الأقباط متحدون - الهجرة ليست خيانة أو كفرا..
أخر تحديث ٠٧:٢٧ | الاثنين ٦ اغسطس ٢٠١٢ | ٣٠ أبيب ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٤٤ السنة السابعة
إغلاق تصغير

الهجرة ليست خيانة أو كفرا..

 بقلم منير بشاى - لوس أنجلوس

 
 نشرت جريدة الوفد مقالا بتاريخ 31 يوليو 2012 بعنوان "الأقبط يرفضون دعوة بولا للهجرة" والمقال يتهم نيافة الأنبا بولا بانه دعا الأقباط الى الهجرة اذا لم يحصلوا على حقهم فى الاحتكام لشرائعهم فى الدستور الجديد.  هذا بينما نص ما قاله الأنبا بولا طبقا لجريدة الشروق هو "اذا لم يتم اضافة نص يسمح للاقباط بالاحتكام الى شرائعهم ساقول للاقباط لم يعد لكم مكان على أرض مصر"  وواضح أن نيافة الأسقف لم يقل لأحد ان يهاجر، بل كل ما قاله انه ان لم يشتمل الدستور على التغيير المقترح فمعنى ذلك ان الأقباط لم يعد لهم اعتبار فى وطنهم.  ولكن حتى مع افتراض ان نيافة الاسقف طلب من الأقباط الهجرة- ما المشكلة فى ذلك؟ الا طبعا اذا اعتبرت الهجرة نوعا من الخيانة للوطن أو الكفر بالله.  والغريب ان هذه التهم لا توجه للمواطنين المسلمين مع ان ظاهرة الهجرة تمسهم أيضا بنفس الدرجة ونفس النسبة ومع ان المواطن المسلم لا يعانى فى مصر ما يعانيه المواطن القبطى من ظلم واقصاء.  والغريب ان هجرة الأقباط ينظر لها هكذا مع انها لم تقابل يوما بالاعتراض من السلطات بل يمكن ان يقال انه كان هناك اتجاه عام لتشجيعها حتى مع التخصصات التى تحتاج لها الدولة.
 
   تاريخ الاقباط مع الهجرة ليس طويلا.  فلم يكن الأقباط  من الشعوب التى تميل الى الهجرة كالعبرانيين والفينيقيين والأرمن.  كان الأقباط منذ القديم مرتبطين بأرض وادى النيل يعملون فى فلاحتها ويعيشون من خيرها، ولم يعرف عنهم ميلهم للتجارة والسفر الى بلاد العالم للبيع والشراء.
 
 تغيرت هذه الظاهرة فى النصف الثانى من القرن العشرين بقيام ثورة 1952 التى جاءت بمفاهيم جديدة تضخم من نعرة العروبية وتقلل من أهمية الأصول الفرعونية لمصر وانتهت بالغاء ناصر اسم مصر الى ما يسمى ب " الجمهورية العربية المتحدة " ورغم ان تجربة هذا الاتحاد العربى لم يضم الى جانب مصر سوى دولة واحدة وهى سوريا، ولم يستمر الاتحاد سوى حوالى ثلاث سنوات (1958- 1961)، ولكن  الاسم استمر معنا حتى نهاية حكم عبد الناصر.
 
   وكان تبنى عبد الناصر لفكر الاشتراكية قد وضعه فى صدام مع الدول الغربية الرأسمالية كأمريكا ونتج عنه تصنيف مصر على انها دولة اشتراكية وبالتالى فتح الباب على مصراعيه أمام من يرغب من المصريين فى اللجوء السياسى أو الدينى لأمريكا.  وعندما قرر عبد الناصر تأميم أموال وأراضى الأثرياء كان منهم عددا كبيرا من الأقباط كان هذا عاملا لبدء عملية هجرة الأقباط وكان طليعتهم هؤلاء الأثرياء الذين استولت الثورة على ثرواتهم وهم الذين هاجروا مصر فى عقد الخمسينات.
 
بعد هؤلاء جاء دور فوج آخر بدأ هجرته فى الستينات وهم يمثلون المهنيين وأصحاب المؤهلات العالية المتخصصة.  وهى فئة هاجرت باختيارها لثقتها فى نفسها على انها تملك المؤهلات التى تساعدها على النجاح مثل اجادتها للغات الأجنبية وحيازتها على مؤهلات علمية وخبرات عملية مطلوبة فى العالم.  هذه الفئة أخذت مكانها بسرعة فى البلاد الجديدة وتسلقت سلم الترقى بسهولة ووصلت الى مراكز مرموقة فى وقت قصير.
 
ولكن مع ازدياد التمييز فى التعيين والترقى الذى وصل أحيانا الى درجة الاضطهاد السافر، ومع سؤ الأحوال الاقتصادية فى البلاد، وجد آخرون أنفسهم مضطرون للهجرة حتى وان كانت الهجرة ليست خيارهم المفضل.  كثير من هؤلاء تعبوا فى التأقلم مع المجتمعات الجديدة، ولكن ما كان يهون عليهم هو معرفة أن تعبهم سيتم مكافأته عندما يروا أبنائهم الذين ولدوا أو تربوا فى هذه المجتمعات ياخذون مكانهم ويصعدوا الى أعلى درجات النجاح وهو ما لم يكن ممكنا ان يحققوه فى مصر. 
 
