الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
إنه ليس إلهًا بل بشرًا، ولكنه بشر متميز. أحدث تغييرًا جذريًا واضحًا وأضاف الكثير. بصماته لن تُمحى. ارتبط به جيل بالكامل: كنسيًا ووطنيًا. سيرته عذبة. استمد شعبيته من انحيازه للشعب. جمع بين المواهب التي حباه الله إياها، وبين جهاده وسعيه المخلص، وإرادته الصلبة، وبُعد النظر، والكاريزما النادرة. يضحك كالطفل، ويزأر كالأسد. سريع البديهة، خفيف الظل، حضوره مهيب ومفرح في آن. حتى أنه يمكن أن يُقال عن عصره: "عصر البابا شنوده".
عندما تنيح لم يصدق الناس أنه مات كما يموت سائر البشر، فتوافدوا على دار البطريركية يصرخون طوال الليل أن: "قم لا تمت فإننا نحتاج اليك"، وفي الضعف البشري بكوا لفقدان السند والعضد والأنيس والجليس وحائط الصد ونصير الضعفاء، وما يزال يتردد في ذاكرتي ذلك الهتاف أو الصراخ غير المسبوق والممزوج بالدموع: "يا رب يقوم... يا رب يقوم". وقد أرجع البعض ذلك إلى عادة فرعونية تؤلّه الملك وتنسبه للآلهة، ولكن الأقباط لم يفعلوا هكذا مع كل من مات، ولكن ما فعلوه يشبه ما فعله الشعب قديمًا مع موسى النبي حين كادوا يعبدونه من فرط حبهم له وتعلُّقهم به، والتاريخ الحافل الذي عاشوه معًا، لذلك فالبابا شنوده هو "موسى الجديد"..
جمع البابا شنوده بين الوطنية كواحد من رموزها في عصره من جهة، ومن جهة أخرى محبته للكنيسة والأقباط وعدم التفريط في حقوقهم، ولقد دفع في ذلك ثمنًا باهظًا، لقد سُجِن بسبب دفاعه عن شعبه، وصار ذلك وسامًا على صدره وصدرنا معًا.. واكتسب احترام الكل بما فيهم الأعداء، وكان من أجمل وأعظم وأصدق ما كُتِب عنه، هو ما كتبه إخوتنا المسلمون.
وهو وإن مات يتكلم بعد..
رحل البابا شنوده ولكنه ملء الأسماع والأنظار، تسيطر ذكراه على الميديا بشكل لافت. وربما يكون ما كُتِب عنه بعد انتقاله، أكثر وأعمق وأقوى مما كتب عنه في حياته، حيث قد يُتهَم الكُتّاب في حياته بأنهم مُغرِضون متملّقون.
نعم كانت له ضعفانه مثل كل الناس، ولكنه في الحقيقة كان بشرًا غير عادي، فكيف وهو شخص واحد يجمع حوله مئات الملايين حيًا وميتًا...
إننا نفتقده كثيرًا.. ونحن هنا لسنا بصدد المقارنة مع باباوات الكنيسة الآخرين، وإنما كما يردّد قداسة البابا تواضروس إن لكلٍّ شخصيته ومواهبه..
ولكن لكل مقام (مناسبة)
نقلا عن البوابة نيوز