يعتبر بعض الباحثين أن القضية المحورية التى جرى الصراع حولها بين تيارات الفكر السياسى الإسلامية كانت تدور حول طبيعة السلطة العليا فى الدولة.. هل هى دينية لا دخل للبشر فيها كما ذهب إلى ذلك الشيعة؟ أم أن هذه السلطة ذات طبيعة مدنية، البشر هم الذين يختارونها ويعقدون لصاحبها، ثم هم يراقبونه ويحاسبونه ولهم عليه سلطات التقويم بل والعزل -وإن بالثورة- على النحو الذى قال به المعتزلة ومن ورائهم أغلب الفرق والتيارات؟ كانت هذه القضية هى السبب الذى قسم أمة الإسلام إلى سنة وشيعة. عبر تمهيد وأبواب ثلاثة، ينتظم كل باب منها عددًا من الفصول، يعالج كتاب «قضية الحكم فى الفكر الإسلامى الحديث» لصاحبه الباحث التونسى حمادى ذويب، قضية (الحكم فى الفكر الإسلامى) كما تجلت وتجسدت فى كتب ثلاثة ممن قدموا اجتهادات وتصورات متباينة ومتفاوتة بتباين منطلقات كل منهم واختلافها عن الآخرين، ما بين كاشف لطبيعة العلاقة بين الدين والدولة أو «الإسلام وأصول الحكم» من منظور معاصر يطرح اجتهادًا جريئًا يقوم على قراءة عميقة للنصوص القرآنية والنبوية، أو آخر داعٍ لنظام حكم إسلامى، يوظف فيه النصوص الدينية طبق تفسيرات معينة للوصول إلى أن لا سبيل إلى حكم رشيد إلا بالتماهى بين الدين المطلق وأحوال السياسة المتغيرة، مُوظفًا مفهوم الحاكمية ورادًا الأفكار والنظم الحديثة وفق ما أطلق عليه «التأصيل الإسلامى»، وأخيرًا من يرى الفصل بين الدينى والدنيوى من منظور مغاير وقراءة مختلفة. الكتب الثلاثة هى بترتيب صدورها من الأقدم إلى الأحدث، «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ على عبد الرازق، وكتاب المرحوم عبد القادر عودة «الإسلام وأوضاعنا السياسية»، والكتاب الثالث والأخير لمحمد أحمد خلف الله «عن القرآن والنبوة». فى تمهيده للكتاب أوضح المؤلف دوافع اختياره هذه الكتب الثلاثة واتخاذه لها مادة لبحثه، وعرض للإطار العام والتاريخى لقضية الحكم فى الفكر الإسلامى، قديمًا وحديثًا، واختتم التمهيد بعرض تعريفى موجز بالكتب الثلاثة. فى الباب الأول (مفاهيم وتصورات) تعرض المؤلف للمفاهيم والتصورات الأساسية، كما عرضها أصحابها فى مؤلفاتهم، وهى مفاهيم (الحكم)، و(الحكومة)، و(السلطة والسلطان)، و(الدولة) عبر استقراء للكتب الثلاثة وإجراء مقارنة بينها للكشف عن بنيتها وآليات تشكلها. الباب الثانى خصصه المؤلف لتناول (الدين/ السياسة/ الدولة) من خلال استعراض موقف كل مؤلف من المؤلفين الثلاثة للموقف من الخلافة.. قبولا أو رفضا تأييدا أم معارضة، ليعالج بعدها العلاقة بين الدين والدولة.. هل هى علاقة فصل أم وصل، ثم يتعرض لقضية (تطبيق الشريعة الإسلامية) وكيف رآها أصحاب الكتب الثلاثة.. وما مفهوم (تطبيق الشريعة) فى ذهن كل واحد منهم، وما مدى الاتفاق والاختلاف حول هذا المفهوم وما يترتب عليه من نتائج؟ ويختتم الباحث التونسى كتابه بالباب الثالث والأخير الذى يتناول دراسة للمنطلقات الفكرية وآليات الخطاب للكتب الثلاثة، ويوجز أهم نتائج دراسته فى خاتمة مستقلة. يعارض الباحث التونسى فى كتابه الفهم السلفى للشريعة، ويقر باستحالة اعتبارها دستورًا للمجتمعات العربية والإسلامية الحديثة، فالدستور من وجهة نظر قانونية يعتبر «الوثيقة» الأساسية للدولة.. ويؤكد أنه «مجموعة من القواعد القانونية التى تتعلق بتنظيم الحكم السياسى من خلال تحديد شكل الدولة وشكل الحكم فيها وشكل النظام». ويرى المؤلف أن هذا الفهم القانونى للدستور ينفى كذلك اعتبار الشريعة دستورًا، وحتى اعتبار بعض الدساتير فى الدول الإسلامية أن الشريعة مصدر أساسى للتشريع لم يكن إلا تعبيرًا عن الإسلام كواقع اجتماعى قائم بذاته. ويؤكد الباحث أنه إذا كان الخطاب الدينى يستهدف فى مجمله من خلال ترويجه مفهوم «الحاكمية» القضاء على تحكم البشر واستعبادهم بعضهم بعضًا، فإن هذا المفهوم ينتهى على المستوى التطبيقى إلى تحكيم بشر من نوع خاص يزعمون لأنفسهم احتكار حق الفهم والشرح والتأويل، وأنهم هم وحدهم الناقلون عن الله. وإن كانت حاكمية البشر يمكن مقاومتها وتغييرها بأساليب النضال الإنسانية، فإن النضال ضد حاكمية الفقهاء يوهم بالكفر والإلحاد مما يفقد البشر أى قدرة على تغيير واقعهم أو تعديله.