شهادات واعترافات
بقلم: الباحث / صبري الباجا
من أكثر القضايا المثارة في الوقت الراهن داخل الولايات المتحدة هي علاقة الإدارة الأمريكية بالأخوان المسلمين ،سواء القضية المتمثلة في قيام خمسة أعضاء بالكونجرس بإرسال خطابات إلي جهات حكومية أمريكية من بينها وزارات الخارجية والعدل بالإضافة إلي هيئات الأمن الوطني الأمريكي، تعبر فيها عن مخاوف أمنية حقيقية و مطالبة بالتحقيق مع السيدة " همة عابدين (1)" التي تعمل كمساعدة لوزيرة الخارجية بسبب إنتماء عدد من أفراد أسرتها لجماعة الأخوان المسلمين (2)، والتخوف من أن يكون ذلك جزءا من " مؤامرة " للإخوان المسلمين للتأثير علي السياسة الخارجية الأمريكية لتلبية مصالح جماعة الأخوان !؟ . أو القضية الثانية التي أثارها مؤخرا ( فرانك وولف عضو الكونجرس عن ولاية فرجينيا ) وطالب فيها بالتحقيق مع الرئيس أوباما ووزيرة خارجيه هيلاري كلينتون في الاتهامات الموجهة لهما بسبب دعم الإدارة الأمريكية لجماعة الأخوان المسلمين بحوالي 50 مليون دولار في الانتخابات الرئاسية المصرية في جولة الإعادة لصالح الدكتور محمد مرسي (3).
وكانت الزيارات واللقاءات المتتالية التي قام بها عدد من الشخصيات الأمريكية ــ النافذة في الإدارة الأمريكية ــ لجماعة الأخوان المسلمين مؤخرا بالقاهرة قد آثارت دهشة بعض المراقبين للمشهد السياسي في مصر، لكن في حقيقة الأمر أن اتصالات الأخوان السرية بالأمريكان ليست حديثة عهد لمن يعرف تاريخ الجماعة !! فقد بدأت الاتصالات مع مؤسس الجماعة حسن البنا عندما التقي برجل المخابرات الأمريكية " فيليب ايرلاند " الذي كان يعمل بالسفارة تحت غطاء دبلوماسي ( السكرتير الأول بالسفارة الأمريكية بالقاهرة ) (4) . وفي هذا اللقاء الذي فضل حسن البنا أن يتم بمنزل " ايرلاند " بالزمالك ضمانا للمزيد من السرية والحيطة ؟؟ وفقا لرواية د. محمود عساف القيادي السابق بالجهاز السري لجماعة الأخوان (5 ) وبجانب أن اللقاء كان بداية للتحالف والتنسيق بين الأخوان والأمريكان ، تقرر فيه وضع قواعد التعاون ووسائل الاتصال السري بينهما علي أساس ( الأخوان برجالهم ومعلوماتهم الداخلية عن مصر ، والأمريكان بأموالهم )(6) !!!؟ و تشير الملفات المركزية لوزارة الخارجية الأمريكية أن أحد نواب المرشد الأول حسن البنا في الأربعينات كان عميلا للسفارة الأمريكية بالقاهرة، ولشدة حرصه كان يلتقي بمندوب السفارة في منزل أحد الصحفيين ليسلمه التقارير المطلوبة وبخط يده (7).
في عهد المستشار حسن الهضيبي ( المرشد الثاني للجماعة قام الهضيبي بالاتصال بالسفارة الأمريكية بالقاهرة مطالبا الأمريكان بضرورة التعاون لتصفية بعض قادة الثورة وعلي الأخص جمال عبد الناصر وكان ذلك في خريف 1952 بعد قيام ثورة يوليو بأشهر قليلة ، وتشير( ذات المصادر ) بقيام الممثل الشخصي للسيد الهضيبي " محمود مخلوف " (تربطه علاقة مصاهرة بالهضيبي ) بطلب دعم وتأييد الخارجية الأمريكية لمساعي الأخوان الهادفة للتوصل لتسوية مع اسرائيل عن طريق اتصالات يجريها رجال الأخوان بالخارج مع زعماء اليهود بالخارج واسرائيل (8) ، وكانت هذه الاتصالات لا تتم مع السفارة الأمريكية بالقاهرة فحسب بل مع إدارة الشرق الأدني بوزارة الخارجية الأمريكية و ذلك لتأكيد الفائدة من توثيق صلة الولايات المتحدة بالأخوان.
لكن الغريب في الأمر أن سياسة الجماعة العلنية تبدو مناهضة للسياسة الأمريكية في ذات الوقت الذي تسعي فيه الجماعة بكافة الوسائل و الطرق لفتح قنوات اتصال سرية مع الإدارة الأمريكية ، وهو منهج أقرته الجماعة كمبدأ استراتيجي في (1).
تعامل الجماعة مع أمريكا!! ، وتم اعتماده في المؤتمر الذي عقده " التنظيم الدولي للأخوان " في أواخر عام 2004 بالعاصمة التركية استانبول (9)
وعن سعي الجماعة المتواصل لدعم علاقاتها بالإدارة الأمريكية في ظل الحصار المفروض علي الاتصالات الخارجية للجماعة ، والمتمثل في الرقابة التي فرضها نظام مبارك علي أعضائها وحظر سفرهم ، استغلت الجماعة السماح لبعض أعضائها بالسفر( منهم أمين اتحاد الأطباء العرب ) في عقد لقاءات هامة علي هامش أعمال المؤتمرات التي شاركوا فيها مع شخصيات أمريكية مثل " ريتشارد ميرفي " مساعد وزير الخارجية السابق و " جورج تينت "رئيس المخابرات الأمريكية " السابق .
