منى مكرم عبيد
اختيار 16 مارس يومًا لبداية الحركة النسوية فى مصر هو مناسبة للاعتزاز بجهود المرأة المصرية، التى ناضلت عبر عقود من أجل نَيْل العديد من المكتسبات، حيث خرجت لأول مرة فى الشوارع والتظاهر ضد الاحتلال البريطانى والربط بين الاستقلال الوطنى وتحرير المرأة، وما ترتب على ذلك من جهود مستمرة عبر عقود من أجل الحصول على المزيد من الحقوق والحريات، حتى عصر الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى قدم للمرأة المصرية ما لم يقدمه أى رئيس سابق، وهو ما انعكس سياسيًا فى مشاركة المرأة اللافت للنظر فى كل الانتخابات والاستحقاقات الدستورية فى السنوات الأخيرة.. ولكن! نضال المرأة المصرية يرجع إلى عقود ممتدة شاركت فيه سيدات عظيمات، ومنهن المناضلة هدى شعراوى التى سعت من أجل نَيْل المرأة حقوقها الكاملة، واستطاعت أن تقود مظاهرات النسوة وتشارك بفاعلية خلال حقبة زمنية مهمة فى تاريخ مصر الحديث وقيادة المرأة للتظاهر لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث، وأعنى ثورة 1919، حيث خرجت هدى شعراوى مع جموع المصريين لاستقبال الزعيم سعد زغلول العائد من المنفى ومعه مصطفى النحاس باشا، ومكرم عبيد باشا، وعاطف باشا بركات وشقيقه محمد بهى الدين بركات، لتبدأ بعدها سلسلة من الخطوات الإصلاحية، ومنها رفع السن الأدنى للزواج للفتيات لتصبح 16 عامًا، وكذلك للفتيان لتصبح 18 عامًا، كما دعمت تعليم المرأة وعملها المهنى والسياسى، إلى جانب دورها الملحوظ ضد تعدد الزوجات حتى إشهار أول اتحاد نسائى فى مصر.

مؤخرًا أصبحت المرأة المصرية رقمًا مهمًا فى المعادلة السياسية، وتمكنت من الترشح للفوز بالمقاعد فى المجالس النيابية المختلفة، سواء على مقاعد الفردى أو القائمة، كما نجحت المرأة فى التصدى للعديد من الملفات الشائكة كوزير فى قطاعات مختلفة، وتقدمت الصفوف فى طوابير الانتخاب، وهو ما انعكس فى نسبة المشاركة فى الانتخابات النيابية «مجلسى النواب والشيوخ» بشكل لم يحدث من قبل، وهو ما يرفع من سقف طموحات المرأة نحو الوصول إلى مواقع أخرى.

التحدى الآن فى كيفية البناء على المكتسبات التى تحققت مؤخرًا، خاصة أن جهود المنظمات النسوية تصطدم بالأفكار الذكورية دون الالتفات إلى الدور الكبير الذى تقوم به المرأة المصرية لخدمة مجتمعها، وبدون تغيير الثقافة الرجعية فى المجتمع لن تحصل المرأة المصرية على حقوقها، وبالرغم من دعم رئاسة الجمهورية، بقيادة الرئيس الشجاع والمناصر الأول لحقوق المرأة، فإن هناك تيارات ومؤسسات بالدولة تعرقل هذه الجهود، وتجعل مشوار المواطنة الكاملة للمرأة لا يزال منقوصًا. ولا يمكن أن نغفل مقترح قانون الأحوال الشخصية المُهين للمرأة والرجل والطفل، وبه العديد من المشكلات التى لا تتناسب مع الظرف الراهن، وبهذه المناسبة شاركت مؤخرًا فى ورشة عمل تفاعلية نظمها الاتحاد النوعى لنساء مصر، وكانت الانتقادات الموجهة إلى القانون هى أبرز الملاحظات، خاصة أنه يعوق تقدم الحركة النسوية، كما أنه يحوى تناقضًا واضحًا مع أهداف التنمية المستدامة والسياسات الرئاسية المصرية. خلال اللقاء، اتفقت مع ماجدة النويشى، نائبة ائتلاف البرلمانيات العربيات لمناهضة العنف ضد المرأة، فى تردى أوضاع المرأة المصرية مقارنة بحقوق المرأة العربية، خاصة أننى كنت شاهد عيان على التقدم الملحوظ الذى وصلت إليه حقوق المرأة فى تونس والمغرب، وشاركت فى فعاليات كثيرة هناك، ولمست عن قرب مدى المكتسبات التى حصلت عليها المرأة هناك، وأصبحت واقعًا وثقافة سائدة، بينما فى مصر هناك ثقافة ذكورية من جانب، وأفكار التطرف الدينى من جانب آخر، والتى تُلصق بالمرأة صفة «العورة»، والتى لا ترى فيها سوى جسد يثير الفتنة ويهيج الغريزة، وتكون المحصلة ضعف حاجز مشاركة النساء فى الحياة العامة، وبالتالى ضعف المجتمع، فالدول التى كبّلت طاقات المرأة، وهمّشت حضورها، وعزلتها عن الحياة العامة، هى التى تعانى التخلف والجمود. ستظل دعوتنا مستمرة من أجل منح المرأة المصرية كل حقوقها المسلوبة، ومواجهة التيارات الدينية المتطرفة بكل قوة، وعدم إفساح المجال لعودة عقارب الساعة إلى الوراء مرة أخرى، وما تحقق من مكتسبات خلال الفترة الأخيرة سنحافظ عليه، وسنواصل النضال من أجل أن تتولى المرأة أى منصب فى المؤسسات التنفيذية والتشريعية، كما سنواصل الضغط من أجل حصول المرأة المطلقة والمعيلة على كل حقوقها حتى لا تظل أسيرة فى ظلال رجل يتحكم فيها ويحدد ملامح طريقها. تظل المرأة كتيبة الاقتحام الأولى فى معركة التقدم فى القرن الواحد والعشرين، وهى فى نفس الوقت تمثل خط الدفاع الأول فى حماية تراث الدولة المدنية الحديثة ضد قوى التخلف والظلام كما رأينا فى ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013.

وبصفتى عضوًا فى الاتحاد النوعى لسيدات مصر، أدعو السيدة انتصار السيسى إلى أن تلعب دورًا مجتمعيًا أكبر فى الحياة السياسية بصفتها مواطنة مصرية، كما أدعوها إلى التكرم بالموافقة على رئاسة الاتحاد النوعى لسيدات مصر، والذى أسّسته العظيمة والمناضلة هدى شعراوى، وأعادته إلى الحياة من جديد العظيمة هدى بدران.

* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم