السبت ٤ اغسطس ٢٠١٢ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج
تتواتر الاعتداءات والحرائق والسلب والنهب والتلفيات والمذابح والتهجير القسري بسبب الدين، ثم نعود بعد كل حادثة للمربع رقم واحد؛ ليكون المطلب الرئيسي للمسيحيين المصريين هو مجرد الحق في الحياة والعيش؛ على قاعدة المواطنة؛ بعد غض الطرف في كل مرة عن أسباب الأحداث وعن الإغاثة وتحقيق الأمن، ثم التحول العكسي لإيجاد التبريرات وحماية المجرمين من العقاب القانوني العادل... حتى أصبح كل ذلك بصمة وصناعة وصفقة واحدة للخراب؛ تدفع المواطنين الأقباط ليطالبوا فقط بحق الحياة؛ وحق العودة إلى ديارهم المحروقة والمنهوبة في عقاب جماعي بسبب ديانتهم... إنهم يطالبون فقط بأن يتمكنوا من مواصلة حياتهم بسلام؛ والعفو عنهم؛ لا لأنهم قتلة ومن أرباب السجون؛ لكن فقط لأنهم مسيحيون!!!! أية جرائم عنصرية هذه؟؟!! لقد سرقوا طعامهم وفراشهم وحليب أولادهم وأدويتهم ومقتنياتهم التي ادخروها على مدى شقاء الزمن ثم تركوا الأرض محروقة من ورائهم...
كل هذا اصطيادًا وافتعالاً كي يدفع الأقباط ضريبة إيمانهم المسيحي وبقائهم... وهم اليوم كالبارحة يطالبون بحق العودة كلاجئين في بلادهم في غيبة الدولة مما حدث ويحدث!!! فهل تأتي مفوضية اللاجئين لتقيم لها مكتبًا خاصًا بالتهجير القسري الداخلي للأقباط في مصر تحت وطأة الاضطهاد؟؟!! أم أن تقوم الكنيسة بعمل مدن ملجأ لمثل هذه الحوادث المُخزية؟؟!! مثلما حدث في الكشح وأطفيح وديروط وفرشوط ونجع حمادي والعامرية وصولاً إلى دهشور... والذاكرة هنا لا تحضرني حتى أحصر كم الغزوات التي وقعت وتقع لأبناء شعبي، وكم الافتراءات الكاذبة والمحاضر الكيدية المُختلقة لأناس بيوتهم صارت خاوية خربة ومحرَّقة وكأنهم ضحايا حرب، ومع هذا هم يتطلعون بحذر للرجوع إليها؛ منتظرين إشارة ممن استقووا ونهبوها واستولوا على ما فيها؛ ضمن مسلسل الاضطهاد المَقيت بسلطان من الأثيم الذي يستنزف كل شيء آدمي "نفسي ومادي" طفحت به كأس مرارة التمييز والضغوط والتفجيرات والمعايدات بالدم والقتل العمد على أساس الهوية.
إنها ليست أحداث فردية لكنها عنصرية بإمتياز... والقتلة ليسوا قِلة؛ لكنهم كُثُر بطول البلاد وعرضها؛ مُصابين بعصاب الظلم القهري ولوثة الكراهية المظلمة والتهييج؛ والتي لن تُفلح معها البيانات وجلسات العُرف الاستسلامية الجبرية؛ إنما الإصلاح يتحقق بعدل الله وتحقيق المواطنة وتطبيق القانون في حالة وجود دولة -- إن وُجدت – فالجميع يزعم أنه ضد الطائفية والاضطهاد ويريد أن يغسل يده منها؛ حتى وإن انغمس فيها من رأسه حتى أخمص قدميه!!! فكيف إذن سنعيش وننهض في وطن واحد؟؟ بعد أن انقلبت الطائفية إلى عنصرية واستفحلت بعد التمكين!! بينما لا علاج إلا إذا توافرت إرادة العدل والقانون والإخلاص لوجه الله والوطن؛ للتخلص من القهر والإكراه وهذه الأفعال الأفعال الاستئصالية.
إما من جهتنا نحن الأقباط فأقول أن التسامح والخد الآخر لا يعني السكوت عن الحق، أو أن نكون جثثًا هامدة... لأننا أمام جرائم دولة: تنكر وتستخف وتتواطأ وتنسى دورها بل وتشارك؛ ثم تعاقب الضحايا وتعتقلهم كرهائن وكروت ضغط للتنازلات والإذلال والرضوخ للاستهداف... فلنتجمع ونعمل؛ كلٌ على قدر طاقته؛ في يقظة وعمل وصلاة... وكيف لا؟؟!! وإخوتنا المتضررون في كل هذه الهجمات الإرهابية يحتاجون إلى مساندة ومساعدة وتدعيم وتأهيل على كل الأصعدة.
ولا ننسى أنه لولا إلهنا لابتلعونا ونحن أحياء... مشيئته هي خلاصنا حسب إرادته التي في كل شيء ستؤول للخير لكل الذين يحبونه ويُضطهدون من أجل اسمه... واثقين أنه قريب وأنه سينقذنا من فم الأسود والتنانين ورئيس سلطان الهواء؛ لأنه ضابط للكل... وإن تأنَّى يستجيب؛ ويأتي بالتعويضات ليُظهر حياته فينا ويمنح كنوزه السمائية للمتضررين والمحزونين والمشردين لسبب أن اسمه قد دُعي عليهم... وهو سيكرم الذين أُهينوا واحتُقروا وسُخر منهم؛ بتيجان الجمال والكرامة والتروس التي لا تُقهر... كذلك سيجازي مبغضيه سخطًا وعقابًا، فلا أحد يستطيع الإفلات من عدالة الله المُجري القضاء في حينه.
ولنعلم أن الشدائد التي تجري لإخوتنا ولنا هي لامتحان إيماننا؛ حتى تُنشئ صبرًا؛ ونثمر بالصبر اقتناء أنفسنا؛ في امتحان الفرز "فرز وتمييز المؤمنين" الذين أسماؤهم مكتوبة في سفر الحمل منذ تأسيس العالم... هذا الصبر الذي نصبر به هو أصل كل الخيرات وملك الفضائل وأساس السُلَّم الذي يلازم ذبيحة إيماننا عبر رحلة العبور كلها.