وكان قد سبق لكل من الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب ومرشد الجماعة السابق ( السيد/ مهدي عاكف) عقد لقاء مع ( جون شاتك ) الشخصية البارزة بالكونجرس الأمريكي في سبتمبر 2004 لعمل ترتيبات لزيارة وقد أخواني للولايات المتحدة وعقد لقاءات مع مسئولين أمريكيين (11) .
في القاهرة كانت الاتصالات مستمرة ما بين رجال السفارة الأمريكية ورموز من جماعة الأخوان قبل ثورة يناير2011 منها لقاءات سعد الكتاتني مسئول الكتلة البرلمانية وقتها و الذي اصبح فيما بعد رئيس مجلس الشعب الذي تم حله مؤخرا بالمستشار السياسي للسفارة الأمريكية بالقاهرة ، أدعي ( الكتاتني أن هدفها محاولة حصوله علي تأشيرة دخول الولايات المتحدة الأمريكية (!)
وفيها ابلغه الدبلوماسي الأمريكي باختياره ( كرجل أمريكا داخل الجماعة ) ، أما بعد الثورة وظهورهم العلني أصبحت اتصالتهم مع المسئولين الأمريكيين علنية وإن ظل مضمون اللقاءت يكتنفه الغموض وبعيدا عن الدولة المصرية، حتي بعد أن اصبح الدكتور مرسي رئيسا لمصر، وهو الأمر الذي دفع أحد اساتذة العلوم السياسية ( د. جهاد عودة أن يتسائل : لماذا رفض د. مرسي جلوس طرف ثالث اثناء لقائة مع ماكين ؟ ومن المؤكد أن تفاصبل عن هذا اللقاء تسربت أو ستتسرب علي الأقل داخل الولايات المتحدة ! وكما يقولون ( الشيطان في التفاصيل )!! لكن من التفاصيل ما يستحق التوقف والانتباه هو ما جاء في : " مستند أمريكي(12) تضمن تقريراً تحليلياً صادر عن البروفيسور ميخائيل جوسودوفسكي مستشار المخابرات الأمريكية للجماعات الإسلامية السياسية قدمه للإدارة الأمريكية أوائل عام 2010 كتب في عنوانه:
من سيساعد " السي آي إيه " الأمريكية و " الموساد " الإسرائيلي و " الناتو " في إعادة ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيكون ( الإخوان المسلمين في مصر) !!!!!؟
s.elbaga@yahoo.com
(2)
المراجع
1ـ السيدة همة عابدين مواطنة أمريكية مسلمة من أصول باكستانية لأبوين مهاجرين وتبلغ من العمر 37 سنة وهي زوجة عضو مجلس النواب الأمريكي السابق ( أنتوني وينر ) عن ولاية نيويورك ، وتعمل مع هيلاري كلينتون عندما كانت هيلاري عضوة بمجلس الشيوخ عن نيويورك ، نقلا عن جريدة الواشنطن بوسط الأمريكية 18 يوليو 2012.
2ـ تصريحات ميشيل بكمان عضو مجلس النواب الأمريكي لراديو شو الأمريكي بتاريخ 19 يوليو 2012
3 ـ صحيفة الواشنطن تايمز 26 يونية 2012
4ـ راجع أ.حمدي السعيد سالم " نحالفا ت الظلام بين الأخوان والأمريكان لحكم مصر ــ الحوار المتمدن عدد 3536 بتاريخ 11 ديسمير 2012
5ـ لمزيد من التفاصيل راجع ( مع الإمام الشهيد حسن البنا ) تأليف د. محمود عساف ( القيادي بالتنظيم الخاص لجماعة الأخوان المسلمين والذي يوصف برئيس جهاز المخابرات للجماعة )ص13،14.
6ـ الوثائق الأمريكية السرية لوزارة الخارجية الأمريكية ( مفرج عنها في أغسطس 1984) اعتمد عليها الكاتب سيد عساكر في أكثر من مؤلف له
7 وثائق عن الفترة من1945 وحتي 1956 محفوظة بالأرشيف القومي الأمريكي بواشنطن جمعها ـ د. رضا أجمد شحاته استاذ العلاقات الدولية والسفير السابق بالخارجية المصرية جمعها واصدر بها كتابه الهام " اتجاهات السياسة الخارجية لأمريكا نحو مصر في تلك الفترة " .
8 ـ الوثائق الأمريكية السرية لوزارة الخارجية الأمريكية ( مصدر سابق ) وفيها تقاريرمن السفير جيفرسون كافري بتلقي معلومات من جماعة الأخوان عن مخازن سرية للأسلحة لا تعرف عنها ثورة يوليو 1952 شيئا .
9ـ رؤية الأخوان للسياسة الأمريكية وكيفية التعامل معها ، سياسة تم اعتمادها في المؤتمر الذي عقده " التنظيم الدولي للأخوان " في أواخر عام 2004 بالعاصمة التركية استانبول وفيه تمت الموافقة علي الانفتاح علي الإدارة الأمريكية إنطلاقا من العلاقات القديمة!
10 ـ مؤتمر" الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني " المنعقد في ابريل 2005 بالعاصمة التركية اسطانبول
11ـ السراج اليماني ( لحج نيوز ) 20 فبراير 2012 ملف العلاقات السرية بين الإخوان المسلمين والولايات المتحدة الأمريكية ا ـلحلقة الثانية