من المؤكد ان الهجرة من الموضوعات الساخنة التى تثير الجدل عند بعض الناس وتدفعهم الى رفضها وتحريمها وان استطاعوا تخوينها وتجريمها.  هؤلاء قد يصفوا الهجرة من الناحية الدينية بأنها نوع من الجبن والهروب من الاضطهاد، وقد يعتبروها سعى نحو الماديات والعيش فى أرض الخطيئة والفساد أو ما يسموه سدوم وعمورة. كما ان البعض الآخر قد يلوحوا بنعرة الوطنية ويعتبروها عملا غير وطنى وأنها تفضيل ما هو أجنبى على ما هو وطنى.
 
ولكن نظرة موضوعية للموضوع تنفى هذا.  فالفساد الأخلاقى موجود فى كل مكان وهو موجود بالتأكيد فى مصر ولكن ربما بطريقة مستترة، والسعى لتحسين أحوال الانسان وأسرته ليس عيبا، والذين هاجروا لم يبيعوا الوطن أو يخونوه فهو سيظل دائما يعيش فيهم حتى وان لم يعيشوا فيه. والمعروف ان التحويلات المالية لهؤلاء تمثل المصدر الرئيسى للعملة الصعبة فى مصر.
 
ثم ان تهمة الهروب من الاضطهاد، ان كان هذا حقيقيا ليس فيها عيب. والبقاء فى مكان لمجرد الرغبة فى تحمل الاضطهاد ليس من المسيحية وهو ينم عن استعداد مرضى نحو التلذذ بتعذيب الذات أو الماسوشية.  ومن يدرس تاريخ الكنيسة وخاصة فى بداية تأسيسها يجد أن كثيرا من المسيحيين الاوائل قد هربوا من الإضطهاد.  فيقول سفر الأعمال الأصحاح الثامن "وحدث فى ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التى فى أورشليم فتشتت الجميع فى كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل". هذا الاضطهاد وما صحبه من هروب من أورشليم لم يكن تأثيره سلبيا على المسيحية بل العكس فقد كان له نتائجه الايجابية اذ ساعد على تنفيذ المخطط الالهى عندما أمر السيد المسيح التلاميذ بالارسالية العظمى بأن يذهبوا ويكرزوا بالانجيل للخليقة كلها بدءا بأورشليم ثم اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض (مرقس 16: 15) وهنا نرى كيف ان الله اراد ان يهز العش الآمن للتلاميذ فينقلهم الى الخطوة التالية فى برنامجه من ناحية نشر بشارة الانجيل.  هذا بالاضافة الى أن التلاميذ عندما تشتتوا تحقق لهم النجاح المادى فى البلاد التى ذهبوا اليها وبالتالى كان فى استطاعتهم تقديم يد العون المادى لمن بقى فى أورشليم حيث تردت الاحوال هناك لدرجة المجاعة.  وهنا جاءت مساعدة من تشتتوا (أو هاجروا) لهم فى غاية الأهمية.(انظر رومية 15: 25- 27)
 
وما حدث مع الكنيسة الأولى يحدث أيضا مع الأقباط المهاجرين.  فحيثما ذهبوا كان أول أهدافهم بناء كنائس جديدة يتعبدون فيها وينشروا بشارة الانجيل للمجتمع. فانتشرت الكنائس فى كل بلاد العالم ومعها امكن أن تشع بشرى الانجيل للمناطق المحيطة.  كما ان نجاح هؤلاء المادى قد ساعد من تبقى فى مصر وخاصة من بين أقاربهم للتفريج عن ضائقاتهم المالية. ولكن شيئا هاما قد أمكن تحقيقه أن هؤلاء المهاجرين أصبحوا أيضا لسانا لاعلان مأساة أخوتهم فى العالم.  وقبل ان يقفز أحد فى وجهى مستنكرا، ما كان قبطى يحب ان يأخذ هذا الدور لولا وجود مشاكل حقيقية فى مصر كان من هاجروا هم أول ضحاياها. فقبل ان تقول للباكى لا تبكى قل للضارب لا تضرب.
 
من الخطا النظر الى موضوه الهجرة من منطلق أنه إما حرام أو حلال، خيانة أو وطنية.  فهو قرار لا يخضع لهذه المعايير ولكن ربما الأصح ان يتم تناوله من منطلق ما اذا كان مناسبا أم غير مناسب لكل حالة على حدة. هذا هو السؤال الذى يجب ان يوجهه المرء لنفسه فالحكم فى موضوع الهجرة ليس حكما مطلقا يمكن ان تصدر بخصوصه قواعد عامة، ولكنه قرار شخصى على كل انسان ان يقرره لنفسه.  وفى النهاية تبقى الحقيقة التى لا مفر منها، وهى تطمئن من يخشون ان تؤدى هجرة الأقباط الى تفريغ مصر من أقباطها، هذا لن يحدث، لأن أكثر من نصف المصريين، أقباطا أو مسلمين،غير مؤهلين للهجرة ولا خيار أمامهم سوى البقاء فى مصر، مهما كانت قسوة الحياة.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter