الأقباط متحدون - القاعدة في سوريا
أخر تحديث ١٦:٢٤ | الثلاثاء ٧ اغسطس ٢٠١٢ | ١ مسرى ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٤٥ السنة السابعة
إغلاق تصغير

القاعدة في سوريا


بقلم- د.عبدالخالق حسين
وأخيراً، اعترف الإعلام الغربي بوجود تنظيم القاعدة في سوريا، وآخر تقرير في هذا الخصوص نشرته صحيفة الغارديان اللندنية *. في الحقيقة لم تكن علاقة منظمة "القاعدة" الإرهابية بسوريا جديدة، إذ دخلتها بسلام آمنين، وبدعوة "كريمة" من الحكومة السورية نفسها، في حلف غير مقدس لقتل العراقيين، والذي  بدأ بين الطرفين، السوري والقاعدة، منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، ومع تحضيرات أمريكا لقيادة الحملة العسكرية الدولية لإسقاط حكم طالبان في أفغانستان، ومن ثم حملة تحرير العراق من حكم البعث الصدامي، وعندما وضع الرئيس بوش إيران وسوريا ضمن محور الشر وأن دورهما سيأتي بعد صدام. وعندها بدأت الحكومة السورية إيواء أتباع القاعدة ومدهم بالمال والسلاح والتدريب، وإرسالهم إلى العراق لقتل العراقيين الأبرياء لإفشال العملية السياسية على أمل إغراق أمريكا في المستنقع العراقي!! إلى أن أنقلب السحر على الشاطر السوري!!.

نشر السيد غيث عبدالأحد، مراسل صحيفة الغارديان البريطانية في 30/7/2012، تحقيقاً صحفياً وافياً عن تواجد القاعدة في سوريا، ومحاولتها سرقة انتفاضة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد. ففي مقال سابق لنا بعنوان: (هل تعيد أمريكا السيناريو الأفغاني في سوريا؟) أشرنا إلى ما تقترفه أمريكا من أخطاء (كما تبدو لنا)، ارتكبتها في أفغانستان يوم دعمت منظمات الجهاديين الإسلاميين، ومنها القاعدة وطالبان، لإسقاط الحكومة الشيوعية فيها وفق سياسة الحرب الباردة ضد المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك. ثم دفعت أمريكا الثمن باهضاً بعد أن هيمنت طالبان على أفغانستان التي صارت حاضنة لمنظمة القاعدة، الأمر الذي أرغمها للعودة إلى أفغانستان وإسقاط حكم طالبان والقاعدة فيها. وها هي أمريكا تعيد نفس السياسة القاتلة في سوريا. فهل حقاً أمريكا بهذا الغباء لتكرر الأخطاء ذاتها؟ سأجيب على هذا السؤال لاحقاً.

التقى مراسل الغارديان بالقيادي القاعدي (أبو خضر) في إحدى ضواحي دير الزور، المحاذية للعراق، ويطلق على أتابعه اسم (الغرباء)، وهم في منتهى الانضباط والطاعة. يقول أن الجيش السوري الحر حاولوا في البداية إخفاء وجود أتباع القاعدة في صفوفهم خوفاً من أن ينكشف أرمهم ويعرف الغرب بهم، ولكن صاروا أخيراً القوة الضاربة ضد القوات الحكومية. وقال القيادي القاعدي أبو خضر لعبدالأحد، بحضور عدد من المعارضين:"إن مسلحيه قدموا المساعدة لمقاتلي الجيش الحر كعربون صداقة وزودوهم بشاحنتين مفخختين، وكانت النتيجة إنفجارات هائلة في القاعدة العسكرية أدت إلى جلاء قوات النظام عن البلدة في اليوم التالي." ويقاتل مسلحو التنظيم الجهادي المتطرف بسرية تامة تحت ألوية الجيش الحر خشية إحداث رد فعل عكسي لمعارضي ايديولوجيتهم."

ويضيف أبو خضر: "في البداية كان عدد المجاهدين قليلاً، والآن، ما شاء الله، مهاجرون كثيرون من أصحاب الخبرة، رجال من اليمن، والسعودية والعراق والأردن. اليمانيون أفضلهم انضباطاً والتزاماً بالدين. أما العراقيون فهم الأسوأ في كل شيء وحتى في الدين". وهنا سأل أحد الحضور: "وماذا تنوون عمله في سوريا، هل أنتم مقدمون على قطع الأيدي وتقيمون نظاماً كما في السعودية؟ وهل هذه هي غاية الثورة التي نقاتل من أجلها؟" أجاب أبو خضر: "هدف القاعدة إقامة الدولة الإسلامية وليس الدولة السورية... الذين يخافون تنظيم القاعدة يخافون تطبيق شرع الله. إذا لم ترتكب إثماً فلا خوف عليك."*

موقف الحكومة العراقية
استغرب كثيرون من الكتاب من موقف الحكومة العراقية غير الداعم للانتفاضة السورية، بل حاول البعض اتهام المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم السيد نوري المالكي بدعم نظام بشار الأسد، وأن هذا تناقض في الموقف العراقي، خاصة وأن بشار الأسد كان يرسل الإرهابيين لقتل العراقيين وإفشال العملية السياسية. وراح البعض يتهم الموقف العراقي أنه استجابة لضغوط إيران حليفة سوريا.

الحقيقة، وحسب معطيات الواقع، وتصريحات المقربين من الحكومة العراقية ورئيسها السيد نوري المالكي، أن المسؤولين العراقيين ليسوا على علاقة حميمة مع نظام بشار الأسد، وأنهم مع حرية الشعب السوري، ولكنهم في الوقت الحاضر هم أمام خيارين، كلاهما شر، وفي هذه الحالة من الحكمة القبول بأقل الشرين. وبالتأكيد فإن نظام بشار الأسد هو أقل شراً على العراق وعلى الشعب السوري من حكم القاعدة على حدوده. وهناك تصريحات من بعض قادة القاعدة في سوريا، أنهم بعد إسقاط البعث السوري، سيستحوذون على الغازات السامة لاستخامها في العراق.

الموقف الأمريكي من القاعدة في سوريا
والسؤال الآخر الذي نود الإجابة عليه هو: هل الإدارة الأمريكية بمخابراتها العملاقة مثل (CIA) غافلة عن وجود الجهاديين في الجيش السوري الحر؟ وهل حقاً أمريكا غبية إلى هذا الحد بحيث تسمح بتكرار السيناريو الأفغاني في سوريا؟

رغم أننا نلوم أمريكا على أمور كثيرة، وأنها بالتأكيد ارتكبت أخطاءً بحق الشعوب، وخاصة في مرحلة الحرب الباردة، وفق مصالحها، ولكن يجب أن لا ننسى أن أمريكا هي دولة مؤسسات بغض النظر عمن في السلطة. وهي لم تصبح الدولة العظمى من لا شيء، وكذلك تفوقها العلمي والفني والعسكري والاقتصادي والحضاري. إن تفوق أمريكا تشهد له ما حصدته من جوائز نوبل في العلوم، والأوسمة والمداليات في الدورات الأولمبية. فهكذا شعب غني في جميع المجالات لا يمكن أن يكون غبياً وينتخب حكومة غبية كما يعتقد البعض. إن نعت أمريكا بالغباء ناتج عن النزعة العدائية للدولة العظمى، وهو من تركة الحرب الباردة، وناتج عن الأفكار الرغبوية (wishful thinking). فالسياسة لا تسير وفق التمنيات والأفكار الرغبوية، بل وفق تخطيط علمي رصين. وكما أشرنا أعلاه، أمريكا هي دولة مؤسسات، تديرها تنظيمات واسعة من الخبراء الأكاديميين المتخصصين الجامعيين في مختلف المجالات. لذلك فليس من المعقول أن أمريكا غافلة عن وجود القاعدة في سوريا، أوأنها تريد تكرار السيناريو الأفغاني في سوريا عن جهل.

إذنْ لماذا تتبع أمريكا هذه السياسية في سوريا؟
أعتقد أن أمريكا تطبق مبدأ: "أضرب رأس الحية بيد العدو". أي توظيف عدو لضرب عدو آخر. وبعد أن يتم القضاء على العدو الأقوى، يسهل القضاء على العدو الآخر مباشرة. وهكذا ساندت أمريكا الجهاديين الإسلاميين بأموال الدول الخليجية لإسقاط النظام الشيوعي في أفغانستان، والذي بدوره استنزف طاقات الاتحاد السوفيتي الاقتصادية والعسكرية، وبالتالي إلى انهياره. ولما انقلب الجهاديون الإسلاميون على أمريكا، أوقعوا أنفسهم في الفخ الأمريكي، خاصة وقد حضت أمريكا بعطف وتأييد العالم بعد جريمة 11 سبتمبر 2001، فشنت حملتها العسكرية على دولة طالبان وقضت عليها بالضربة القاضية وبسهولة. أما استمرار الإرهاب الذي تشنه القاعدة وطالبان فهذا لا يعني هزيمة أمريكا، فالمعركة لم تنتهي بعد، والنتائج تعرف في النهاية وليس في بدية أو منتصف المعركة.

ونفس السيناريو يتكرر الآن في سوريا، فها هي أمريكا تستثمر الطاقات الضاربة والشراسة الكامنة في رجال القاعدة، والجيش السوري الحر، وبتمويل من السعودية وقطر، ودعم من تركيا، لإسقاط نظام بشار الأسد، وعندها ليس من الصعب على أمريكا ضرب القاعدة في سوريا أو العراق أو أي بلد آخر. فالتاريخ القريب يؤكد لنا أن ومصير كل من تمرد على أمريكا بات معروفاً، ابتداءً من صدام حسين، ومروراً ببن لادن ومعمر القذافي... وغيرهم. وبشار الأسد ليس استثناءً.

العنوان الإلكتروني: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
 الموقع الشخصي: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تقرير صحيفة الغارديان اللندنية عن وجود القاعدة في سوريا
The Guardian: Al-Qaida turns tide for rebels in battle for eastern Syria
http://www.guardian.co.uk/world/2012/jul/30/al-qaida-rebels-battle-syria?newsfeed=true


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع