا مطالبًا بأن ينتبه المسؤولون لإصلاح الإهمال المتراكم لثروتنا من تماثيل الميادين التى كانت مثار فخرنا واعتزازنا بتفوقنا التاريخى فى فن النحت منذ قدماء المصريين وحتى الرواد العظام «مختار» و«السجينى» و«هجرس»، والتى تئن وتنتحب الآن من فرط الأتربة والقاذورات التى تغطيها، والتشوهات التى لحقت بها أثناء حكم الإخوان، مثل تشويه تمثال «أم كلثوم»، بل الإطاحة برأس تمثال عميد الأدب العربى وأحد رموز التنوير العظام «د. طه حسين» فى مسقط رأسه بالمنيا فى ميدان بها.. فقد انتقموا منه بعد موته.. أطاحوا برأسه بعد أن فشلوا فى الإطاحة برأيه.. فعادوا بنا إلى عصور سحيقة من التخلف والجهل، بسطو صريح على عقل أمة وتراث شعب وتاريخ حضارة، باعتبار أن التماثيل محرمة، لأنها صنعت للعبادة وليست فنونًا راقية تجسد أفكارًا سامية وإبداعات إنسانية عظيمة.
كما شمل الإهمال تمثال توت عنخ آمون حينما تعرض لترميم خاطئ ألحق به ضررًا بالغًا باستخدام لاصق «أوهو» تسبب فى وجود منطقة صفراء شفافة بين اللحية وبقية القناع، حاول أحدهم إزالتها بآلة حادة مما أدى إلى حدوث خدوش شوهته.. وقد كان الحدث وقتها مجالًا للتهكم ورسوم الكاريكاتير المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعى وصفحات المجلات، منها كاريكاتير يقول: «ممنوع الاقتراب.. لحد اللزق ما ينشف».
وفى أحد المتاحف بمحافظة «سوهاج»، تم تثبيت رأس تمثال أثرى بالمسامير، وذلك باستخدام «شنيور» وثقب القطعة الأثرية ذاتها.. وأصدرت وزارة الآثار وقتها بيانًا متهافتًا بادعاء أن هذه الطريقة استُخدمت فيها دعامات معدنية بصفة مؤقتة لحين تثبيت هذه القطع على قواعد العرض المتحفى الخشبية والمعدنية المعدة خصيصًا لها، وأن هذه الدعامات سوف تتم إزالتها بعد ضمان التأكد من عملية التثبيت على القواعد.
لقد أصبح وقتها تدمير التراث الفنى عادة.. وازدراء الجمال أمسى مقدمة منطقية لسيطرة القبح والدمامة.. وصار من الطبيعى أن نصحو كل يوم على خبر مفزع يتصل بتشويه أثر أو تحطم تمثال أو سرقة أيقونة أو تلف لوحة.
والحقيقة أن المكفرين الذين يكرهون الفنون ويشيعون ثقافة التجريم والتحريم والمصادرة من خلال فتاواهم السامة قد أثّروا تأثيرًا خطيرًا فى العامة الذين اعتبروا أن تلك الخزعبلات أوامر أو مسلمات فقهية لا تقبل المناقشة أو المراجعة، مما دفع سيدة ملتاثة أن تقفز سور فيلا متحف المثال «حسن حشمت» وتحطم أحد التماثيل الموجودة فى حديقة الفيلا، باعتبار أنه صنم.
وفى ظل تنامى التيارات المتطرفة بعد وصول الإخوان إلى الحكم وتصاعد نشاط التكفيريين الذين وصفوا الحضارة الفرعونية بالعفن، وغطوا صدور النساء فى لوحات الفنان «عبدالهادى الجزار».. لم يعد غريبًا أن يطالب أحدهم بتحطيم الأهرامات وتمثال أبوالهول باعتبارها أوثانًا تُعبد حتى الآن.
■ ■ ■
أما الآن وقد جاءت البشارة من خلال انتفاضة حضارية تقوم بها الدولة بمبادرات نهضوية رائعة ورؤى تنويرية فى سبيلها إلى تغييرات شاملة تمحو بها تراكمات سيئة لصالح وطن عانى طويلًا من سلبيات فادحة خلال الثلاثين عامًا الماضية، وبدأت هذه التغيرات بالمشروع النهضوى الكبير بمبادرة الرئيس السيسى بتطوير قرى مصر، يتلوه هذا المشروع الحضارى بإصلاح وترميم تماثيل الميادين فى أرجاء بلادنا وفى مواجهة ما أفسده الظلاميون بتراثنا وحاضرنا الفنى العظيم، والذى نهفو إلى الالتفاف الشعبى حوله ودعمه والمساهمة فى نجاحه سعيًا لنهضة وسمو مجتمعنا.. فإنى أشعر بزهو أن ثورة يونيو تحقق ثمارها المرجوة..
مصر تتغير...
Atef.beshay@windowslive.com
نقلا عن المصرى اليوم